في تقريره السنوي لسنة 2024، أبرز المجلس الأعلى للسلطة القضائية سلسلة من الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية الهادفة إلى تعزيز نجاعة العدالة وترسيخ الشفافية في عمل المحاكم، من خلال تطوير آليات التتبع والمراقبة وتفعيل مبدأ الأجل المعقول في البت في القضايا، استناداً إلى مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي رقم 100.13. ووفق التقرير، استكمل المجلس بناء الأقطاب القضائية الثلاثة (المدني، والجنائي، والمتخصص) التي باشرت عملها في تتبع الأداء وتحليل المؤشرات الإحصائية، مما أرسى قاعدة مؤسساتية صلبة لتدبير الزمن القضائي وضمان حسن سير العدالة. ومن أبرز المبادرات التي ميزت السنة القضائية، إطلاق نظام الآجال الاسترشادية لتحديد المدة الزمنية المثلى للبت في مختلف القضايا، وهو إجراء يروم محاربة التأخيرات غير المبررة دون المساس بحقوق الدفاع أو شروط المحاكمة العادلة. وقد استندت هذه الخطوة إلى دراسة كمية شاملة لبيانات نظام "S@J2" خلال خمس سنوات (2018–2023). بالتوازي، واصل المجلس جهوده في التحول الرقمي عبر تطوير منظومة معلوماتية لتتبع نجاعة الأداء القضائي، تتضمن آليات لمراقبة آجال البت، رصد الملفات المزمنة، وإنشاء لوحات قيادة آنية توفر مؤشرات دقيقة للمحاكم على المستوى الوطني. وفي سياق تعزيز الشفافية والولوج إلى المعلومة القضائية، واصل المجلس نشر الاجتهاد القضائي رقمياً عبر البوابة الخاصة بمحكمة النقض، التي شهدت توسعاً كبيراً سنة 2024، حيث ارتفع عدد القرارات المنشورة إلى 36 ألف قرار لمحكمة النقض و688 قراراً لمحاكم الاستئناف، فيما تجاوز عدد زوار المنصة 4 ملايين. كما أصدر المجلس عدداً من الدوريات التأطيرية لتوحيد الممارسة القضائية وتنبيه القضاة إلى الإخلالات المهنية. على مستوى تحليل الأداء القضائي للمحاكم، رصد التقرير مؤشرات مهمة في قضاء الأسرة، حيث سجل انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر بنسبة 17% مقارنة مع سنة 2023، مع استمرار تمركز الظاهرة في خمس دوائر قضائية رئيسية. كما كشف عن ارتفاع في دعاوى ثبوت الزوجية بنسبة 17%، فيما شكل الطلاق الاتفاقي 96% من مجمل قضايا الطلاق، والتطليق للشقاق 97% من دعاوى التطليق. أما في القضاء الجنائي، فقد بلغت نسبة تصفية القضايا المسجلة 104%، وانخفض المخلف بدون حكم بنسبة 25%، فيما تم البت في 75% من القضايا داخل الآجال الاسترشادية. وأحرزت أقسام الجرائم المالية أداءً متقدماً بإصدار 416 مقرراً، إلى جانب تحسن ملحوظ في سرعة البت في قضايا غسل الأموال والإرهاب التي بلغت نسبة معالجتها داخل الأجل المحدد 99%. وفي ما يتعلق بملف الاستيلاء على عقارات الغير، أحصى المجلس 332 قضية أمام قضاء التحقيق و563 قضية أمام قضاء الحكم إلى غاية نهاية 2024، مع تسجيل ارتفاع في وتيرة تصريفها بفضل تتبع مخصص من القطب الجنائي. كما أورد التقرير 160 حكماً في قضايا الاتجار بالبشر، نصفها تقريباً انتهى بالإدانة، مؤكداً أن أغلب الضحايا نساء وقاصرات، وأن جرائم الاستغلال الجنسي تمثل النسبة الأكبر. وعلى صعيد القضاء التجاري والإداري، سجلت المحاكم نسب تصفية تجاوزت 98% في القضايا التجارية و79% في القضايا الإدارية، مع ارتفاع ملحوظ في منازعات الملكية الصناعية بنسبة 12%. وتصدرت محكمة الاستئناف التجارية بطنجة الالتزام الكامل بالآجال المحددة بنسبة 100%. ويخلص التقرير إلى أن سنة 2024 شكلت مرحلة مفصلية في ترسيخ ثقافة النجاعة القضائية، من خلال تفعيل أدوات التتبع، وتوسيع التحول الرقمي، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، بما يعزز ثقة المواطنين في العدالة ويكرس استقلالية السلطة القضائية كركيزة للدولة الديمقراطية الحديثة.