كشف عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، في منشور موجه إلى أعضاء الحكومة، عن انطلاق إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2026، الذي يرسم معالم مرحلة جديدة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية صاعدة من خلال الجمع بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والعدالة المجالية والسيادة الاستراتيجية. يأتي هذا الإعلان، حسب منشور رئيس الحكومة، تجسيداً للتوجيهات الملكية السامية بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، ويستفيد من زخم تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 كرافعة هيكلية لتسريع الإقلاع الاقتصادي، مع تأكيد مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية. وأوضح أخنوش في منشوره الموجه لأعضاء الحكومة، أن مشروع قانون المالية 2026 يجب ان يرتكز على أربع أولويات استراتيجية رئيسية تتمثل في توطيد المكتسبات الاقتصادية لتعزيز مكانة المغرب ضمن الدول الصاعدة، والتأهيل الشامل للمجالات الترابية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية وفق مقاربة التنمية المجالية المندمجة، ومواصلة تكريس ركائز الدولة الاجتماعية، بالإضافة إلى استمرار الإصلاحات الهيكلية الكبرى والحفاظ على توازنات المالية العمومية. يأتي هذا التوجه في سياق اقتصادي عالمي متقلب، حيث من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3% فقط في 2025 و3.1% في 2026 وفقاً لتنبؤات صندوق النقد الدولي، بينما تبقى التوقعات في منطقة الأورو، الشريك الرئيسي للمغرب، أكثر تواضعاً. وقال أخنوش إن المملكة تمكنت من تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية متميزة رغم التحديات العالمية، حيث سجل الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي نسب نمو متصاعدة للسنة الثالثة على التوالي، انتقلت من 3.5% في 2022 إلى 3.9% في 2023 وصولاً إلى 4.8% في 2024، وتواصلت هذه الدينامية خلال الربع الأول من 2025 بتسجيل نسبة نمو قدرها 4.8% مقابل 4% في نفس الفترة من العام السابق، ويتوقع أن يبلغ النمو 4.5% مع نهاية 2025. انعكست هذه الدينامية الإيجابية على سوق الشغل، حيث تم إحداث 82,000 منصب شغل في 2024، وارتفع هذا الرقم إلى 282,000 منصب إضافي خلال الربع الأول من 2025 على أساس سنوي، مما ساهم في تراجع معدل البطالة من 13.1% إلى 12.8%. كما حقق القطاع السياحي أرقاماً قياسية باستقبال 17.4 مليون سائح في 2024 بعائدات بلغت 112.5 مليار درهم، وواصل هذا الأداء المتميز خلال النصف الأول من 2025 باستقبال 8.9 ملايين سائح بزيادة 19% وعائدات بلغت 54 مليار درهم بنمو 9.6%. ومن المتوقع أن يتضمن مشروع قانون المالية 2026 استثمارات ضخمة في البنية التحتية تهدف إلى تعزيز التنافسية والاندماج الترابي، منها 25 مليار درهم لتسريع أشغال خمسة مطارات، و96 مليار درهم لتوسيع شبكة القطار فائق السرعة وربط المناطق الاقتصادية بالمراكز الحضرية الكبرى، و14.4 مليار درهم لتقوية شبكة الطرق السيارة بينها 6.5 مليارات للطريق السيار الأولوي. كما تشمل الاستثمارات 160 مليار درهم للمخطط الاستراتيجي للخطوط الملكية المغربية لتوسيع الأسطول إلى 200 طائرة بحلول 2035، وإنهاء أشغال ميناء الناظور غرب المتوسط وتسريع مشروع ميناء الداخلة الأطلسي لتعزيز الربط بالمسارات البحرية العالمية. نجحت الحكومة في احتواء عجز الميزانية في حدود 3.8% من الناتج الداخلي الخام خلال 2024، بفضل ارتفاع الموارد العادية بنسبة 15.2% مقابل زيادة النفقات العادية ب5.6%، كما انخفضت نسبة المديونية من 68.7% في 2023 إلى 67.7% في 2024. ويركز المشروع على تطوير القطاعات الاستراتيجية وتعزيز السيادة الوطنية، حيث دخل برنامج "تطوير" للبحث والابتكار الصناعي سنته الثالثة بتمويل 142 مشروعاً مبتكراً باستثمارات إجمالية بلغت 742 مليون درهم منها 42% مساهمة الدولة، مع تخصيص 300 مليون درهم سنوياً لدعم 100 مشروع. كما تم اعتماد خارطة طريق جديدة للتجارة الخارجية تهدف إلى إضافة 400 مصدر جديد سنوياً واستغلال 70% من الإمكانيات غير المستغلة المقدرة ب84 مليار درهم وخلق 76,000 منصب شغل مباشر بحلول 2027، برصيد مالي قدره 1.35 مليار درهم للفترة 2025-2027. في مجال الأمن الطاقي، يواصل المغرب تطوير الهيدروجين الأخضر من خلال ستة مشاريع كبرى باستثمارات تناهز 370 مليار درهم، وتفعيل خارطة طريق الغاز كمصدر انتقالي. وفي التحول الرقمي، تم إطلاق استراتيجية "المغرب الرقمي 2030" لبناء دولة ذات سيادة رقمية، مع رفع عدد خريجي التخصصات الرقمية إلى ثلاثة أضعاف بحلول 2027، وتعزيز الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2030 من خلال إحداث مركز الابتكار في الأمن السيبراني ومركز التميز للذكاء الاصطناعي. ويعتمد مشروع قانون المالية 2026 مقاربة جديدة للتنمية المجالية المندمجة تهدف إلى تدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، من خلال توجيه الاستثمار العمومي بشكل متزايد نحو المناطق الأكثر هشاشة، خاصة المناطق القروية والجبلية والنائية، لضمان الولوج المنصف للخدمات الأساسية. يشمل هذا التوجه إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية التي ترتكز على تثمين الخصوصيات المحلية وتكريس الجهوية المتقدمة. في المجال التعليمي، تم تعميم برنامج "مدارس الريادة" ليستفيد منه 1.3 مليون تلميذ في أكثر من 2,600 مؤسسة تعليمية، بينما يستفيد 23,000 شاب وشابة من برنامج "مدارس الفرصة الثانية" عبر 227 مركزاً، مع استهداف الوصول إلى 35,000 مستفيد خلال 2026 و400 مركز بحلول 2030. حقق التكوين المهني ارتفاعاً بنسبة 17% في عدد المستفيدين خلال موسم 2024-2025 ليصل إلى 678,605 متدرب، مع تشغيل سبع مدن للمهن والكفاءات كلياً وإعادة هيكلة 444 شعبة وتعزيز التوجيه عبر 49 مركزاً. وتبنت المملكة خارطة طريق طموحة للتشغيل تستهدف تقليص معدل البطالة إلى 9% بحلول 2030 في حال عودة التساقطات لمستوياتها العادية، من خلال ثماني مبادرات مهيكلة تتمحور حول الإدماج وتنمية المهارات ودعم الاستثمار، مع تعميم التكوين بالتدرج على مختلف القطاعات الاقتصادية لبلوغ 100,000 متدرب سنوياً حتى نهاية 2026، والتركيز على إدماج الفئات الأكثر هشاشة خاصة الشباب غير الحاصلين على شهادات والنساء. كما يواصل المغرب تنزيل الميثاق الجديد للاستثمار مع التركيز على خلق مناصب الشغل القارة والعدالة المجالية، وتبسيط المساطر عبر رقمنة الخدمات العمومية وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، ومعالجة الاقتصاد غير المهيكل بمقاربة تدريجية تشمل تعميم نظام المقاول الذاتي والإدماج في الحماية الاجتماعية والنظام البنكي. ويشكل تنظيم المملكة لكأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030 رافعة هيكلية في مسار توطيد وتسريع نمو الاقتصاد الوطني، حيث تعتبر التقائية المشاريع المرتبطة بهذه الأحداث الرياضية الكبرى فرصة مهمة لتعبئة الموارد وإعادة تحديد أولويات الاستثمار والتسريع بتنزيل الاستراتيجيات الوطنية الكبرى، مما يؤسس لمسار اقتصادي متجدد ومستدام يقوم على تحديث البنيات التحتية وتطوير الخدمات وتحسين الجاذبية، ويعكس درجة النضج التي وصلت إليها المملكة والآفاق الواعدة التي تتيحها في ترسيخ مكانتها ضمن مصاف الدول الصاعدة.