كشف المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تقريره السنوي برسم سنة 2024 عن حصيلة وَصفها بالاستثنائية على مستوى الأداء القضائي والإداري، مبرزاً تحقيق نسبة تنفيذ بلغت 98% من مجموع الإجراءات الواردة في مخططه الاستراتيجي الممتد إلى سنة 2026، إلى جانب تسجيل معدلات غير مسبوقة في تصفية القضايا، إذ بلغ عدد الأحكام الصادرة خلال السنة 4.446.727 حكماً مقابل تسجيل 4.330.994 قضية جديدة، بنسبة تصفية تجاوزت 103%. وأوضح التقرير، الذي رُفع إلى الملك محمد السادس، أن سنة 2024 تميزت بالشروع الفعلي في تنزيل الإصلاحات القانونية والتنظيمية الجديدة المرتبطة بالسلطة القضائية، من خلال إحداث بنيات إدارية جديدة، وتحيين النظام الداخلي للمجلس، وتفعيل النصوص المؤطرة للمعهد العالي للقضاء بما يضمن نجاعة أكبر في تدبير التكوين والتأهيل. وفي ما يتعلق بتدبير الوضعية الفردية للقضاة، أشار التقرير إلى تعيين 548 ملحقاً قضائياً من الفوجين 46 و47 بمختلف محاكم المملكة، وتعيين 27 مسؤولاً قضائياً جديداً، بينهم رؤساء أولون ووكلاء عامون ووكلاء للملك، إضافة إلى تعيين 20 قاضياً على رأس أقسام قضاء الأسرة و59 نائباً للمسؤولين القضائيين. كما همّت الحركة الانتقالية 669 قاضياً وقاضية، فيما استفاد 3626 من الترقية خلال السنة نفسها، بينما أُحيل 23 قاضياً إلى التقاعد وتم تمديد عمل سبعة آخرين. وفي إطار جهود تخليق المنظومة القضائية، أبرز التقرير أن المجلس واصل مقاربته المبنية على الوقاية والزجر في الآن نفسه، حيث أحيل 70 قاضياً وقاضية على المجلس التأديبي، صدرت في حق ثلاثة منهم عقوبة العزل، فيما تراوحت العقوبات الأخرى بين الإقصاء المؤقت والإنذار والتوبيخ. كما قامت المفتشية العامة للشؤون القضائية ب22 زيارة تفتيش مركزية وبتفتيش أكثر من 60 محكمة ابتدائية و68 نيابة عامة في إطار التفتيش اللامركزي. وسجّل التقرير ارتفاعاً في عدد شكايات وتظلمات المواطنين التي توصل بها المجلس إلى 7513 شكاية خلال سنة 2024، مقابل 6171 سنة 2021، وبلغت نسبة معالجتها 96,5%. ولتعزيز التفاعل مع المرتفقين، أحدث المجلس فضاءً مجهزاً مخصصاً لاستقبال الشكايات ومعالجتها، في إطار مقاربة تقوم على القرب والشفافية. وفي مجال الأداء القضائي، أبرز التقرير أن محكمة النقض واصلت بدورها تحقيق مؤشرات إيجابية، إذ بتّت في 52.904 قضية من أصل 48.210 قضية مسجلة بنسبة 109%، ما ساهم في تقليص القضايا المخلفة إلى 46.549 قضية. أما على مستوى المحاكم الابتدائية والاستئنافية، فقد بلغ معدل البت في القضايا داخل الآجال الاسترشادية نحو 74%، مع انخفاض متوسط مدة تصفية الملفات إلى 47 يوماً فقط. وفي ما يخص حقوق الإنسان والحريات، أكد التقرير استمرار انخراط المجلس في ترسيخ البعد الحقوقي داخل منظومة العدالة، عبر المشاركة في إعداد التقارير الوطنية والدولية، وإطلاق برامج مشتركة مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. كما تم تطوير برامج تكوينية بالشراكة مع الأممالمتحدة والمعهد العالي للقضاء في مجالات الاتجار بالبشر، وعدالة الأحداث، والحقوق الرقمية. وأشار التقرير إلى أن التكوين القضائي شكّل محوراً مركزياً في عمل المجلس، إذ أنهى الفوج 47 من الملحقين القضائيين تكوينهم الأساسي بعد 175 حصة تكوينية، فيما استفاد 1641 قاضياً من التكوين المستمر، و1255 من دورات متخصصة بالمعهد العالي للقضاء، إضافة إلى 198 قاضياً شاركوا في برامج تكوين بشراكات دولية. أما على صعيد التحول الرقمي، فقد تم إحداث قطب متخصص في التحديث والنظم المعلوماتية بإدارة المجلس، مع إطلاق منظومة رقمية لمتابعة الأداء القضائي والآجال الاسترشادية للبت في القضايا، في خطوة تروم تعزيز الشفافية وتسريع المساطر. وفي الجانب المؤسساتي، بلغ عدد العاملين بالمجلس نهاية سنة 2024 ما مجموعه 491 إطاراً وموظفاً، 49% منهم نساء، وأكثر من نصفهم من فئة الشباب. كما تمت تسوية 10.595 قراراً مالياً وإدارياً يتعلق بالقضاة، واستغلال جميع المناصب المالية المخصصة للسنة. وسجّل التقرير انخفاضاً ملحوظاً في عدد دعاوى الخطأ القضائي بنسبة 63% مقارنة بسنة 2023، مع صدور 20 حكماً في هذا النوع من القضايا، غالبيتها برفض الطلبات، كما أصدرت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض 33 قراراً في الطعون ضد قرارات المجلس، 23 منها قضت برفض الطلب. على المستوى الدولي، أشار التقرير إلى انخراط المجلس في 2024 في دينامية تعاون مكثف مع مجالس وهيئات قضائية بعدة دول، وتوقيع اتفاقيات جديدة لتبادل الخبرات، إضافة إلى مشاركته في تظاهرات وملتقيات دولية لتعزيز الدبلوماسية القضائية المغربية. كما واصل المجلس انفتاحه على المكونات الوطنية من خلال لقاءات تنسيقية مع الجمعيات المهنية للقضاة وهيئات المحامين والمفوضين القضائيين، وتوقيع اتفاقيات شراكة جديدة مع مؤسسات وطنية. وفي ما يتعلق بالجانب المالي، بلغت ميزانية المجلس لسنة 2024 ما مجموعه 3.210.314.184 درهماً، منها 2.829 مليار درهم لميزانية التسيير و155 مليوناً لميزانية الاستثمار، تم تنفيذها وفق معايير الحكامة الجيدة والشفافية في تدبير النفقات العمومية. ويخلص التقرير إلى أن سنة 2024 مثّلت مرحلة مفصلية في مسار إصلاح العدالة بالمغرب، من خلال تحقيق توازن بين تحديث الإدارة القضائية، وتكريس استقلال القضاء، وتوسيع نطاق حماية الحقوق، مع اعتماد مقاربة مؤسساتية حديثة تجعل من القضاء رافعة للثقة والتنمية.