محكمة مغربية تصدر أول حكم يقضي بالعقوبات البديلة    بمشاركة عدة دول إفريقية.. المغرب ضيف شرف المعرض الوطني للصناعة التقليدية في البنين    النقيب كمال مهدي يعلن دعمه لأبرون: ليس من غيره الآن مؤهل لتحمل هذه المسؤولية الجسيمة    الحسين رحيمي يقود العين لفوز قاتل على "دبا الفجيرة" في الدوري الإماراتي    بطولة إفريقيا للاعبين المحليين لكرة القدم: السنيغال إلى المربع الذهبي    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر حول تزايد الاعتداءات الجنسية على الأطفال    الدرك البحري يجهض محاولة للهجرة غير النظامية ويوقف متورطين        أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    الجفاف يحاصر تركيا... شهر يوليوز الأشد جفافا في إسطنبول منذ 65 عاما        كأس السوبر السعودية: الأهلي يحرز اللقب بفوزه على النصر بركلات الترجيح    المغرب يختبر صواريخ EXTRA في مناورة عسكرية بالشرق    طقس السبت.. انخفاض في درجة الحرارة وامطار رعدية    حريق جديد يلتهم عشرات الهكتارات بغابة بوهاشم بشفشاون    سعيدة شرف تحيي سهرة فنية ببن جرير احتفالا بعيد الشباب    المغرب.. الضرائب تتجاوز 201 مليار درهم عند متم يوليوز    فرض "البوانتاج" الرقمي على الأساتذة!    الريسوني: الأمة الإسلامية تواجه زحفا استئصاليا احتلاليا من قبل الكيان الصهيوني    الصين تكتشف احتياطيات الغاز الصخري    الركراكي يستعد لكشف "قائمة الأسود"    صوت الرصاص يلعلع بمدينة الريصاني        قصف إسرائيلي يقتل 39 فلسطينيا    مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري    تغيير المنزل واغتراب الكتب        استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب غزة    سائق يفقد عمله بعد رفضه الفحص الطبي والمحكمة تنصف الشركة    نادي باريس سان جرمان يودع حارسه الايطالي دوناروما بتكريم مؤثر    الاتحاد الأوروبي يفتح باب المشاورات حول استراتيجية جديدة لسياسة التأشيرات    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    المغرب يبرم اتفاقية استشارية لفضح البوليساريو وتعزيز علاقاته بواشنطن        برلمانية: الخلاف بين أخنوش ووزير النقل حول الدراجات النارية كشف هشاشة الانسجام الحكومي    كلفته 14.7 مليار سنتيم... 'البيجيدي" يسائل الحكومة عن جدوى برنامج "الزبون السري"    وزير خارجية باكستان يصل إلى بنغلاديش في أول زيارة من هذا المستوى منذ 13 عاما    الذهب في المغرب .. أسعار تنخفض والمبيعات في ركود    المغرب يتصدر قائمة مستوردي التمور التونسية    الأنشوجة المغربية .. سمكة صغيرة تصنع ريادة كبرى في القارة الأفريقية    المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    "يويفا" يمنح برشلونة الإسباني دفعة قوية قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا    ثلث الألمان يخشون فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي    بطولة انجلترا: تشلسي يهزم وست هام (5-1)    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب            إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين الحقيقة بعد " تقصى الحقائق " ؟!
نشر في طنجة الأدبية يوم 22 - 04 - 2011

نشرت " لجنة تقصى الحقائق بشأن أحداث 25 يناير " تقريرها في 19 أبريل . ويبدو من التقرير أن اللجنة – " لجنة أدبية " لا أكثر ولا أقل ، لم تمنح لها أية صلاحيات فعلية . ويتضح ذلك من قول التقرير أن اللجنة أرسلت كتابا إلي وزارة الداخلية لموافاتها بدفتر أحوال مخازن الأسلحة للوقوف على كمية الذخيرة المستخدمة في الأحداث ، " غير أن اللجنة لم تتلق ردا حتى تحرير هذا التقرير " . أي أن وزارة الداخلية ( لاحظ أنها وزارة ما بعد 25 يناير ) لم تعبأ لا باللجنة ولا بخطابها ولم تر في صفتها شيئا يستحق عناء الرد ! . أضف إلي ذلك أن اللجنة وهي مشكلة من مجموعة من كبار رجال القانون تشير في تقريرها إلي قتل مئات المتظاهرين وتحددهم ب " 846 " ثم تضيف عبارة " على الأقل " ! . فهل يفترض بلجنة تتقصى الحقائق تم تشكيلها بقرار من مجلس الوزراء أن تحدثنا عما هو " على الأقل " أو" على الأكثر" ؟! وهل يليق بلجنة من القانونيين الذين قاموا بتقصى الحقائق أن يحددوا عدد القتلى تقريبا ؟ . وقد قدمت اللجنة تقريرها بمقدمة سياسية مليئة بالعبارات الإنشائية كقولها إن مصر شهدت منذ 25 يناير 2011 " أحداثا جساما وضعت البلاد على بداية طريق يتمنى المصريون أن يصل بهم إلي الاستقرار والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية " . وقد حفل التقرير بالتوصيف السياسي للوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي أدى لأحداث 25 يناير ، من فساد وفقر وسوء استغلال للنفوذ واستبداد ورشوة وقمع وتضليل إعلامي ، أي أن التقرير كان حافلا بكل ما يعرفه المواطن المصري قبل اللجنة بزمن طويل . أما الحقائق التي توصلت إليها اللجنة فكان من الممكن التوصل إليها عبر ما نشرته الصحف ووكالات الأنباء دون جهد يذكر . وللتدليل على ذلك أشير فقط إلي أن ذلك النوع من " تقصى الحقائق " لم يسفر عن حقيقة واحدة بسيطة مثل : من هو المسئول عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين وقتل نحو ألف مواطن ؟ " على الأقل " ؟! . كلا لم يبلغ " تقصى الحقائق " تلك الحقيقة ! وتكتفي اللجنة في هذا الصدد بالإشارة إلي أن " إطلاق الأعيرة النارية لا يكون إلا بموجب إذن صادر من لجنة برئاسة وزير الداخلية وكبار ضباط الوزارة " . وهو اكتشاف بالغ الأهمية لم نكن لنعرف به لولا " تقصى الحقائق " ! وتصمت اللجنة تماما عن الحقيقة التي يعلم بها كل مواطن بسيط وهي أن عملية إبادة كتلك التي حدثت لم تكن لتتم من دون علم وبقرار من الرئيس مبارك شخصيا . واللجنة التي تسهب بكرم شديد في توصيف الأوضاع السياسية وتقديم توصياتها بالأخذ بالديمقراطية والعدالة ، بخلت علينا بخلا شديدا بالحقائق الجنائية وبالمتهمين الحقيقيين فيها أو على الأقل المشتبه فيهم ! واللجنة التي تفضلت فأوصت بتمكين ضحايا ثورة 25 يناير وذويهم من " الحصول على تعويض عادل " لم تتفضل وتتذكر أن أولى حقوق الضحايا هي الاقتصاص من المسئولين عن قتلهم ، وتحديد أسماء الجناة ، والتوصية بمحاكمتهم والتوصية بمعاقبتهم ، قبل الحديث عن الملاليم التي ستدفع لأهل الضحايا . وتستمر اللجنة في تعميق طابعها الأدبي السياسي بتوصيات مختلفة مثل وضع دستور جديد ، وإعادة النظر في الإعفاءات الضريبية ، والنظام التعليمي ، ومكافحة التمييز الديني أو العرقي ، وضرورة استقلال القضاء وحرية تشكيل الأحزاب . ولا يختلف أحد على تلك التوصيات المعروفة ، إلا أنها جميعا تندرج في باب العلوم السياسية وليس في باب " تقصي الحقائق " ، ومكانها ليس تقرير اللجنة لكن منبرا حزبيا أو جريدة أو مؤتمرا . ويتضح بشدة ضعف التقرير الذي أصدرته اللجنة حينما يتعلق الأمر بالرئيس مبارك ، الذي لم يشر التقرير لاسمه صراحة ولا مرة واحدة ، بينما ورد اسمه فقط على لسان المستشار عمر مروان في مؤتمره الصحفي إن مبارك يتحمل مسئولية قتل المتظاهرين سواء بالمشاركة أو بالصمت . وما ورد على لسان المستشار هو تصريح يخصه هو ، بينما سيبقى للناس التقرير كوثيقة وحيدة خلت من اسم المتهم الأول . وسنجد حتى أن تصريح عمر مروان يفتح الباب لمبارك على احتمال أنه لم يكن مشاركا ؟! لكنه لزم الصمت فقط ؟! . وبينما يعترف التقرير بمشروعية المظاهرات فإنه يتجنب الاعتراف بالمسئولين عن قتل المتظاهرين ، وحتى عندما يتحدث عن دستور 1971 والصلاحيات الضخمة التي يمنحها الدستور للرئيس فإنه لايذكر اسم مبارك ويكتفي بالقول بشكل عام " إن دستورنا المصري يدفع الرؤوساء دفعا نحو الاستبداد " ، ويذكرني ذلك بعبارة " 846 قتيلا على الأقل" ، أي اتجاه اللجنة لأن يصبح حديثها " على العموم " دون تحديد قاطع ، فلسنا في معرض حديث عن دستور يدفع " الرؤوساء " بل في معرض حديث عن دستور " دفع الرئيس مبارك " تحديدا. الأكثر من ذلك أنه حتى عندما يستحيل الحديث دون ذكر اسم مبارك ،
أي عند إشارة التقرير إلي أن الإعداد لتوريث الحكم كان من أسباب سخط الشعب ، فإن التقرير يتفادي ذلك ويكتفي بعبارات عامة ! فهل كان التوريث يخص أحدا غير مبارك ونجله ؟! . والآن لكي ننصف لجنة تقصى الحقائق ، لابد من القول إنها تشجعت وقررت أن " وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق قرر أن استعمال الأسلحة النارية لا يكون إلا بناء على أمر صادر من وزير الداخلية وأن عليه إخطار القيادة السياسية ، وأنه إذا استمرت الشرطة في استعمال الأسلحة النارية لأكثر من يوم فلابد أن تكون القيادة السياسية على علم بذلك " . وقد احتاجت اللجنة لتتسلح بهذه الشجاعة إلي تصريح محدد من " وكيل جهاز مباحث " ! . واعتبرت اللجنة أن الأمر قاصرعلى " القيادة السياسية " ! مرة أخرى بدون تحديد ، وفات اللجنة أن مبارك كان القائد الأعلى للشرطة ، وهي حقيقة أخرى لم تتوصل إليها لجنة تقصى الحقائق . لقد ترك التقرير انطباعا واحدا : أن اللجنة كانت تعمل مسترشدة بتعليمات تقضي بعدم إلقاء اللوم على الرئيس مبارك ، وفتح الباب أمامه لكي ينجو بجريمته . ولكني لا أظن أن الشعب المصري قد يقبل بأن تمر جريمة قتل ألف مواطن دون عقاب ، ودون محاكمة علنية، ودون قصاص عادل . هذا ما تنشده أرواح الشهداء . وإذا لم تستطع 25 يناير أن تقتص لشهدائها بمحاكمات علنية وعقاب رادع ، فإنها قد لا تتمكن من مواجهة الكثير من مهامها الأكبر والأصعب .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.