المغاربة على موعد مع عطلة رسمية جديدة هذا الشهر    الجزائر.. السلطات توقف بث قنوات تلفزية بسبب تغطيتها لحادث سقوط حافلة بوادي الحراش    أرقام التعليم والتكوين وانتظاراتهما في طموحات مشروع قانون المالية لسنة 2026    ترويج المخدرات والخمور يجر أربعينيا للتوقيف ببني أنصار    النظام الجزائري يكمّم الأفواه: عقوبات جديدة تطال قنوات محلية بعد تغطية فاجعة الحافلة    مذكرات مسؤول أممي سابق تكشف محاولات الجزائر للتدخل وعرقلة المغرب في قضية الصحراء    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    المنتخب الوطني يواجه الكونغو الديمقراطية.. هذا موعد المباراة والقنوات الناقلة    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنظم زيارات لعائلات معتقلي الحراك    بورصة الدار البيضاء تنهي أسبوعها على وقع ارتفاع طفيف لمؤشر مازي    مستكشفو كهوف في فرنسا يجمعون مخلفات عشرات البعثات في "إيفرست الأعماق"    إسرائيل تقصف منشأة للطاقة باليمن        قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا ينظمون مؤتمرا لمناقشة خطة ترامب للسلام في أوكرانيا    مصرع شرطي في حادثة ببني ملال    "لاغتيست" يشعل منصة "رابأفريكا"    هكذا يتجنب عشاق ألعاب الفيديو متاعب العين    دراسة: أطباء يفشلون في تشخيص السرطان بالذكاء الاصطناعي    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    توقيف سيارة رباعية الدفع محملة بكمية كبيرة من المعسل المهرب ضواحي طنجة    البقالي يكتفي بالمرتبة 12 في سباق 1500 متر    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع        اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    غاب عن جل الأحزاب    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدور البيداغوجي للأناشيد التربوية بالمدرسة الابتدائية المغربية
نشر في العلم يوم 11 - 05 - 2011

« دعوا الطفلَ ينشد ويغني..بل انشدوا وغنّوا معه، أيها الكبار! إن الكلمة الحلوة الجميلة التي نضعها على شفتيه هي أثمن هدية نقدمها له. لكي يحبَّ الأطفال لغتهم، لكي يحبوا وطنهم، لكي يحبوا الناسَ، والزهرَ، والربيع، والحياة، علِّموهم الأناشيد الحلوة..اكتبوا لهم شعراً جميلاً.» هكذا عبر سليمان العيسى في مقدمة ( ديوان الأطفال )، حيث يستطيع الدارس لهذا الديوان أن يتخيل في غير عناء نظرته للطفل التي كان يحكمها ما هو وجداني/انفعالي، نظرة جعلت شخصية الطفل تكتسي صبغة التوازن والتكافؤ والتوافق مع باقي العناصر الأخرى التي تشكل شخصية الفرد/الإنسان كالجانب المعرفي وكذا الحس حركي، كما يثير البعد القيمي في تربية الطفل وربطه بلغته أيا كانت، وفي ذلك حكمة فريدة، ثم يدعوا الفاعلين التربويين أو القائمين على الشأن التربوي والتعليمي إلى الإبداع في كتابة الشعر من أجل الطفل، وهو الأمر الذي أصبح واضحا ببلادنا حيث نلمس قصورا بينا في ما يخص الكتابة الشعرية للأطفال، وبالمقابل، يتم الرجوع إلى كتابات شعرية قديمة ( مثل دب الحلزون فوق حجارة... وغيرها من الأنشودات) لا تتماشى وواقع الطفل المتمدرس الحديث، وتبقى «البوكماخية» المدرسة المتفردة التي يلجأ إليها بعض المدرسين ممن يتحلى بالنزر القليل من روح البحث والتنقيب عن إضافات تربوية، هذا إن لم أقل أن هذه العادة اجتثت من جذورها ولم يعد لها أي أثر بمدارسنا الابتدائية.
لا مساغ للشك أن تكون هذه المقدمة البسيطة بديهية وربما تبدو للبعض مسلمة من قبيل الأحلام لنقل، كما سيقرؤها الكثيرون قراءة سطحية، بل سيعتبرونها مجرد كلام عابر ليس له مكان على أرض الواقع ! بالفعل، من يتابع مسلسل الممارسة الصفية بالمدارس الابتدائية راهنا سيلحظ بما لا يقبل الشك أن حلقاته روتينية تتردى في دوامة النمطية والتوحد، من درس التراكيب إلى درس القرآن الكريم ثم إلى الساحة؛ الركض و قضاء الحاجة.. فدرس grammaire و درس الرياضيات بعد ذلك ( اجمعوا الأدوات اخرجوا ) تليها صرخات الأطفال التي تعم الفضاء الخارجي للمدرسة، بعد لحظات بيداغوجية كئيبة كلها تمارين وتطبيقات ممزوجة بغبار الطباشير، وحفظ واستظهار ثم عنف أو سخرية.. وهذا في أحس الأحوال. قلما تسمع نشيدا يكسر صمت الحجرة الدراسية، نقصد صمت الإبداع والتنوع في الأنشطة التربوية، بل نادرا ما يتذكر المدرس نشيدا ما وتلجأ إليه المدرسة في وقت ما، لكن بشكل مناسباتي ليس إلا، وما أكثر تلك المناسبات.. وليس من أجل إعطاء الطفل حقه البيولوجي أو التربوي-البيداغوجي. وحقيقة، في ضوء إكراهات كثيرة لا مجال لذكرها يستحيل التغني والإنشاد إذا كان الطفل/المتمدرس لا يعرف لا حروفا ولا أعداد. مع ذلك، يمكننا أن نقول بكثير من التأكيد، أن من بين أسباب الأزمة التي مابرحت تجثم على أنفاس الممارسة الصفية راهنا، إبعاد الطفل عن الأنشطة الموازية التي كانت بالأمس القريب تعطي للحياة المدرسية المعنى الحقيقي لها. تلك الأنشطة التي تسهم في تقريب المدرس من التلاميذ، وتجعل المتعلمين يتنافسون فيما بينهم ويتواصلون. ومن المعروف أنها ( الأنشطة الموازية ) تغني القدرات المعرفية والمهارات الوجدانية وتطور شخصية التلميذ وتجعلها تنمو بشكل متوازن (..) إلا أننا نلاحظ عزوفا من طرف بعض المدرسين عن القيام بالأنشطة الموازية رغم أنها تعتبر من الواجبات التي يجب أن يقوموا بها ، لكن هذه الغاية تبدو بعيدة المنال وبعيدة عن التحقيق في ظل غياب تكوينات خاصة للمدرسين في هذا المجال الذي يتطلب قدرات وكفايات تدريسية خاصة، لا يكتسبها إلا بعض من المدرسين والمدرسات ولا يوظفها إلا القليل منهم ومنهن.
من خلال هذه الورقة التحليلية سنقف عند تعريف النشيد التربوي في علاقته بالموسيقى المدرسية ورسم حدود الفرق بينه وبين « المحفوظات «، ثم سنحاول إبراز أهميته ضمن النسق التعليمي التعلمي وأهدافه ومواصفاته ودوره التربوي بشكل عام، في أفق وضع صورة شاملة لمنهجية تدريسه وفق المقاربات البيداغوجية الحديثة، وأخيرا سنجيب عن سؤال مستفز نوعا ما تدور رحاه حول أغنية المدرسة وإمكانية جعلها أغنية المنزل !
ما المقصود بالأناشيد التربوية
في علاقتها بالموسيقى المدرسية ؟
الأناشيد التربوية هي؛ تلك القطع الشعرية ( أو النثرية أو الزجلية) التي يُتحرَّى في تأليفها السهولة، وتُنظَم نظمًا خاصًا، وتصلح للإلقاء الجماعي، وتستهدف غرضا محددا وبارزا، وهي لون شائق محبب، تلحينها يغري التلاميذ بها، ويزيد حماسهم لها وإقبالهم عليها؛ لأن التلميذ يشعر بأنه عنصر فعال في هذا الأثر الجماعي الضخم الذي ينشأ عن اشتراكه مع زملائه في إلقاء النشيد، وبالتالي الإحساس بالانتماء إلى الجماعة الصفية والشعور بالدفء النفسي مما يفضي إلى الابتعاد أكثر عن الانزوائية والوحدة التي تشكل أحد أبرز عوائق التواصل والتكييف مع باقي عناصر المجتمع المدرسي. وتعرف الأناشيد في علاقتها بالموسيقى المدرسية بكونها تمثل نشاطا له دور هام في إدخال البهجة و الحيوية على العمل التربوي اليومي. فهي عبارة عن نصوص لغوية مناسبة في معناها و مبناها، ذات أداء موزون تستهدف غرضا بارزا محددا وتصلح للتغني والإنشاد. ولعل ربط علاقة بين التربية الموسيقية والأناشيد لا يخلو من أهمية خلال المرحلة الابتدائية، ذلك أن الغناء هو الحامل الذي يمكن أن يحمل كل الأنشطة الأخرى. فهو لحظة إمتاع ومؤانسة للمتعلم (ة) والمدرس (ة)على حد سواء، كما أنه وسيلة من وسائل التعلم في التربية الحديثة، ذلك أن العديد من التعلمات المتعلقة باللغة، وخصوصا الجرس والنبرة والتقطيع المتمفصل للجمل والعبارات، يمكن أن يكتسب بواسطة الغناء.
من جهتها ترى وزارة التربية الوطنية، أن المراد بالأناشيد تلك القطع الشعرية، التي تتسم بالسهولة في ألفاظها ونظمها، وتصلح للإلقاء الجماعي، وتستهدف غرضا محددا بارزا، وهي لون من ألوان الأدب المشوق المحبب للنفس، وتلحينها يغري التلاميذ ويزيد من حماستهم لها، وإقبالهم عليها، ويثير عواطفهم، لأنها تخاطب الوجدان وتعنى بهم. وتعكس تصوراتهم الشخصية للحياة بشكل عام.
إجمالا يمكن اعتبار الأناشيد التربوية تلك الكلمات الموزونة ذات جرس موسيقي يرددها المدرس أو المدرسة مع الأطفال. و الأناشيد بوجه عام وسيلة لعلاج التلاميذ الذين يغلب على طبعهم الخجل والتردد ، ويتهيبون النطق منفردين، وهي تبدد السآمة وتبعث النشاط لدى التلاميذ، ولها أثر فعال في إغراء التلاميذ بالصفات النبيلة، وتبعث فيهم الحماس، وتهذب لغتهم.
قد يتبادر إلى الذهن أن النشيد التربوي هو بمثابة القراءة الشعرية أو ما يسمى في الأدبيات البيداغوجية الكلاسيكية ب « المحفوظات «، لكننا هنا بصدد الحديث عن النشيد كما تم تعريفه أعلاه. إذن، أين يكمن الفرق؟
الفرق بين الأناشيد والمحفوظات؟
لعل الفرق بين الأناشيد والمحفوظات يكمن أساسا في كون المحفوظات قد تكون شعرا أو نثرا، أما الأناشيد فلا تكون إلا شعرا، مع أنه ليس بالضرورة أن يكون النشيد شعرا لأنه يمكن أن يكون نثرا فيه شيء من المحسنات البديعية ، أوزجلا ، كما أن هناك أناشيد تستهدف الزاد اللغوي بطريقة ملحنة ( مثال : أخوات كان....). وعند تأليف النشيد لا يلتزم واضعه صورة شعرية معينة ، فقد يتجاوز البحور الشعرية المعروفة ، وينظمه على شكل مربعات ( رباعيات ) أو مخمسات أو نحو ذلك من الصور الجديدة في القوافي والأوزان ، كما أن معظم الأناشيد تعالج الشئون الدينية والوطنية والسياسية والقومية ، وهي خالية من المعاني الفلسفية والقضايا المنطقية والحكم العميقة ، وليس من أغراضها مخاطبة الفكر ، كما أن الزاد اللغوي ليس غاية مقصودة لذاتها في الأناشيد.
حري بالتنبيه أن النشيد التربوية يثري العواطف الشريفة في نفوس التلاميذ، وهو يُلقَى مُلحَّنًا، وقد يصحبه الإيقاع، وهو غالبا ما يلقى جماعيا، بعكس قطع المحفوظات. لذلك فالأناشيد التربوية تكتسي أهمية كبرى ودورها البيداغوجي يتبدى حين يتم إدماجها ضمن السيرورة التعليمية التعلمية. فأين تكمن أهمية الأناشيد التربوية؟
ما دور وأهمية الأناشيد بالمدرسة الابتدائية؟
للأناشيد دور تربوي متعدد الجوانب، فهي وسيلة فعالة للتربية على القيم الأخلاقية، وغرس السلوك القويم بطريقة سلسلة وفي قالب مرح، وتشكل عاملا رئيسيا في تكوين شخصية الأطفال حيث تثير وجدانهم وتساعدهم على تكوين اتجاهات سوية تسهم في نموهم السليم والمتكامل، كما تنمي في نفوسهم، انطلاقا مما تتضمنه من موسيقى وإيقاع وصور، الإحساس بالفن والجمال والذوق الرفيع و الشعور بالرغبة في التعلم و التحصيل الدراسي عبر ربط علاقات وجدانية انفعالية مع المدرس والمجتمع المدرسي بشكل عام.
بيداغوجيا، يهدف تعليم الأناشيد إلى توسيع خبرات التلاميذ، وتعميق فهمهم لحياة الناس والمجتمع والطبيعة من حولهم، ومساعدتهم على اشتقاق معانٍ جديدة للحياة تساعدهم على تحسين هذه الحياة وتجميلها، وتعرِّفهم بالقيم الجمالية. كما يهدف تدريس الأناشيد التربوية إلى التغلب على الخجل والتردد لدى التلاميذ الذين يتهيبون النطق منفردين، وبعث السرور في نفوسهم، وتجديد نشاطهم من خلال اللحن العذب والنغم المطرب، وتشبعهم بالقيم النبيلة والمثل العليا، والمساعدة على تجويد النطق وإخراج الحروف من مخارجها، وإثارة حماسهم وتقوية شخصياتهم، وتنمية الكفايات اللغوية بصورة محببة ومشوقة لديهم، وتزودهم بلغة سليمة ترقي بأسلوبهم، وتعودهم على استعمال اللغة الفصحى، إذ من يدقق النظر في بناء تعلماتنا اللغوية بمدارسنا يلحظ في غير عسر تدهور الضوابط اللسانية الديداكتيكية الخاصة باللغة العربية الفصحى مقابل تفشي العامية، تقول فاطمة سحام في هذا الباب: «نحن كمغاربة نتكلم العامية في كل مجالاتنا اليومية، شخصيا لا أسمي هذا عيبا لأنها لهجتنا، لكن ما أسميه عيبا وخللا هو تجاوز (العامية) البيت والشارع إلى المدارس والجامعات والندوات وشتى وسائل الإعلام (..)، هذا التوسع الشنيع والاكتساح الغريب للعامية يشكل خطرا على العربية الفصحى» ، وهذه اللغة لا يمكنها أن تتطور بمدراسنا إلا باعتماد دعائم ديداكتكية لسانية مهمة كإعادة الاعتبار للتعبير الشفوي أو عبر الأناشيد التربوية، تلك التي تعمل على تنمية الذوق الفني لدى المتعلمين وتطور آذانهم الموسيقية وتحريك حبالهم الصوتية وتدريبها، بالإضافة إلى خلق الانسجام في جماعة القسم، وتقوية الروح الدينية والوطنية لدى المتعلمين في سبيل «صناعة» إنسان/مغربي صالح اجتماعيا، يتحلى بالأحاسيس الجميلة التي تجعل منه فردا مبدعا فنانا يسهم في الرقي بالمجتمع الذي ينتمي إليه.
يمكن إجمال أهمية الأناشيد بالمدرسة الابتدائية في النقط التالية:
- المتعة والسرور.
- تساعد الطفل على النطق السليم.
- زيادة الثروة اللغوية.
- ربط الكلمة بالحركة ( تثبت لدى الطفل المفاهيم المطلوبة )
- تدريب أجهزة الصوت .
- تساعد الأطفال على التميز السمعي و اللغوي.
- تساعد على تنمية الإبداع الحسي و الفكري.
-تحقق الأناشيد التواصل بين الأطفال في حركاتهم كما تحقق الانسجام بينهم -تشجع الأناشيد الجماعية الأطفال اللذين لا يتكلمون بطلاقة أمام الآخرين حيث يكررون الكلمات بدون خوف.
ذلك كان باختصار مكمن الأهمية التربوية التي تتوسل بها الأناشيد في سبيل تحقيق توازن لشخصية الطفل/المتعلم وتنمية مداركه عبر الغناء والإنشاد والموسيقى المدرسية، الشيء الذي يساعد الفاعل التربوي على إنجاح ممارسته الصفية عبر تجديد نشاط المتعلمين، والابتعاد أكثر عن لغة السلطة والعقاب ويغدو الخيط الناظم الرابط بين المدرس وتلاميذه بمثابة علاقة أخلاقية، ويقول (بولو فريري) في هذا الصدد: «احترام استقلالية وكرامة كل شخص أمر حتمي أخلاقيا» ، وهذا التصور العام ينهض على أساس واقعي حيث أن الاهتمام بثقافة الطفل هو في حد ذاته اهتمام بثقافة المجتمع ومستقبله يشير الدكتور الغالي أحرشاو . وإذا سلمنا بأهمية الأناشيد التربوي داخل النسق التعليمي التعلمي، فما هي الأهداف التربوية التي تنوي الأناشيد تحقيقها بالمدرسة الابتدائية ؟ وما هي أبرز مواصفاتها التي تجعل منها بالفعل ركيزة بيداغوجية أساسية في تحقيق نمو سليم للطفل/المتعلم بشكل عام؟
ما أهداف ومواصفات الأناشيد التربوية؟
يكتسي النشيد التربوي أهمية قصوى لدى الصغار كما الكبار، ولكنه أكثر أهمية بالنسبة للصغار بما فيه من موسيقى وإيقاع وصور تخاطب الوجدان وتثير في النفس الفن والجمال.
فتلميذ المرحلة الابتدائية يحتاج للأغنية كما يحتاج للغذاء تماما؛ فهي تؤثر في تنشئة الطفل اجتماعيا إذا ما تم اختيارها بعناية من قبل المدرس وتم إلقاؤها بطريقة تربوية سليمة، إذ أن من أهم أسباب نجاح المدرس حسب الدكتور محمد بازي؛ فهمه لحاجيات تلامذته، وإدراكه لحدود استعداداتهم.. ومكمن التأكيد أن النشيد التربوي يمكن إن يكون وسيلة جيدة لتحقيق الأهداف التربوية الآتية:
1. يسهم في علاج التلاميذ الذين يغلب عليهم الخجل والتردد ويتهيبون الغناء منفردين؛
2. يسهم في إكساب التلاميذ القيم النبيلة والمثل العليا منذ الصغر؛
3. الأناشيد الملحنة بطريقة جميلة تدفع الأطفال إلى تجويد النطق وإخراج الحروف من مخارجها السليمة؛
4. إمداد التلاميذ بحصيلة لغوية تساعدهم على التعبير عن أنفسهم بطلاقة؛
5. تجديد نشاط الأطفال والترفيه عنهم من عناء يوم دراسي كامل؛
6. النشيد له دور مهم في ترسيخ الانتماء بمفهوم الدين والوطن؛
7. الأنشودة حينما تصاغ في قالب قصصي أو درامي مشوق تلقى المزيد من الإقبال لدى الأطفال؛
8. السرعة المعقولة في إيقاع الأغنية أو النشيد من الأمور المحببة لدى الأطفال أما الأغاني أو الأناشيد البطيئة تشعر الأطفال بالملل والضيق وتصرفهم عنها؛
9. الوسائل التعليمية المتجددة والصور التوضيحية المشوقة للأطفال تسهم بقدر كبير في تحقيق الهدف من الأغنية أو النشيد.
إن الاهتمام بالأناشيد التربوية لا يعد أبدا ترفا بيداغوجيا، بل هو مفتاح أساسي لتجويد الممارسة البيداغوجية، ولابد لنا كفاعيلن تربويين ألا نغيب عن أذهاننا بعض المواصفات الرئيسية التي من شأنها إنجاح الأنشودة التربوية ومنحها المعنى التربوي الصحيح. ومن أبرز هذه المواصفات نذكر ما يلي:
* أن تكون كلمات الأنشودة مناسبة لطفل حسب إيقاعه البيولوجي ومستواه الدراسي أي ( قصيرة ? سلسة بسيطة - في محيط الطفل وقاموسه )، ولها ارتباط وثيق بالمحيط السوسيوثقافي؛
* أن تحتوي على التكرار فيسهل على الطفل ترديد الأنشودة؛
* أن تكون ملحنة ولها وزن وقافية؛
* أن تكون مرتبطة بحركات الجسم، بخاصة إذا كان الطفل ينتمي إلى جماعة صفية بالمستويات الأولى؛
* أن تشجع الأطفال على المشاركة الجماعية؛
* أن تعتبر مثل بقية الأنشطة الموازية، حيث تبدأ بالبساطة وتستمر كل مرة إلى أن تصعب؛
هي إذن مواصفات تجعل من الأنشودة التربوية أداة بيداغوجية فعالة، تسهم بشكل كبير في الرقي بالثقافة المدرسية بشكل عام، لكن من الغفلة عدم إثارة الانتباه في هذا المقام إلى شيء مهم يتعلق بالإعلام والأغنية التربوية، والسؤال المطروح بإلحاح هنا، هو كيف نجعل أغنية المدرسة هي أغنية المنزل؟؟ كي لا يختلط الحابل بالنابل، والملاحظ أن أغاني الكبار تسيطر على نظيرتها لفائدة الصغار، والأسوأ يتبدى في ما يردده التلاميذ في ساحة المدرسة من أغاني الكبار من قبيل ??لخبط لخبيط ??على سبيل المثال لا الحصر، وما تسببه مثل هذه الأغاني من إخلال بقواعد اللغة الرسمية التي يوظفها التلميذ داخل المدرسة بقطع النظر عن الاختلاف والتفاوت في ما يخص الثقافة والسن وما إلى ذلك.
* باحث في علوم التربية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.