المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    نمو مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء قاع أسراس    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    رئيس الحكومة يحل بالمنامة لتمثيل جلالة الملك في القمة العربية    أندية "البريميرليغ" تجتمع للتصويت على إلغاء تقنية ال"VAR" بداية من الموسم المقبل    أسرة أمن تنغير تخلد ذكرى التأسيس    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع شريط فيديو يظهر شرطي مرور يشهر سلاحه الوظيفي على وجه أحد مستعملي الطريق    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    القمة العربية: عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزة    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "فيفا" يدرس مقترحا بإقامة مباريات الدوريات المحلية خارج بلدانها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة.. نزول أمطار ضعيفة ومتفرقة فوق مناطق طنجة واللوكوس    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أول المنفى" للشاعر علي العلوي
من قسرية المنفى إلى اختيار الرحيل
نشر في طنجة الأدبية يوم 23 - 01 - 2010


• مدخل
من أين يبدأ الحديث عن الشعر؟ إذا جاز بشكل أو بآخر وجود نقطة بداية له. هل من تمظهرات النص النهايئية على مستويات اللغة، و الإيقاع، و الأخيلة؟ أم من التشكيلات الخطية للنص، و توزيعها على بياض الصفحات؟ أم من الخفايا الروحية الكامنة وراء كل كلمة تحمل نبض الانتصار، أو الانكسار الذي يشعر به المبدع، ويحاول التخلص منه بإيجاد معادل موضوعي له على تقعيد ت.س إليوث[1]؟
تتعدد الطرق في الحديث عن الشعر، والتعامل معه. و تتوحد أشياء أخرى بعد الحديث عنه. وبين التعدد والتوحد، يعيش الناقد المتخصص، والمتلقي العاشق، متعة افتضاض بكارة النص، وهوس البحث عن الدلالة. ونتساءل من جديد: هل فعلا ندرك كنه النص؟ هل ندرك المجهول في النص، أو نكاد؟
هناك العديد من الإجابات التي تعتمد كل واحدة منها خلفيات منهجية، ومعرفية خاصة بها. لكن يبقى البحث عن الدلالة، ومسألة الوصول إليها شديد الصلة بمدى استيعاب جدلية المد والجزر القائمة بين لا نهائية النص الإبداعي، ونهائية النظرية و التحليل/المنهج[2]. أي في كيفية نقل تلك الخلفيات المنهجية والمعرفية، من وجودها بالقوة إلى وجود بالفعل، من خلال تطبيقها عمليا على النص.
يبدو هذا الأمر ضربا من المستحيل. من يمتلك خاتم سليمان؟ أو يتقن سحر هاروت وماروت؟ أو يجيد الرقص على الحبال ليحققه؟ التصدي لأمر كهذا يشبه إلى حد بعيد مسألة قطع أشواط من حقول ملغمة، على الذي يمتطي صهوة السير فيها تفادي الوقوع في أي خلط مفاهيمي، أو غموض إجرائي، أو منزلق منهجي، حتى لا يتم نسف كل ما قام به، أو يود القيام به.
لا نود من خلال هذا الطرح التصريح أو التلميح بأن قراءة المتن الشعري لا بد لها أن تأخذ وجهة معينة، ومحددة منذ البداية. فليس هوى الكتابة النقدية عموما سواء في القديم أو الحديث هو تفكيك آليات الكتابة الشعرية، وإن كانت تمارس هذا، ولا هو في اختراق حجب الشعر، وهتك أستار النص، وإن كانت تقوم به. فالنية/المنطلق في كل قراءة للشعر هي الإحساس بليلى الشعر، ومحاولة ترجمة هذا الإحساس في نصوص عالمة، ومؤسسة. ولن يتحقق هذا إلا بالدخول " في حوار مع النص، وأصل الحوار مبادرة النص بالسؤال، ثم السؤال، فالسؤال. ويجيب النص على أسئلتنا، شريطة أن نكون على بينة من ثقافة طرح الأسئلة، وأن نكون على علم بكيفية تلقي هذه الأجوبة، وأن نكون ملمّين بالأدوات، والإجراءات، والمبادئ التي تساعدنا على فهم هذه الأجوبة وإعادة بناء النص في ضوئها"[3].
في ضوء هذه المجموعة من الاعتبارات المنهجية، سوف نقارب ديوانا من الدواوين الشعرية، التي جاءت لتتوّج مسيرة متميّزة لشاعر لا نودّ إصدار أي حكم في حقّه قبل قراءة هذا المتن الشعري.
كثيرة هي -كما قلنا سلفا- سبل اقتحام فضاء النص الشعري، ومتعددة هي كذلك أنماط القراءة، ولكننا سوف نحاول في هذا الإنجاز التقيد، والتحرر بما ومما سبقنا من دراسات، وقراءات. التقيد بأفق الممارسة النقدية باعتبارها بحثا عن الدلالة الكائنة والممكنة في المتن الشعري المستهدف، والتحرر من صرامة الخطوات المنهجية التي اعتمدت في هذه القراءة، أو تلك.
إننا نؤمن أن النقد، أو القراءة النقدية بقدر ما هي ممارسة موضوعية، ترجو أكبر قدر من العلمية، هي في الوقت ذاته ممارسة ذاتية، تقوم بالأساس على طبيعة الأثر الذي يحدثه النص الجمالي في ذات المتلقي. هذا الأخير يحاول بالقدر المتوفر لديه من الأدوات الفكاك من هذا السحر.
انطلاقا من سحر النقيضين هذا: الهروب من التأثير، والوقوع في آساره، تتشكل سمات هذه القراءة، أو تلك، وبطبيعة التحكم في حجم هذه المفارقة تتميّز قراءة عن قراءة، ويختلف تخريج عن تخريج.
الدلالة المركزية في النص و تحولاتها
يقدم لنا ديوان "أول المنفى" للشاعر علي العلوي باعتباره الإصدار الأول في المسار الشعري لهذا الشاعر مجموعة من النصوص المنتقاة من هذه التجربة بنوع من التناغم الدلالي، ونوع من التقارب الجمالي. كما يحرص الشاعر على تقديم متن تتحقق فيه مجموعة من الآليات الدلالية التي تفضي بنا في نهاية المطاف إلى استخلاص الرؤية التي يستضمرها الديوان ككل، والتي تعتبر بطريقة أو بأخرى التوجه الفكري لصاحب الديوان.
وقبل الشروع في الحديث عن الدلالة المركزية وتجلياتها، ثم مستويات الارتقاء التي حققتها، لا بد لنا من تسجيل مجموعة من الملاحظات التي تخص هذا المتن في عمومه، قبل خصوصه:
§ يمتلك هذا الديوان صفة من الاستواء الدلالي والإيقاعي الذي يمنحك الإحساس بأنك أمام نص نواتي تتعدد صوره، وتتنوع أشكال تجليه.
§ يمتلك هذا الديوان بنية معجمية تشي بأن الشاعر يتحرك ضمن مخزون لغوي معين مرن تتحكم فيه التصورات الدلالية التي يصدر عنها الشاعر.
§ يمتلك هذا الديوان تصورا استراتيجيا على مستوى توزيع النصوص فيما يخص البنية التراتبية لجميع القصائد.
وهكذا يمكننا أن نقول إن النص يتأسس دلاليا على تيمة الرحيل باعتباره الفعل الذي ألزمت الذات بالقيام به قسرا، الذات وهي تعيش تجربة المعاناة الأزلية على الصيغة السيزيفية، كانت تفكر باستمرار في هاجس السير، في ترتيب الخطو الذي يفضي إلى المكان/الحلم:
كنا كما طفلان
ينتظران معجزة
على كف الرصيف
كنا نرتب خطونا و نذوب في أدغال عزلتنا
فلما حان موعدنا تشردنا
فعدنا
ثم شردنا الرغيف
من كان يدري
أننا سنصير أطيافا هنا؟
ومن الذي أحيا مآسينا
على وقع الخريف؟[4]
الخريف في البناء المنطقي للوجود، وفي أعراف التداول البشري، يقابل نهاية المسير، إنه الموت بصورة أخرى. غير أنه في هذه التجربة : البداية.
عندما نقرأ عناوين النصوص نلاحظ هذه البنية المقلوبة التي أرادها الشاعر:
همس الوداع: هو نص افتتاحي غير أنه وخلاف أعراف الاستهلال نجده يرتبط بدلالة، أو تيمة الموت المفروضة على الذات والتي تحتار هذه الأخيرة في أسلوب تقبلها، وتصريفها:
في المرة الأولى
توحدنا كما لوح
بأسلاك الوريد
والآن ليس لنا
سوى عمر
يبدد هذه الذكرى
وليس لنا سوى قبر
تكسر بين أقداح النبيذ[5]
لحن الرماد، وهو نص ختامي، يفترض و دائما حسب أعراف البدء أن يؤشر على النهاية والزوال غير أنه هنا يحتضن تيمة الانبعاث، باعتباره معطى معلقا ينتظر التحقق من طرف آخر مجهول:
من أين أبدأ
خطوتي الأولى..؟
ومن هذا الذي
سيعيدني يوما
إلى فوضى النهار..؟
فبين أعطاف الديوان تتحقق تحولات الدلالة، وتتحقق إستراتيجية الترتيب الدلالي في النص. وبين الموت الأول والانبعاث النهائي تأخذ الدلالة مستويات متعدد، يمكننا تجاوزا حصرها في:
مستوى التذكر: يؤرق هذا الفعل الذات التي تعمل على التملص منه بصور شتى، غير أن هذا التملص هو شكل من أشكال الانخراط في صيغة للبحث عن الفعل/الجدوى:
يا صديقي
كل يوم ينقضي
يترك في ذاكرتي جرحا
وفي أمكنتي منفى
فلا الجرح شفى جرحي
ولا المنفى ملاذي
أين نمضي؟
كيف نمضي؟
كلما أنظر في وجهك
تغشاني
سيوف من معاناتك
حد القبر
إني مثلك الآن يا صديقي
تائه في هذه الأرصفة الحبلى..
ولا أدري إلى أين أسير[6].
مستوى النفي: يؤشر الشاعر على مركزية هذه التيمة انطلاقا من النص الموازي، وتحضر باستمرار على مستوى النصوص، بحيث لا يكاد يخلو نص من نصوص الديوان من دلالة النفي، كما تحضر على مستوى البنية المعجمية، فمن خلال عملية إحصاء بسيطة يمكننا تلمس حجم حضور كلمة النفي بمختلف مشتقاتها، وتحضر هذه التيمة على مستوى البنية الإيقاعية، وتؤثث في الأخير الصورة الشعرية، كما في قول الشاعر في نص مبتور لغة، منته دلالة:
لعلك
لم تكن تعلم
لماذا
صهوة البدر المنمق
قد تعالت
ليلة العرس العليل
يدا
تصافح
كل من يرضي أساريره
فخذ
فانوسك المتهالك المنهوك
وارحل
قد عهدتك
مسكنا[7]
وهكذا يصبح المنفى في الوجدان، منفى في المكان، وقد أشار الشاعر إلى هذا في عتبة الإهداء. والنفي في هذا المتن هو ذلك الإحساس المرضي بعدم استقرار الوجدان، بعدم استقرار مجموعة من القيم التي تؤثث وجود الذات. المنفى من حيث هو التحول الدائم، أو العذاب الأزلي الذي تختلط معه كل الاقتناعات والرؤى، وتتضارب معه الرغبات، وهو في ذات الوقت الوجود و العدم، أو الهباء:
هو ملتبس
كالعبارات و العبرات
وصاف كلون الهواء
هو بين منازلنا
يسحب النبض
من تحت أقدامنا
و يعود بعودة فصل الشتاء
هو لا شيء
أو كل شيء هنا
هو نحن و لا أحدا
هو هذا الهباء[8]
هذه على العموم مجموعة من الملاحظات الأولية جدا، والخاصة بطبيعة الدلالة المركزية في الديوان وطبيعة تحولاتها، والتي يمكن أن تكون مشرعة على قراءة أعمق من هذا الهباء.

________________________________________
[1] يراجع بهذا الخصوص مفهوم المعادل الموضوعي كما تحدث عنه إليوث، بحيث يعتبر الشعر أو التعبير الجمالي بشكل عام هو صيغة من صيغ التخلص مما يشعر به المبدع، و ليس التعبير عنه كما كان يعتقد الكثير من النقاد.
[2] الشعر العربي المعاصر: بنياته و إبدالاتها, الجزء الأول محمد بنيس، الطبة الأولى 1989 ، دار توبقال، الدار البيضاء، ص: 7.
[3] تحليل النص الشعري: مبادئه و أدواته الإجرائية د. مصطفى سلوي ، الطبعة الأولى 2001 ، دار الجسور وجدة، ص:218 .
[4] . الديوان، ص:5.
[5] . الديوان، ص: 6.
[6] . الديوان، ص:25/26.
[7] . أنظر قصيدة: الطيف المفقود، ص: 19.
[8] . أنظر قصيدة: نبض المعنى، ص:60/61.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.