مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    المغرب وموريتانيا يعززان تعاونهما في مجال اللامركزية والتنمية المحلية من الرباط    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    آدم قاروال.. موهبة مغربية تخطف الأنظار داخل أكاديمية برشلونة والجمهور يصفه ب"لامين جمال الجديد"    المقاربة الدبلوماسية المغربية بشأن قضية الصحراء انتقلت إلى منطق المبادرة والاستباق مرتكزة على شرعية تاريخية راسخة (ولد الرشيد)    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    للا حسناء تلتقي السيدة الأولى لأذربيجان    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    مصرع سائحين بريطانيين في حادثة سير بأكادير وإصابة سائحين آخرين وسائق السيارة بجروح متفاوتة الخطورة    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    سوق الشغل.. خمس جهات تضم 72 في المائة من مجموع السكان النشيطين    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة التهديد بارتكاب اعتداءات جسدية قاتلة في حق مرتادي الملاعب الرياضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    مطالب للحكومة بالكشف عن الجهات المستفيدة من الدعم العمومي بقطاع الصيد البحري    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    إسرائيل تقر خطة "السيطرة" على غزة    رشق الرئيس الكيني بالحذاء خلال تجمع جماهيري    باحثون أمريكيون يبتكرون "تيرابوت".. أداة ذكاء اصطناعي للعلاج النفسي    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    عمر حجيرة.. زيارة البعثة الاقتصادية المغربية لمصر رسالة واضحة على رغبة المملكة في تطوير الشراكة والتعاون بين البلدين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    النفط ينخفض بأكثر من دولارين للبرميل مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ الريف العظيم وجبالة الأبية.. أكبر من "البام"
نشر في الأول يوم 18 - 01 - 2018


(كتاب ينشر على حلقات)
الحلقة 1
ما حصل تاريخيا في الريف المغربي، تعرفه الطبقات السياسية الأجنبية أكثر منا، ولا تعرف منه طبقتنا السياسية إلا الشظايا. لأن الريف مادة تاريخية تحتاج إلى ما تحتاج إليه من إزاحة الركامات من التمثلات الخاطئة التي يتم تعتمها.
وقد قرأنا الكثير من صفحات سيرة الريف وجزء من حياة قادته، وهي صفحات متعددة جديرة بالاهتمام، باعتبارها أول رد فعل أهلي زعزع كيان الاستعمار، وسارت على نهجه "الحركات الاستقلالية في المغرب"، وبعدها حركات التحرر الوطني داخل المغرب وخارجه.
فلا أحد مِمَّن أوجعهم تاريخ سلسلة جبال الريف في شمال المغرب الأقصى يمكنه أن ينكر أن هذه الجغرافيا لم يستطع الرومان أو البرتغاليون أو الإسبانيون التوغل فيها، وحتى العثمانيون الذي وصلوا إلى الجزائر فضلوا عدم الاقتراب من مناطق الريف وجبالة التي تحتفظ بخصوصياتها منذ ما قبل انتشار الإسلام في شمال إفريقيا.
وكما هو معلوم، فالإسلام دخل الريف وجبالة بالسلاسة والقناعة، وعن طريق العلماء وليس بالقوة أو عن طريق السياسيين.
ورغم أسلمة الريف وجبالة، ظلت كل القبائل تحتفظ بعاداتها وتقاليدها إلى الآن، رغم ما كان يصيبها من فوضى وعصيان وتفكك سياسي بسبب رفع مطالب تتعلق بالمساواة. وحتى وإن كانت النزعات القبلية تصل أحينا إلى حد المطالبة بالانعزال عن جماعتها الأم كلما احتد الصراع أو نشبت الاختلافات، لكنها ظلت موحدة في وجه العدو الخارجي من أجل الوحدة والتقدم. وهو ما جعل الريف وجبالة مناطق مستقلة، رغم احتلال فرنسا للجزائر وتونس، واحتلال اسبانيا لتطوان، إلى أن استنفذت عائلة محمد بن عبد الكريم كل أشكال المرونة التي أبدتها مع السلطات الإسبانية بعد فرض نظام الحماية الإسبانية على شمال المغرب. فما كان على أهالي الريف إلا الرد على الجيوش الاسبانية من أجل عزة قبائلهم وحريتها، رغم كل محاولات إغراء محمد عبد الكريم، بمنصب خليفة السلطان في تطوان.
ولما دخل المستعمر الإسباني إلى الشاون يوم 15 أكتوبر 1920، أعلن الشيخ عبد الكريم الخطابي محاربته بالسلاح.
وبعد وفاة الزعيم الشيخ عبد الكريم، أخذ المشعل ابنه محمد في شهر يوليوز 1921، ليعلن ثورة الريف في وجه إسبانيا وفرنسا المتضامنة معها. وذاع صيت الثورة بعد انتصار "أنوال" على المستعمر الإسباني، لتتلقى الدعم من خلايا التنظيمات الشيوعية الأولى، التي ولدت على ضوء ثورة أكتوبر 1917 في روسيا.
ونظرا لما كان يشهده العالم من تكتلات، على إثر الحرب العالمية الأولى، وبعد أن حطت الحرب أوزارها مخلفة ملايين القتلى، ليأتي بعدها مؤتمر الصلح في باريس ويرسم معالم الخريطة العالمية ومعها السياسة حتى عام 1939 تاريخ اندلاع الحرب العالمية الثانية، أعلن محمد عبد الكريم عن تأسيس الحكومة الريفية بمجلس نوابها وبدستورها وبميثاقها القومي، وجعل أجدير مقرا لها، في غشت من سنة 1921.
وبدفاعها المستميت عن الدين والوطن، أعلنت قبائل جبالة ولاءها لنجل عبد الكريم ليتم تأسيس القيادة العامة للقوات الريفية برئاسة أخ الزعيم الثائر، وبمساعدة ابن جبالة احمد الحزمري "خريرو"، وبعدها سيتفرغ قائد الريف إلى قضايا القبائل وشؤونها وعلاقاتها.
وكما هو معلوم، فقد فكر الاستعمار الفرنسي والاسباني، تحت ضغط المقاومة الريفية، في إعطاء نوع من الاستقلال الذاتي إلى "قبائل الريف وجبالة"، وإبرام في هذا الصدد بتاريخ 11 يوليو 1925 اتفاقا واضحا في هذا الشأن، وذلك في إطار التوجه الدقيق والملموس الذي كان يتبناه ابن عبد الكريم الخطابي من أجل بناء المغرب الأقصى، وهو ما عبر عنه في إحدى وثائقه التاريخية المشهورة، والموقعة من أجدير في 10 غشت سنة 1925 الموافق 26 محرم الحرام عام 1344.
ومن ذلك الحين، أصبح اسم زعيم المقاومة الريفية شائعا في العالم ومادة دسمة في كتابات ومنشورات ورسائل المؤرخين والعلماء والروائيين، بل وأصبح رمزا وقائد حركة التحرر المسلحة ضد اسبانيا وفرنسا، وقائد حرب تحررية للوطن من النير الاستعماري.
لكن ورغم المكانة العظيمة التي احتلها المغرب في العالم، ورغم استرجاع دوره في التاريخ، سيدخل الزعيم "أميس نسي عبر كريم" ( أي ابن السي عبد الكريم) في دائرة النسيان بعد نفيه، بل هناك من حاربه وعمل كل ما في وسعه لتمديد منفاه حتى الموت.
هكذا حطم الأسبان والفرنسيون حلم الثورة في مهدها بداية القرن العشرين، أي سنوات قليلة بعد نجاح الثورة البولشوفية، ليحطم معها المؤسسات التقليدية القديمة. لكن ورغم التحول الذي سيعيشه المغرب في زمن كفاحه الوطني بين سنتي 1939 و1947، لم يستطع المستعمر أن يغير من أخلاق وتقاليد الريف وجبالة.
طبعا، بعد هذه المرحلة، سيدخل المغرب في سياقات ورهانات أخرى انبثقت في البداية من النهضة السلفية الدينية تحت قيادة البورجوازية، وبالأخص البورجوازية الفاسية، لتتحول مقاومة المستعمر إلى نضال نخبوي محدود، استمر إلى ما بعد الحرب العالمية بقليل. وعنوان هذه المرحلة، هو أن خصوم ابن عبد الكريم ألصقوا له صفة "الجمهوري" التي قاد باسمها حربه التحررية، وباتت هذه الصفة فزاعة للنظام، رغم أن المهام التي أسست من أجلها جمهورية الريف، يجب فهمها في سياق ما كان يسمى ببلاد السيبة التي كان ولاؤها الديني للسلطان دون أن تلتزم بالولاء السياسي، وبدفع الضرائب.
فانطلاقا من هذه الأقواس التي فتحتها، سأحاول قدر المستطاع في الحلقة المقبلة قراءة ما وقع في الريف منذ الاستقلال إلى سنة 1958، ولماذا وقع؟ لنوضح للجهلة ولكل "البواقجية"، أن تاريخ الريف العظيم وجبالة الأبية، أكبر من حزب "البام" ومن غيره، وأعمق من الوجود السطحي لمن تربع على كرسي الحكومات، من دون أن يفقد شهيدا في المقاومة، ومن دون أن تسيل ولو قطرة دم من ظفره، ومن دون أن يتعرض لا للقمع، ولا للتعذيب، ولا للاختطاف، ولا للسجن ولا للمنفى..
فالريف ليس لأحد، وجبالة ليست لأحد والمغرب للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.