اتحاد العاصمة الجزائري/نهضة بركان.. لجنة الاستئناف التابعة لل "كاف" ترفض طلب الاستئناف وتؤكد القرارات السابقة للجنة الأندية    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    موراتينوس : دعم إسبانيا للمخطط المغربي للحكم الذاتي يعكس "التزاما سياسيا واستراتيجيا    المغرب وفرنسا يترقبان اتفاقيات اقتصادية .. وباريس تطمح للفوز بصفقة "التيجيفي"    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء مرتيل    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط    الاتحاد الجزائري يلجأ إلى محكمة "الطاس"    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    إنزال لتيار ولد الرشيد بمؤتمر حزب الاستقلال    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    توقعات بتساقطات مطرية وثلجية متفرقة وانخفاض في درجة الحرارة بالمغرب    وزارة الصحة تعلن تسجيل 10 إصابات جديدة بفيروس كورونا    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    القمة الاجتماعية العالمية.. هلال يتباحث في جنيف مع المدراء العامين للمنظمات الدولية    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    بلقشور ورئيس نهضة بركان لاتحاد العاصمة الجزائري: مرحبا بكم فالمغرب الدار الكبيرة    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    توقيف مطلوب لبلجيكا بميناء طريفة قادما من طنجة    جمهور ليفار ممنوع من الديبلاصمون لأكادير    العصبة نقصت عقوبة الويكلو للوداد    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    "العمق" تتوج بالجائزة الثانية في الصحافة الفلاحية والقروية (فيديو)    الحكومة تقترح على النقابات زيادة 10% في الحد الأدنى للأجور    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع        احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة والنظام في الجزائر.. بقلم / / الدكتور عادل بن حمزة
نشر في العلم يوم 03 - 10 - 2021

دخلت الجزائر بعد 12 يونيو الماضي، تاريخ ما سمي بالانتخابات التشريعية، حلقة جديدة من المواجهة المفتوحة بين نظام منغلق أضحى عاجزا على تجديد نفسه وتقديم سردية جديدة تمكنه من الاستمرار، وبين حراك شعبي يتمتع بطول النفس وثبات الرؤية لجزائر جديدة تختلف جذريا عما أورثه نظام أحمد بن بلة وبعده هواري بومدين..
فبينما يتصرف أركان النظام العسكري الحاكم بحس تكتيكي قصير المدى، تتصرف جماهير الحراك بحس استراتيجي ينفذ إلى عمق الأعطاب البنيوية التي تهم الجزائر، النظام اعتبر تنظيم انتخابات تشريعية وسط مقاطعة أهم التيارات السياسية، عملية استباقية لتبرير موجة عنف قادمة، بينما اعتبر الحراك أن النظام إنما يسعى مجددا إلى كسب نفس جديد مع الحفاظ على بنيته المغلقة في إطار نظام حكم شمولي.
لقد أظهر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كلما تحدث إلى الإعلام، كعادته، بساطة شديدة ومعرفة لا تختلف كثيرا عن إدراك المواطن العادي وهذا الأمر يهم أيضا جنيرالات الجيش الجزائري الحاكم الفعلي لقصر المرادية، هل يتعلق الأمر بنفس شعبوي في الحكم؟ أعتقد أننا قريبين من ذلك، لكن ما هي الأسباب العميقة التي تجعل بنية نظام تعيش أزمة هوية ممتدة منذ الاستقلال؟ وكيف أنتج غياب ثقافة الدولة في الجزائر، كل هذا العداء والتوجس من المغرب؟ وكيف عوضت النخبة الحاكمة هناك معركة بناء الدولة والالتفاف على هوية جامعة، إلى مجرد دفاع مستميت وتعبئة الموارد للحفاظ على بنية النظام القائم منذ الاستقلال؟
لقد استثمر النظام الناتج عن الثورة الجزائرية، بعد التصفيات التي عرفتها، في الإرث الاستعماري الفرنسي، حيث مثلت سردية الثورة، إيديولوجية للنظام الذي أقامته مجموعة وجدة، لذلك ليس صدفة أن نجد إلى اليوم النظام الجزائري يستثمر إعلاميا ودعائيا في كل ما يتعلق بتلك الحقبة، من روايات فرنسية عن مصير عدد من المقاومين إلى استرجاع جماجم عدد من المجاهدين، كل ذلك يتم بهدفين رئيسيين، الأول يتعلق بتجديد شرعية النظام وذلك بالتذكير المستمر بأنه سليل ثورة مجيدة، وثانيا لبناء هوية وطنية جامعة تفتقد لإرث الدولة وتغييب الأسئلة المحرجة خاصة عن ازدواجية التعاطي مع الحقبة الاستعمارية، فمن جهة التذكير بالمقاومة وفضاعة الفرنسيين، ومن جهة أخرى القبول بالدولة وحدودها الناتجة عما اقتطعه الفرنسيون لأنفسهم من بلدان الجوار، المفارقة أن الجزائر التي لم تكن موجودة كدولة قبل الاحتلال الفرنسي، أصبحت أكبر دولة من حيث المساحة في إفريقيا...
تعليقا على موضوع الدولة في الجزائر يقول المفكر الجزائري الراحل محمد أركون في مقارنته بين المغرب والجزائر ودول أخرى في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، بأن الدولة المغربية تعرف استمرارية منذ سنة 789 ميلادية تاريخ وصول الأدارسة إلى المغرب وبذلك تكون الملكية المغربية هي أقدم ملكية في العالم، في حين أن الجزائر لا تتوفر على هذه الاستمرارية فيما يتعلق بالدولة، حتى بالمقارنة مع تونس، حيث كانت هناك مجرد دول مؤقتة على الأراضي التي تسمى الجزائر اليوم، وبذلك يخلص أركون بأننا لا يمكن أن نطلق على الجزائر وصف دولة ذات استمرارية كما هو الحال بالنسبة للمغرب، هذا التذكير بالحقائق التاريخية يعتبره الراحل أركون ضروريا لفهم تشنجات الحاضر والاضطراب السياسي الذي نشهده في البلدان التي على شاكلة الجزائر مما أنتج قيام دولة سلطوية ودون أهمية، هذا النقص في تراكم ثقافة الدولة أنتج نقصا في الثقافة الديمقراطية للذهاب في اتجاه قيام أنظمة ديمقراطية، يخلص أركون.
في ذات الموضوع كان الجنرال الراحل شارل دوغول بصفته رئيسا للجمهورية الفرنسية قد أكد بوضوح في خطاب له يوم 16 شتنبر 1959 والذي أعلن فيه ضرورة الدعوة إلى تقرير المصير بخصوص وضعية الجزائر، بأن الجزائر لم تكن دولة منذ كان العالم عالما، حيث توجه للجزائريين كأفراد بالقول :"أنه لم يكن هناك أي اتحاد أو أي مبرر قوي لسيادة جزائرية، مذكرا بأن المنطقة كانت مجالا مفتوحا مر به القرطاجيون، الرومان، الوندال، البيزانطيون، عرب سوريا/المشرق، عرب الأندلس/قرطبة، الأتراك، الفرنسيين، دخلوا تباعا البلد، دون أن تكون في أي لحظة وبأية طريقة دولة في الجزائر".
اليوم تعيش الجزائر على وقع إحتقان إجتماعي وسياسي وإقتصادي، يعيد للأذهان إنتفاضة 1988 التي فتحت مسارا وأفقا للبلاد، سرعان ما حوله قادة الجيش والمخابرات، إلى نفق طويل فيما عرف بعشرية الدم حيث دخلت البلاد في حرب أهلية، إرتكبت فيها جرائم بشعة، كشفت التقارير بعدها أن جزءا كبيرا منها كان من صنع الأجهزة الأمنية والعسكرية لبث كثير من الخوف في نفوس الجزائريين، وخفض سقف مطالب الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، إلى حدود لا تتجاوز "أكل القوت وإنتظار الموت".
لا إنتفاضة أكتوبر، ولا وقف المسلسل الديمقراطي، ولا عشرية الدم، إستطاعت أن تحدث تغييرا في بنية النظام السياسي العسكري، الممتد من جبهة التحرير الوطني، إلى وجود رئيس مقعد ينتمي إلى جيل التحرير، قضى أربعة ولايات وكان يسعى أركان النظام لجعلها خمسة..وحتى بعد أن أسقط الشعب الرئيس المقعد (رحمه الله) ، جيئ برئيس آخر هو مجرد أداة بيد الأجهزة التي تحكم البلد منذ الاستقلال وعلى إمتداد كل تلك السنوات تم هدر ثروات هائلة في معارك وهمية وعنتريات فارغة، ومشاريع نخرها الفساد من بدايتها إلى لحظة إعلان فشلها.
في يناير من سنة 2018 نشرت المجلة الأسبوعية الفرنسية " valeurs actuelles "، ملفا حول الأوضاع في الجزائر تحت عنوان "القنبلة الجزائرية" التي كان الجميع يتوقع أنها ستنفجر قريبا، يتفق على ذلك الدبلوماسيون والخبراء في أوضاع الجزائر، ورجال المخابرات. الإعلام الفرنسي مهتم بأوضاع الجزائر بشكل كبير، ليس فقط لأن باريس هي المستعمر السابق، بل أساسا لوجود ملايين الجزائريين هناك، و لمخاطر موجة من اللاجئين لا قبل لباريس بهم. المجلة الفرنسية في سياق ذلك الملف، نشرت على موقعها الإلكتروني مقالا للكاتب الجزائري بوعلام صنصال، تحت عنوان "القنبلة الجزائرية" وهو العنوان الذي اختارته المجلة لكي يكون عنوانا لملفها.
يقول صنصال في مقاله: "في السنوات المبهجة الأولى من الاستقلال، بين ربيع عام 1965 وشتاء عام 1979، كانت الجزائر في ظل حكم الكولونيل "بومدين" متوقدة وبراقة مقارنة مع دول العالم الثالث، والمعتقد الذي كان سائدا هو أن نجاحها يعود لمحركها الاشتراكي الثوري، فعبقرية قائده المحبوب، والتفاني الملحوظ من جيش الشعب، والشجاعة الأسطورية لشعبه، وسخاء صحرائه التي توفر النفط والغاز، أن الجزائر ستلتحق بركب اسبانيا في عام 1980، وإيطاليا في عام 1990، وفرنسا في عام 2000، وألمانيا في عام 2010 والولايات المتحدة في عام 2020".
كل ذلك كما يقول صنصال" تم تسجيله في خطة استراتيجية اعتمدها مجلس الوزراء بالإجماع وباعها للشعب كقرآن جديد. الشعب، الذي لا يوجد لديه سبب للشك في قادته، يؤمنون بهم كما يؤمنون بالله. حتى أن غير الصبورين إيمانا بالحلم بدؤوا في تعليم أطفالهم العيش مثل الفرنسيين، مثل الألمان، ومثل الأميركيين"، النتيجة كانت هي فشل نموذج التنمية على الطريقة السوفياتية، وفي الوقت الذي تغيرت وسقطت الأنظمة المتشابهة بعد سقوط جدار برلين، وبدل الاعتراف بالفشل وإهدار مقدرات الشعب الجزائري والبحث عن أسس جديدة للشرعية، تحول الشعب الجزائري إلى خصم للنظام، وضاعف هذا الأخير من وجهه السلطوية والشمولي مع ترك كل القضايا والأسئلة مفتوحة على الفراغ.
الحالة اليوم هي أن هناك رجلا بسيطا يوجد شكليا على كرسي الرئاسة، وأن الإقتصاد الذي كان يتم التبشير به بشعارات إشتراكية وأممية أضحى علامة فارقة على حجم مشرط الفساد الذي نخر البلاد، وعلى المستوى الإجتماعي ملايين المحبطين والمغدورين من بنات وأبناء الجزائر، وعوض أن يبحث النظام تسويات تاريخية سواء في الداخل أو مع المغرب للتركيز على التحديات التي يحملها المستقبل نجد أن النظام هناك لازال وفيا لسرديته المتهالكة والتي يحضر فيها المغرب باستمرار بوصفه العدو الضرورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.