قال بنعلي المنصوري، الوزير الذي شغل عدة مناصب وزارية في السبعينات قبل أن يصبح واحدا من أعضاء الديوان الملكي في أكتوبر 1985، "أتاحت لي مصاحبة الأستاذ عبدالهادي بوطالب، التعرف عن كثب على بعض سمات شخصيته، واقتناعاته الفكرية". وأضاف بنعلي المنصوري المكلف بمهمة بالديوان الملكي، في سيرته الذاتية المعنونة ب"خطواتي على درب الزمن" المرتقب صدورها بالمكتبات قريبا بعد الانتهاء من طباعتها، والتي نشرتها "الأيام" بشكل حصري، أنه "من خلال ما يدور بيننا من أحاديث حول قضايا معينة، بل أحيانا ما يصدع به من آراء، أو يبين عنه من مواقف خارج ما هو مهني، كنتُ ألمس في الرجل صاحب التجربة الحزبية الماضية، ملامح ميولات يسارية، وقد لا يكون ذلك أمرا غريبا على شخصية كانت من رجالات الصف الأول في حزب الشورى والاستقلال، ذلك الحزب الذي يعتبر أول حزب معارض في عهد الاستقلال، حين رفض الانضمام إلى حكومة البكاي الثانية في أكتوبر 1956".
وتابع: "عرفت في الأستاذ عبد الهادي بوطالب رجلا صريحا، واضحا في مواقفه. كان يدلي برأيه بموضوعية، بل إن هذه الموضوعية، قد تؤدي به أحيانا إلى مخالفة وجهة نظر الملك الحسن الثاني في قضية من القضايا، يصدع بذلك طي مذكرة يرفعها إلى جلالته، أو قد يكون ذلك بشكل مباشر من خلال حديث بين الملك ومستشاره، ولكنه في كل ذلك، كان صادقا، مخلصا لوطنه ولملكه".
وأوضح المنصوري، أن "هذا المنحى في الصدع بالرأي قد يؤدي أحيانا إلى عدم رضا الطرف الآخر، والمتابعون للحياة السياسية في المغرب أيام الملك الحسن الثاني يعلمون أن الأستاذ عبدالهادي بوطالب قد أعفي من منصب المستشارية، وربما كنت من الأوائل الذين تلقوا هذا الخبر".
وعن تفاصيل تلقيه خبر إعفاء عبدالهادي بوطالب، قال المنصوري، "كنت في ملعب الكولف بالصخيرات رفقة الملك الحسن الثاني، وبعض المقربين، وفي إحدى اللحظات نادى علي جلالته، وأشار إلي بالركوب إلى جانبه في تلك السيارة الصغيرة، المخصصة لملاعب الكولف"، مضيفا أنه "ما إن تحركت السيارة قليلا، حتى التفت إلى جلالة الملك وخاطبني: لقد أعفيت بوطالب هذا الصباح!".
وأردف: "والحق أني فوجئت بما قاله جلالة الملك، وانتابتني حيرة، وكان على أن أتغلب على ذهولي، وأستحضر جوابا لما نطق به الملك؟؟ فقلت: سيدي، السي بوطالب من المخلصين لكم، والمقربين جدا من جلالتكم! كان جوابي صادقا لما أعرفه عن الرجل من وطنية صادقة، وتفان في خدمة بلده وملكه. أطرق جلالة الملك رأسه لحظة، ثم رفعه وخاطبني قائلا: لقد أساء الأدب معي!".
وعن أسباب إعفاء بوطالب، ذكر المنصوري، أن "ملفا يتعلق بقضية معينة، كان من المفروض أن يتسلمه مستشار جلالة الملك أندري أزولاي، وأرسل خطأ إلى الأستاذ عبدالهادي بوطالب. لتدارك الأمر، اتصل الملك في ساعة متأخرة من الليل، بمستشاره بوطالب وسأله: هل توصلت اليوم بملف ما؟ جاء جواب المستشار: نعم. فخاطبه جلالة الملك بقوله: هذا ملف لم يكن موجها إليك، بل هو ملف يجب أن يكون بين يدي أزولاي، ثم أضاف جلالته منبها: إذا ما تسرب أي شيء من هذا الملف، فستكون أنت المسؤول عن تسريب الخبر! فجاء جواب الأستاذ عبدالهادي بوطالب يقول: ألست محل ثقتك؟ على الأقل عاملني كوالدك!!".
وزاد المنصوري، قائلا: "ربما كانت العبارة الأخيرة في هذا الحوار هي النقطة التي أفاضت الكأس، فاتخذ جلالة الملك قراره الذي لا رجعة فيه، بإعفاء الأستاذ عبد الهادي بوطالب، وهو القرار الذي وضع حدا لمهمته في الديوان الملكي".