"جيل z" يعلنون الاستمرار في الاحتجاج لليوم الثاني    وفاة الإعلامي والكاتب سعيد الجديدي أحد رواد الصحافة الناطقة بالإسبانية في المغرب    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي (2)    حزب "فيدرالية اليسار" يدين قمع احتجاجات الشباب ويعلن تعليق مشاورات الانتخابات مع الداخلية    تقرير: طنجة المتوسط يجعل إفريقيا فاعلا رئيسيا في التجارة البحرية العالمية    ريال مدريد يتلقى صفعة مزدوجة    طرح تذاكر مباراة المغرب والبحرين الودية إلكترونيا ابتداء من الإثنين    مسرح رياض السلطان يفتتح موسمه الثقافي الجديد ببرنامج حافل لشهر أكتوبر    20 فيلما أوروبيا تتنافس على جوائز النقاد العرب في مهرجان الجونة    حرف "زيد " من الحياة عند الإغريق إلى هوية جيل يتبلور في المغرب    طنجة تحتضن الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم    انطلاق القافلة التواصلية التحسيسية للشركة الجهوية متعددة الخدمات بالشرق وأكاديمية جهة الشرق    وفاة أستاذ بالحسيمة متأثراً بمحاولة انتحار بشاطئ إسلي            بطولة إسبانيا.. شكوك حول مشاركة كارفخال في الكلاسيكو بسبب الإصابة    مونديال الشباب: المنتخب المغربي يواجه إسبانيا في أولى جولات بحثا عن الانتصار    حصري.. الطاوسي على أعتاب مغادرة الكوكب المراكشي بعد البداية المخيبة    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي        عابد والحداد وبلمو في ليلة شعرية استثنائية بين دار الشعر والمعهد الحر بتطوان    الصيدلاني والعمل الإنساني في صلب النقاش بالمؤتمر الدولي الثامن لجمعية "إم فارما"    فنانون وشخصيات عامة يطالبون فرنسا وبلجيكا بتوفير حماية دبلوماسية لأسطول الصمود المتجه إلى غزة    أشبال الأطلس يستهلون مشوارهم في مونديال الشباب بملاقاة إسبانيا    لماذا تمنع احتجاجات "جيل Z" بينما يسمح في الوقت نفسه بمسيرات التضامن مع فلسطين؟    ما هي العقوبات التي أعيد فرضها على إيران؟    رئيس وزراء النيجر في الأمم المتحدة: اليورانيوم صنع مجد فرنسا وجلب البؤس لشعبنا    ألمانيا.. عشرات الآلاف في برلين يطالبون بوقف الحرب على غزة    رئيس كولومبيا يتهم أمريكا بانتهاك القانون الدولي بعد إلغاء تأشيرته    الجمعية" تستنكر التدخل الأمني والاعتقالات خلال وقفة احتجاجية بمراكش    المغرب ومنظمة الطيران المدني الدولي يوقعان اتفاقا لتطوير تعاونهما    إطلاق سراح المحامي فاروق المهداوي بعد اعتقاله على خلفية احتجاجات بالرباط    طقس الأحد.. رياح قوية وتطاير غبار بعدد من مناطق المملكة    الموت يغيّب الإعلامي سعيد الجديدي    دراسة: المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعدادا للكذب والخداع    "حماس" تنفي تلقي مقترحات جديدة    المغرب يعزز ترسانته العسكرية ب597 مدرعة أمريكية من طراز M1117..            دوري أبطال إفريقيا: نهضة بركان يتأهل للدور الموالي بانتصاره على أسكو دي كار    انطلاق بيع تذاكر مواجهة المغرب والبحرين بالرباط    احتيال محتمل في صفقات الألواح الشمسية من الصين يهدد المغرب بخسائر بمئات ملايين الدراهم    تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي    مهنيو الفلاحة بالصحراء المغربية يرفضون الخضوع إلى الابتزازات الأوروبية    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رثاء متأخر... (إلى روح الصديق الفنان الأديب د. ناجي كاشي) مع نص للمرحوم عن شعر يحي السماوي
نشر في طنجة الأدبية يوم 12 - 10 - 2008


راهبٌ معبده المسرح.. ونورسٌ فضاؤه الأبجدية..
أمضى عمره فلاحا ً، يغرس زهور المحبة أنى سار.. دافئ دفء خبز صباحات بيوت الطين.. له من السماوة صبرُ صحرائها على العطش.. ومن نخيل بساتينها الثباتُ أيا ً كانت عربدة ُالرياح..
وديعٌ كفراشات الحدائق... جَلِدٌ كصبّار ِ البادية.. لكنَّ رؤية طفل ٍ حافي القدمين، كفيلة ٌ باستمطار دموعه...
دائم الحركة مثل أراجيح الأطفال.. وكالأطفال: لا ينام "ناجي كاشي" إلآ وعيناه مطبقتان على دمية قلبه: المسرح ..
أورثه "كلكامش" قلقَ البحثِ عن عشبة المستحيل.. فوجدها لا في قاع بحر ٍ، إنما: في جباه الشغيلة.. الشغيلة الذين صيَّر من قلبه "أنكيدو" لهم..
منذ رحل ناجي كاشي و"الوركاء" في نشيج..
منذ رحل ناجي كاشي، وأنا أجلس على رصيف الحزن، مستجديا ً الأبجدية، باقة ً من ورود الكلمات، تليق بمزهرية ناجي كاشي.. فمن أين لي بالكأس الذي يسَعُ نهرَ حزني، والخيط ِالذي يرتق جرحي الممتد من "أديلايد" حتى مقبرة "دار السلام"؟
مرة ً توضّأتْ عيناه بالدموع، لأنه لم يستطع أن يجعل من يده المربوطة إلى عنقه، أرجوحة ً لطفل جاره اليتيم...
مرة ً نزع ربطة عنقه، ليصنع منها شال ضماد ٍ لجريح ٍ خلال انتفاضة آذار...
مرة ً خلع سترته الجلدية، لينشَّ بها ذئابَ البرد عن جسد ابن سبيل ٍ عابر..
مرة ً قال لي: أن أكون عكازا في يد ضرير، أشرف لي من أن أكون صولجانا في يد قيصر..
**
ناجي.. ما عرفتك تنكث وعدا ً.. فكيف خذلتَ نداماك يا قنديل ليل السماوة الطويل الطويل؟
لَطَمَ المسرحُ خَشَبَتَهُ حزنا ً لرحيلك، والسِتارة ُ شَقَّتْ زيقَها
جَزَعا..
كفى بي وَجَعا ً أنني آخر مَنْ يبكيك، لا جحودا ً مني، ولكن: لأن هجير الفجائع قد أنضبَ ما ادّخرتُ من دموع... فسلامٌ عليك يوم ولِدتَ فقيرا من الجاه والأوسمة.. وسلامٌ عليك يوم مُتَّ غنيا ً بحب الناس.. وسلامٌ عليك يوم تُبعَث ُ حيّا ً في الفردوس.. وسلام على العراق البعيد القريب.. وسلامٌ على وشم قلبي "السماوة"..
**
أضع بين أيدي الأحبة أصدقاء الفقيد د . ناجي كاشي الذين يعملون على جمع نتاجه الأدبي غير المنشور، ليضاف إلى مؤلفاته المنشورة، نص الكلمة التي ألقاها في الحفل التكريمي الذي أقامته لي كلية التربية / جامعة المثنى يوم 28/12/2005
يحيى السماوي وأثيرية الصورة الشعرية
د. ناجي كاشي- عميد كلية التربية / جامعة المثنى
في مساحات الجمال والإبداع يبحر "يحيى السماوي" شاعرا ً يرى ما بعد الأفق كل ما هو مثير.. يستفز الذاكرة كأنه حلم مستمر.. ذلك أنه يذهب بالصورة إلى أثيريتها محلقا ً في سماوات من الدم والأحزان أو ربما الأفراح، نائيا ً بأبطاله إلى الأبدية التي هي موثوقة الصلة ببعضها في حلقات مترابطة. وأزعم أنّ هذا الإنذهال والترفع باتجاه الصيرورة الأبدية متأت ٍ من المماحكات والإختلاجات والعذابات التي عاناها وخبرها من كل هذا الكم الهائل من الرؤى والإنثيالات التي طبعت شخصيته بطابعها المميز، فكان مميزا، تنبّؤيا، على الرغم من أيديولوجيته التي تعلن عن نفسها في قصائده المركزية وقصائده الأخرى.. فهو الرجل الذي يعلن أنه:
فردٌ.. ولكن ْ بين أضلعِه ِ
وطنٌ وشعبٌ يخفقان ِ معا
وهذا الخفقان المستمر هو ما طبعَه.. فكان محبا ً إيّما محبة، ملتزما ً أيما التزام ٍ، متصوّفا ً إيما تصوف ٍ، حتى وصل حدّ التماهي والإحلال فلم يعد يميّز ما بين محبوبه وما بينه مع الفارق أن الحبيب هنا هو العراق الذي أصبح هوية ً وطبعا ومبرر وجود:
صاد ٍ يبلل باللظى شفة ً
ويصدُّ عن مُسْتَعْذب ٍ نبعا
أنِفَ انتهالَ الراح ِ لا بطراً
أو خوف ملتصّ ٍ ولا ورَعا
لكنه طَبْع ٌ تَلَبَّسَهُ
والمرءُ في حاليه ما طُبِعا
فالعراق لدى "السماوي" تضخّمَ حتى أصبح الوجود كله.. أصبح صنوا للفكرة أو ربما كان ولا زال هو الفكرة التي تتلبس البطل ليعبّر عنها.. لذلك كان الإتحاد حاضرا أبدا مع الفكرة التي هي العراق. هذا الإتحاد الذي جعل الشاعر تجليا ً لفكرته المركزية وفي أكثر من موقع، كما أن القارئ المطلع لَيَجد أنّ العراق "الفكرة" هو الآخر تجل ٍ للشاعر، حتى غدا هذا التجلي رمزا خالدا للجهاد الدائم في سبيل رسالة مقدسة لا تهدأ، وهو إنجاز متقدم يُحسَب للشاعر حتى لو كان غير مدرك لما يصنع من بطولات أو ربما أوهام:
صاح ٍ.. ولكنْ صحوَ مُخْتَبِل ٍ
لا فرقَ إنْ أسرى وإنْ هَجَعا
فعند لقائه بالعراق، تدور به الدوائر حتى يتوهم العراق فردوسا على الرغم من أنه منتجع من توابيت، إلآ أن توحده وانشغالاته بالعراق، تذهب به إلى الأماني، فيعود ليرى العراق حبيبا:
غاف ٍ يُدثره حريرُ منى ً
فتوهَّمَ التابوت َ منتجعا
وسِعَتْ أمانيه الخيالَ فما
أبقتْ له الأحلامُ مُتَّسَعا
ووفق ما تقدّم، فإنّ البطل هنا الذي هو الشاعر المتوحد مع فكرته التي هي العراق، لا يموت أو يفنى أو يضعف أو يتصاغر أو يتقزّم، ذلك أنّ الشاعر يسبغ عليه صفات البطولة والقدسية والجلال.. فالأحلام وانثيالاتها ترفع البطل إلى أعلى الأماكن.. فمثله لا يموت حتى وإنْ خسر.. بل انه يرتفع إلى السماء في كل مرة ليعود من جديد في كل منازلة أو معركة فاصلة بين الجهل والمعرفة أو بين النور والظلام، منذ بدء الخليقة حتى نهايتها:
أنا أنتَ.. فتِّشني تجدْ بدمي
ما فيك من جمر ٍ ومن بَرَد ِ
تجد الفراتَ يسيلُ من مقلي
دمعا ً فأشربه على جَلَد ِ
تجد الخرابَ البابليّ على
وجهي وذعرَالعاشق الأكدي
وبعد؟ فإنك أيها الأكديّ المذعور، رحتَ تداعب خليلاتك الألف وعشيقاتك المليون بأيد ٍ ناعمة وحدقات ناعسة، فلم يجدن إلآك خاشعا لمشيئة العراق، وعنفوانك الذي لم تجد إلآ العراق ساحة للهوى وسُلَّما ً للجسر الذي أصبح معلقا ً أبدا ً كي لا يرتقيه الآخرون في زمان ما زال رديئا... ولا زلتَ أنت الشاعر الذي تُعلِّمنا معنى عشق العراق... تحية لك وأهلا بك في صنو قلبك العراق.
السماوة 28/12/2005


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.