بقلم // أحمد الميداوي ضمنت حركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" الأغلبية الساحقة في البرلمان، حاصدة وفق التقديرات شبه الرسمية 361 مقعدا من أصل 577 في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت أول أمس الأحد. وفاز حزب "الجمهوريين" اليميني المحافظ ب113 مقعدا، فيما سجل "الحزب الاشتراكي" نكسة تاريخية حيث لم يكسب سوى 29 مقعدا. وحصل حزب "فرنسا المتمردة" على 17 مقعدا و"الجبهة الوطنية" (اليمين المتطرف) على ثمانية مقاعد في انتخابات تجاوزت نسبة الامتناع عن التصويت في دورها الثانية 56 في المئة، وهو رقم قياسي. وفور إعلان النتائج الأولية، أعلن الكاتب العام للحزب الاشتراكي، جان كريستوف كامباديليس، عن نيته التخلي عن زعامة الحزب. وقال إن إخفاق الحزب الاشتراكي لم يعد محل شك وعلى الحزب أن يعيد بناء نفسه بالكامل. وفيما فازت زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبن، بمقعد في البرلمان للمرة الأولى، خسر العضو البارز في "الجبهة الوطنية" فلوريان فيليبو، مهندس سياسات الحزب اليميني المتطرف في منطقة موزيل الصناعية شرق فرنسا. ويمنح حجم الأغلبية التي حصل عليها ماكرون فرصة كبيرة لتنفيذ تعهدات أعلنها خلال حملته الانتخابية بتعزيز صورة فرنسا من خلال تطهير الحياة السياسية وتخفيف القواعد التنظيمية التي يقول عنها مستثمرون إنها تكبل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. ومن بين التحديات التي تواجه الرئيس إيمانويل ماكرون الحفاظ على هذه المجموعة المتنوعة من النواب حديثي العهد بالسياسة متحدين خلفه بينما يستعد لإصلاح قواعد العمل والاستغناء عن عشرات الآلاف من الوظائف فيالقطاع العام واستثمار مليارات من أموال الدولة في قطاعات مثل التدريب الوظيفي والطاقة المتجددة. ويقرأ الكثيرون في انتصار "الجمهورية إلى الأمام" وهو حزب حديث الولادة بأنه مؤشر على تفكك نظام الحزبين التقليديين اليميني واليساري اللذين يعانيان حاليا من بعض الانقسامات داخل قيادتهما بشأن زعامة الحزب، فضلا عن كونهما يعيشان حاليا موجة من المشاحنات السياسية بسبب فضائح متكررة سببها المال السياسي، حيث تتوالى يوما بعد يوم الاتهامات بالفساد أو بتلقي رشاوى من أموال مشبوهة. ومن جهة أخرى تلقت الجالية العربية بكثير من الارتياح الضربة الموجعة التي تلقاها اليمين المتطرف الذي لم يتجاوز ثمانية مقاعد بعد أن كان يتطلع للظفر ب50 مقعدا على الأقل. لكنه فقد معظم معاقله ومعها انهارت شعاراته القاضية بطرد العمال والوصول بالهجرة إلى الصفر باعتبارها إفقارا لفرنسا وتهديدا لثقافتها وهويتها. وهزيمة اليمين المتطرف قد تكون بداية لانهيار منظومة من الأفكار والأحكام التي تنظر إلى المهاجر من زاوية أصوله وانتمائه الديني وبلده العربي مما يجعل منه مواطنا اقل فرنسية من غيره. وفي قراءة مغاربية لهذه الانتخابات التي لم تفرز أي مرشح من أصول مغاربية، يتبين مدى تهميش الجالية المغاربية والإفريقية التي لم تستفد حتى اليوم من ثقل عددها ( نحو ثلاثة ملايين ناخب) لتشكل قوة انتخابية وازنة في المشهد السياسي الفرنسي. ويربط الكثيرون إقصاء الهجرة الإفريقية والمغاربية بتخوف بعض الأحزاب التقليدية من أن يحقق أبناء الهجرة اختراقات سياسية قد تقصي الكثير من رموزهم في العقود القليلة القادمة. فهؤلاء المهاجرون، وفي مقدمتهم المغاربة، أصبحوا يشكلون اليوم قوة فكرية واقتصادية قد تصيب المجتمع الفرنسي بتحول مهم في عمقه إذا ما أتيحت لها الفرصة لتصبح أحد مكونات المشهد السياسي والانتخابي الفرنسي. وفي أول تعقيب لها على نتائج هذه الانتخابات، انتقدت المنظمات المناهضة للعنصرية ومعها بعض وسائل الإعلام، سياسة الحكومات الفرنسية المتعاقبة فيما يخص فكرة تنويع تشكيلة الجمعية الوطنية، فيما أدانت غياب نواب في الجمعية الفرنسية من أصل مغاربي أو أفريقي بالرغم من الكم الهائل من المواطنين ذوي الأصول المغاربية أو الأفريقية في فرنسا. العلم: باريس – أحمد الميداوي الرئيس ماكرون يحقق الأغلبية الساحقة في البرلمان والحزب الاشتراكي يمنى بنكسة تاريخية