يبدو أن المشهد السياسي المغربي مقبل على مفاجآت من العيار الثقيل، لا على مستوى الحوار مع الأحزاب ولا على مستوى مخرجاته، التي ستؤثر بدون شك على المحطات السياسية المقبلة، سواء انتخابيا أو على تشكيلة حكومة 2026 التي قد تختلف عن سابقاتها، وذلك لحجم التحديات والرهانات المطروحة أمام المملكة المغربية. المتتبع والمراقب للمشهد السياسي المغربي منذ بداية السنة الحالية لابد أن يلاحظ عودة وزارة الداخلية إلى الواجهة السياسية عبر تدبيرها لملفات حساسة وذات أهمية كبيرة لدى الدولة، من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى ملف السجل الاجتماعي الموحد الذي اشتغلت عليه وزارة الداخلية بعيدا عن أعين باقي القطاعات الحكومية درءا لأي استغلال سياسي من قبل أحزاب التحالف الحكومي. كما تسلمت وزارة الداخلية ملف الدعم الخاص بالقطاع الحيواني، وهو ملف يرهن مستقبل القطيع الحيواني بالمغرب، مما يحتم وجود قطاع وزاري يتميز بالصرامة والحياد السياسي، حيث كثيرا ما يستغل الفاعل الحزبي مثل هذه الفرص التي تمنحه التقرب من الهيئة الناخبة والتأثير فيها لاستقطاب قواعد انتخابية. إشراف وزارة الداخلية على الحوار حول انتخابات 2026 في شخص وزيرها عبد الوافي لفتيت، الذي ترأس الحوار وليس رئيس الحكومة كما جرى العرف السياسي من قبل، هو إشارة واضحة من الدولة للفاعل السياسي أن الانتخابات المقبلة لن تكون كسابقاتها، لا من حيث قوانينها ولا من حيث الإعداد وتدبيرها بشكل أكثر ديمقراطية. لقد منحت الدولة لوزارة الداخلية صفة الوزارة المحايدة، حيث بواسطتها تستعيد الدولة التوازن للمشهد السياسي المغربي بعدما اتضح أن التحالف المكون للحكومة ربما تمادى في استغلال قوته العددية وتهميشه للمعارضة، وهو أمر غير مقبول في أدبيات النظام السياسي المغربي. وهنا نستحضر قول المرحوم الحسن الثاني: "لو لم تكن هناك معارضة لخلقتها". الإجماع الذي يلقاه شخص عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية يحيلنا على مرحلة تقلد إدريس جطو لمنصب وزير الداخلية، حيث تحقق حوله إجماع كبير من قبل الفاعلين السياسيين، وتم تعيينه وزيرًا أول بعد الخلاف الذي كان بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال حول من سيقود الحكومة، واستطاع جطو تجاوز الخلاف وضم الحزبين إلى حكومته. تدبير لفتيت الناجح للملفات الكبرى، والإجماع الذي يحظى به من قبل الفاعلين السياسيين، يجعلنا أقرب إلى تكرار تجربة إدريس جطو، وهذه المرة في شخص عبد الوافي لفتيت كرئيس لحكومة "المونديال"، نظرا لحجم الرهانات والتحديات المطروحة أمام المغرب. وهو ما يستوجب وجود شخصية ذات كاريزما وخبيرة بالملفات الكبرى، قادرة على رفع التحدي وتنزيل الأوراش الكبرى وتحقيق العدالة المجالية التي أعطاها جلالة الملك أهمية كبرى في خطاب العرش، وجعلها أولوية الأولويات لدى الحكومة الحالية والحكومات المقبلة. لقد راكم لفتيت تجربة كبيرة في تدبير الشأن الوطني، سواء على المستوى الإقليمي كعامل، أو على المستوى الجهوي كوالي، أو على المستوى الوطني كوزير للداخلية في ولايتين حكوميتين. كما أن علاقته التي تحظى بالاحترام مع الفرقاء السياسيين تجعله الشخصية الممكنة لقيادة حكومة المونديال بكفاءة. يقول الفصل 47 من الدستور المغربي: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي فاز في انتخابات مجلس النواب". وهو ما لا ينطبق على شخص عبد الوافي لفتيت، التقنوقراطي غير المنتمي حزبيا، وبالتالي فإن تعيينه على رأس الحكومة يستوجب إعلان انتمائه للحزب الذي سيحقق الفوز في الانتخابات التشريعية لسنة 2026، وهو أمر وارد. وبالرجوع إلى الرسالة الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حين فشل عبد الإله بنكيران في تشكيل حكومته الثانية، وتم تعيين سعد الدين العثماني من نفس الحزب (العدالة والتنمية)، قال جلالته ما مضمونه إنه حافظ على المنهجية الديمقراطية طبقا للفصل 47 من الدستور، رغم ما لديه من خيارات أخرى يمكن اللجوء إليها. وهو ما يمكن أيضا اللجوء إليه في تعيين لفتيت رئيسا للحكومة المقبلة. دكتور باحث في الدراسات السياسية والدولية