في خطوة وُصفت بالجريئة والمباشرة، كشفت فيدرالية اليسار الديمقراطي عن مذكرتها التفصيلية الخاصة بتأطير الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2026، واضعةً أمام الرأي العام والفاعلين السياسيين والحقوقيين رؤية شاملة، تعتبر أن الإصلاح العميق للمنظومة الانتخابية أصبح ضرورة وطنية ملحّة لا تحتمل مزيداً من التأجيل. الحزب، الذي جعل من الملف الانتخابي مدخلاً لإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، لم يكتف بتشخيص الأعطاب البنيوية التي طالت استحقاقات 2021، بل ذهب أبعد ليضع مقترحات مؤسساتية وقانونية غير مسبوقة، في مقدمتها إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، واعتماد التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية انطلاقاً من البطاقة الوطنية، وتوسيع دائرة التمثيل لتشمل مغاربة العالم في دوائر خاصة، إلى جانب الدعوة إلى مصالحة سياسية حقيقية تفتح المجال لمشاركة أوسع للمواطنين والمواطنات. وترى الفيدرالية أن الإصرار على إبقاء وزارة الداخلية ممسكاً وحيداً بخيوط العملية الانتخابية يكرّس صورة التحكم، ويضعف الثقة في صناديق الاقتراع، في وقت اختارت فيه أكثر من 80 في المائة من الدول أن تسند تنظيم الانتخابات إلى هيئات مستقلة محايدة. حزب فدرالية اليسار الديمقراطي، يُلحّ على أن اللحظة السياسية الراهنة، حيث يتقاطع الانحباس السياسي بالاحتقان الاجتماعي، لا تسمح بالاستمرار في المنطق ذاته، بل تتطلب قطائع واضحة تضع حداً لتدخل أعوان الإدارة وتوقف نزيف المال الانتخابي الذي طبع اقتراع 8 شتنبر 2021 وشوّه مصداقيته. المذكرة، التي جاءت في أزيد من 30 صفحة، استعرضت بلهجة نقدية الوضع الوطني الراهن: "تضييق على الحريات، محاكمات للصحفيين والمدونين، قوانين مقيدة للحقوق الاجتماعية والنقابية، إضافة إلى تفشي الفساد والريع، اتساع رقعة الفقر وتدهور القدرة الشرائية، مقابل إضعاف مؤسسات الحكامة وتفكيك قطاعات حيوية كالتعليم والصحة عبر الخوصصة". وفي ظل هذا المناخ، شددت الفيدرالية على أن بناء دولة ديمقراطية حديثة لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل شرطاً ضرورياً لتحصين الوحدة الترابية ومواجهة التحديات الجيوسياسية والإقليمية. وتوقفت المذكرة مطولاً عند ما سمته الخروقات البنيوية التي ميّزت انتخابات 2021: "شراء الأصوات على نطاق واسع بشهادات موثوقة، تدخل أعوان السلطة محلياً لتوجيه الناخبين، غياب حياد في إدارة مكاتب التصويت، اعتماد تقطيع انتخابي متجاوز منذ 2004، حرمان ملايين المغاربة من التسجيل أو التمثيل، واستمرار ضعف المشاركة السياسية خصوصاً لدى الشباب". هذه الأعطاب، حسب الفيدرالية، لم تضر فقط بشرعية المؤسسات المنتخبة، بل ساهمت في إضعاف ثقة المواطنين في السياسة وفي جدوى التصويت، وهو ما تعكسه مؤشرات متدنية للثقة الشعبية في البرلمان والحكومة. في المقترحات العملية، دعت الفيدرالية إلى اعتماد دائرة انتخابية وطنية واحدة أو على الأقل دوائر جهوية كبرى تضمن التمثيلية وتقلص هيمنة الأعيان والمال، مع فرض المناصفة التامة بين النساء والرجال في اللوائح الانتخابية. كما اقترحت عقلنة تمويل الأحزاب على أسس موضوعية تربط جزءاً منه بالأنشطة التأطيرية والفكرية لا فقط بنتائج صناديق الاقتراع، وفرض عقوبات على المنتخبين المدانين في قضايا الفساد. وفي ما يخص أهلية الترشيح، أوصت بمنع كل من لم يُدلِ بحسابات حملاته الانتخابية أو صدرت ضده عقوبات مالية من الترشح، مع إضافة حالات جديدة للتنافي تشمل رئاسة الجماعات الكبرى ومؤسسات الحكامة. ولم تغفل المذكرة جانب الإعلام والانتخابات، حيث طالبت بضمان الولوج العادل والمتكافئ لمختلف الحساسيات السياسية إلى وسائل الإعلام العمومي والخاص، وتجريم استغلال المال أو الدين أو السلطة في الحملات، إلى جانب إرساء آليات فعالة لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية ومعاقبة المخالفات في حينها. كما اقترحت تنظيم الاقتراع يوم أحد وخارج العطل الدراسية لتسهيل مشاركة أوسع، وإشعار الناخبين بمراكز التصويت مسبقاً، وضمان نشر النتائج الرسمية في أجل لا يتجاوز 48 ساعة. في البعد السياسي الأوسع، أكدت الفيدرالية أن أي إصلاح انتخابي لن يكون ذا جدوى من دون انفراج سياسي شامل، عبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والحراكات الاجتماعية، وإنصاف ضحايا التهجير والكوارث الطبيعية، ووقف جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يواصل جرائمه ضد الشعب الفلسطيني. وتعتبر أن هذه الخطوات كفيلة بخلق مناخ ثقة وتعبئة جماعية تعيد للمواطنين الإيمان بجدوى المشاركة في العملية الانتخابية، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على التمثيلية الحقيقية والعدالة المجالية والحريات الأساسية. بهذا المعنى، لا تنحصر مذكرة فيدرالية اليسار الديمقراطي في اقتراحات تقنية أو تعديل جزئي للقوانين التنظيمية، بل تقدم تصوراً سياسياً شاملاً لإعادة هيكلة العملية الانتخابية برمتها، بدءاً من اللوائح والدوائر وصولاً إلى التمويل والمنازعات القضائية، مروراً بإصلاح الإعلام وضمان نزاهة الإشراف. هي إذن دعوة مفتوحة، بلهجة تحذيرية وواقعية، إلى مراجعة شاملة لقواعد اللعبة السياسية قبل 2026، لأن الاستمرار بالآليات الحالية، وفق الحزب، يعني تكريس اليأس والعزوف وضياع فرصة تاريخية لتصحيح المسار الديمقراطي بالمغرب.