في ما يلي بيان لجمعية كرامة لتنمية المرأة بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء: بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء، وفي ظل التحولات الإجتماعية والثقافية والقيمية التي يشهدها المغرب، تصدر جمعية كرامة لتنمية المرأة هذا البلاغ الرسمي لتجدد إلتزامها الثابت بالدفاع عن حقوق النساء وحماية كرامتهن، ولتسليط الضوء على التحديات الجديدة التي تواجه منظومة الحماية، وعلى رأسها العنف الرقمي وتداعياته على النسيج الإجتماعي والاخلاقي. تعتبر الجمعية أن العنف ضد النساء يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، ومسا مباشرا بالكرامة الإنسانية التي يكفلها الدستور المغربي، وتؤكد أن أشكال العنف اليوم لم تعد محصورة في الإعتداء المادي أو النفسي، بل توسعت لتشمل ممارسات رقمية متنامية أصبحت تهدد أمن النساء وسلامتهن ومعطياتهن الشخصية وصورتهن الإجتماعية. وتبرز هذه الظاهرة في سياق انتشار واسع لمحتويات رقمية غير مسؤولة، يقدمها بعض المؤثرين والتيكتوكر واليوتيوبرز، مما يساهم في نشر التفاهة والتحريض والتنمر والتشهير، وفي تمييع القيم الأخلاقية داخل المجتمع. وتسجل الجمعية أن جزءا كبيرا من هذا المحتوى الرقمي يشيء المرأة، ويختزلها في صور نمطية مهينة، ويجعل من حياتها الخاصة مادة للترفيه السطحي، وهو ما يشكل عنفا رمزيا خطيرا لا يقل أثرا عن العنف الجسدي والنفسي. كما تلاحظ الجمعية أن هذا النوع من المحتوى يكرس ثقافة التمييز، ويشجع على التطبيع مع الإساءة، ويؤثر بشكل خاص على الفتيات والمراهقات، اللواتي يجدن أنفسهن أمام ضغط رقمي كبير يهدد قيم التنشئة السليمة. وانطلاقا من مسؤوليتها الحقوقية، توجه جمعية كرامة لتنمية المرأة مجموعة من الرسائل الأساسية: أولا: إلى السلطات العمومية تدعو الجمعية إلى تعزيز الترسانة القانونية المتعلقة بمكافحة العنف الرقمي، وتحيين النصوص القانونية بما ينسجم مع التحديات الجديدة التي أفرزها الفضاء الإفتراضي. كما تؤكد الجمعية على ضرورة تطوير مساطر التبليغ والإستجابة، وتوفير وحدات متخصصة داخل مصالح الشرطة والقضاء لمواكبة النساء ضحايا العنف الرقمي، وضمان السرعة والفعالية في معالجة الملفات المتعلقة بالتشهير والتنمر والإبتزاز. كما تطالب الجمعية بإطلاق استراتيجية وطنية للتربية الرقمية، تشمل المدارس والأسر، وتهدف إلى تحصين الناشئة من المحتوى المدمر، وتعزيز ثقافة الإستخدام المسؤول للمنصات الرقمية. ثانيا: إلى مقدمي المحتوى الرقمي تذكر الجمعية المؤثرين والفاعلين في المنصات الرقمية بأن حرية التعبير مسؤولية قبل أن تكون امتيازا، وأن نشر محتويات تسيء للمرأة، أو تحط من كرامتها، أو تروج للعنف الرمزي، يعد مسا بالمنظومة الأخلاقية للمجتمع، ويعرض أصحابه للمساءلة القانونية والأخلاقية. كما تدعو الجمعية جميع صناع المحتوى إلى الإلتزام بمدونة سلوك أخلاقية تحترم حقوق المرأة وتضمن عدم استغلالها من أجل المشاهدات أو الربح التجاري. وتشجع الجمعية المؤثرين الذين يقدمون محتوى راقيا ومسؤولا على الإستمرار في أدوارهم التربوية والمعرفية، إيمانا منهم بدور الإعلام الرقمي في الإرتقاء بالقيم وإعادة الإعتبار لصورة المرأة المغربية. ثالثا: إلى المؤسسات الإعلامية تدعو الجمعية وسائل الإعلام الوطنية إلى لعب دورها التوعوي في مواجهة العنف بجميع اشكاله، من خلال فتح نقاشات مسؤولة حول مخاطر العنف الرقمي، وتسليط الضوء على قصص النساء، وتقديم نماذج مضيئة تعزز قيم المواطنة والإحتراموالمساواة. رابعا: إلى الإسر والمجتمع تشدد الجمعية على أن الأسرة تظل خط الدفاع الأول في حماية الفتيات من المحتوى المنحرف، من خلال المتابعة والحوار والتربية على قيم النقد والتمييز بين المفيد والضار. كما تدعو المجتمع الى عدم التطبيع مع الإساءة الرقمية، والإبلاغ عن كل محتوى ينطوي على عنف أو تشهير أو تحقير موجه ضد النساء. خامسا: التزام الجمعية تجدد جمعية كرامة لتنمية المرأة التزامها بمواصلة العمل الميداني عبر برامج الدعم النفسي والإجتماعي والقانوني للنساء ضحايا العنف، وتطوير مبادرات التمكيين الإقتصادي،وتنظيم حملات تحسيسية حول مخاطر الفضاء الرقمي. كما تؤكد استعدادها للتنسيق مع مختلف الشركاء الوطنيين والدوليين من أجل تعزيز منظومة حماية النساء. وتسجل الجمعية، بقلق بالغ، ما تعرفه بعض المؤسسات التعليمية من مظاهر انفلات خطيرة تمس المنظومة التربوية والقيمية، وتنعكس مباشرة على وضع الفتيات داخل الوسط المدرسي. فقد أصبح محيط المدرسة مسرحا لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، وانتشرت بين عدد من التلاميذ والتلميذات سلوكات منحرفة تتراوح بين التحرش، والتنمّر، والعنف اللفظي والجسدي، فضلا عن استعمال الهواتف لتوثيق الاعتداءات ونشرها في شبكات التواصل. كما يلاحظ تراجع الدور القيمي للمدرسة، وعدم كفاية البرامج الموجهة لبناء الوعي، مما يعرض الفتيات بشكل خاص لخطر فقدان الشعور بالأمان داخل مؤسسة يفترض ان تكون فضاء للحماية والرعاية. وفي هذا السياق، تؤكد الجمعية ان حماية المرأة تبدأ من حماية الفتاة داخل المدرسة، وتدعو الى تفعيل آليات صارمة للرقابة، وإدماج التربية الرقمية والقيمية في المناهج، وتوفير مواكبة نفسية ورقابية متخصصة لمواجهة هذه الظواهر المتنامية. وفي الختام، تؤكد الجمعية أن محاربة العنف ضد النساء مسؤولية مشتركة، وأن حماية المرأة هي حماية للأسرة، وللمجتمع، وللقيم المغربية الأصيلة. لا كرامة بدون حماية، ولا حماية بدون وعي، ولا وعي بدون أخلاق ومسؤولية.