ألقت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كلمة خلال الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية أمام الحضور، من بينهم السفير الفلسطيني بالمملكة المغربية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعدد من الشخصيات والفعاليات الحقوقية. واستهلت بوعياش حديثها بالتأكيد على أن اجتماع اليوم لا يهدف فقط لاسترجاع صفحة من الماضي، بل للإصغاء إلى جرح لم يلتئم منذ سبعة وسبعين عامًا، مأساة تتجدد وتؤرق ضمير الإنسانية باستمرار. وذكّرت بوعياش بأن ذكرى النكبة ليست مجرد لحظة عابرة للتأمل، بل واقع يومي أليم تتكرر فيه صور المعاناة، وتُسفك فيه الكرامة، وتُنتَهك الحقوق، مؤكدة أن النكبة ليست حدثًا مضى، بل معاناة حية متواصلة، تتجلى في تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين، حيث تُداس الكرامة وتُسلب الحقوق وتُزهق الأرواح. وأشارت، بمفارقة مؤلمة، إلى أن العام الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو نفسه الذي شهد مأساة تهجير الفلسطينيين عام 1948، في ظل صمت أو عجز دولي لم يمنع وقوع الجريمة ولا استمرارها. وأضافت أن هذه المفارقة تطرح تساؤلات عميقة حول مدى مصداقية الالتزام الدولي بقيم العدالة والمساواة. وأوضحت بوعياش أن سبعة وسبعين عامًا من استمرار النكبة لم تمحُ آثارها من الضمير الإنساني، حيث لا تزال الجراح حاضرة، وصرخات العائلات المهجّرة تتردد، وأطلال القرى المدمرة باقية، ونظرات الأطفال الذين يعيشون تحت الاحتلال أو في المنفى لم تنطفئ. واعتبرت أن النكبة تشكل ذاكرة حية تفضح التقاعس الأممي وتؤرق الوجدان. وأكدت أن استحضار هذا التزامن بين النكبة وإعلان حقوق الإنسان ليس تشكيكًا في قيم الإعلان، بل دعوة لتعزيز المنظومة الحقوقية الدولية وضمان اتساقها بين المبدأ والتطبيق، مع توسيع آفاقها وفتح مسارات جادة لإنصاف القضايا العالقة. كما شددت على أن النكبة كشفت منذ بدايتها عن التحديات المعقدة أمام حماية حقوق الإنسان، وأن استمرارها اليوم يثير بحدة مسألة كونية هذه الحقوق في عالمنا المعاصر. ودعت بوعياش إلى اعتبار ذكرى النكبة ليس فقط استحضارًا لظلم تاريخي، بل مناسبة لإعادة التأكيد، بإلحاح وتجرد، على القيم الكونية والمبادئ التي أرستها المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. وأوضحت أن القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يُعد من أبرز مكتسبات البشرية، لا يشكل عائقًا أمام ضمان حقوق الفلسطينيين، بل هو الإطار المرجعي الذي يفترض أن يضمن للجميع التمتع بحقوقهم دون استثناء. وأكدت أن احترام هذه الحقوق وتفعيلها ليس خيارًا سياسيا أو أخلاقيا، بل ضرورة لا تحتمل التأجيل. وأشارت إلى أن الالتزام بهذه الحقوق لا يمثل فقط واجبًا قانونيًا، بل هو خط الدفاع الأول في وجه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومخاطر الإبادة الجماعية. وشددت على أن الحلول العادلة والدائمة، وعلى رأسها حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، يجب أن تقوم على تطبيق فعلي لمعايير حقوق الإنسان، ليس فقط باعتبارها قضية إنسانية، بل ضمانة للاستقرار الجيوسياسي العالمي. وأبرزت بوعياش أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان دافع مرارًا، كمؤسسة وطنية مستقلة، عن حقوق الفلسطينيين، انسجامًا مع مواقف المغرب التاريخية، والتزام جلالة الملك بمبادرات إنسانية وتنموية تضع الإنسان الفلسطيني في صلب الاهتمامات، إلى جانب الدعم الميداني والجهود الفاعلة في سبيل السلام. كما أعلنت التضامن مع نداء اللجنة الفلسطينية لحقوق الإنسان الموجه إلى المجتمع الدولي والأممالمتحدة بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لفرض وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء الحصار على غزة وضمان وصول المساعدات الإنسانية والالتزام بتطبيق قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة. واعتبرت بوعياش أن استمرار الصمت الدولي ليس سوى تعبير عن عجز المجتمع الدولي، كما أنه يقوض أسس المنظومة القانونية الدولية ويهدد بإضفاء شرعية على الجرائم المرتكبة، داعية إلى الوضوح السياسي والأخلاقي واستبدال التصريحات بالأفعال الحقيقية. واختتمت كلمتها بالتأكيد على أن النكبة ليست مجرد قضية فلسطينية، بل اختبار لضمير العالم ومرآة لصدقية التزاماتنا الدولية وقدرتنا الجماعية على حماية المبادئ التي آمنا بها. وشددت على أن النكبة مأساة لمنظومة حقوق الإنسان بأسرها، التي عجزت حتى الآن عن تجاوز مآسي الحرب والتهجير، مؤكدة أن هذه الذكرى تشكل لحظة مساءلة للضمير الإنساني من أجل الوقوف ضد الحرب وضمان الحماية للمدنيين، وتظل صرخة في وجه الصمت العالمي دفاعًا عن العدالة والكرامة الإنسانية.