أكد عبد الله بوانو، القيادي والنائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، أن "ملتمس الرقابة كان مبادرة دستورية جدية ومسؤولة"، وكان من الممكن أن يشكل لحظة سياسية فارقة في مواجهة ما وصفه ب"العبث الحكومي"، قبل أن تتدخل حسابات حزبية ضيقة لتقويض التنسيق. خلال ندوة صحفية نظمها حزب المصباح، مساء الخميس 22 ماي الحالي، كشف بوانو عن تفاصيل المسار المعقد الذي مر به إعداد "ملتمس الرقابة" الذي كانت تنوي فرق المعارضة تقديمه ضد الحكومة الحالية، قبل أن يُجهض بفعل انسحاب مفاجئ لأحد مكونات المعارضة.
وأشار إلى أن التحضير لهذه المبادرة مر بمسار طويل ومعقد امتد على مدى أسابيع، وأن الأمانة العامة للحزب صادقت على المشاركة فيها يوم 3 ماي، بعد نقاش داخل المكتب الذي انعقد يوم 29 أبريل بحضور الأمين العام عبد الإله بنكيران ورئيس المجلس الوطني ورئيس المجموعة النيابية. وأضاف بوانو: "اتفقنا مع مكونات المعارضة الأخرى، خاصة الفريق الاشتراكي، على تقديم الملتمس بشكل موحد، وتم إعداد مذكرة بمساهمة مختلف الفرق، غير أن الفريق الاشتراكي انسحب بطريقة مفاجئة وغير مبررة في آخر لحظة، وهو ما أجهض المبادرة". وحول كواليس الاجتماعات، كشف بوانو أن لقاء عقد يوم 4 ماي بمطعم جمع رؤساء الفرق الثلاثة، واستمر لثلاث ساعات، واتفق فيه الجميع على الالتزام بتقديم الملتمس، وتم اقتراح أن يقدمه أحد الموقعين في الجلسة العامة كما ينص النظام الداخلي. وقال: "طالبنا بضمانات والتزم الفريق الاشتراكي شفهيا، بل إن منسقه النيابي أكد على أن الأمر نهائي ولن يتم التراجع عنه، ولكن ما حدث كان العكس تماما". وأوضح بوانو أن الانسحاب المفاجئ سبقه نوع من التردد ومحاولة فرض اشتراطات تنظيمية غير منطقية، مثل الاعتراض على طريقة تقديم الملتمس أو من سيمثل الفرق المعارضة في الجلسة العامة. وأكد المتحدث أن "العدالة والتنمية أبدى مرونة كبيرة، بل اقترح عدة حلول من أجل إنجاح المبادرة، بما فيها إجراء قرعة لتحديد من سيقدم الملتمس، لكن حتى هذه المقترحات قوبلت بالرفض". وتابع: "لقد تقرر في يوم 12 ماي عقد لقاء جديد يوم 18 ماي للحسم في كافة التفاصيل، لكن قبل بلوغ هذا التاريخ، فوجئنا يوم 16 ماي ببلاغ صادر عن الفريق الاشتراكي يعلن فيه تعليق التنسيق بخصوص ملتمس الرقابة، وهو ما كان بمثابة طعنة في الظهر". وشدد بوانو على أن هذا الانسحاب "كان له أثر مدمر على وحدة صف المعارضة وعلى مصداقيتها أمام الرأي العام"، مضيفا: "الناس تساءلت: أين ذهبت الجدية؟ كيف تنسحب جهة من المعارضة بعد التوقيع والاتفاق؟". وفي رده على تبرير الانسحاب بحجج سياسية، أكد بوانو أن المعطيات الواقعية تفند ذلك، قائلا: "الفريق الذي انسحب قال إن القرار اتخذ في المجلس الوطني، لكن البلاغ صدر يوم 16 والمجلس الوطني لم ينعقد إلا يوم 17! فهل هذه مصادفة؟". وركز بوانو في نهاية مداخلته على أن ما جرى يمثل "إجهاضا لآلية رقابية من صميم الدستور، ومؤشرا على تغليب الحسابات الحزبية الضيقة على المصلحة العامة"، معتبرا أن هذا "يضعف المعارضة أكثر مما يخدمها، ويفرغ العمل الرقابي من مضمونه الديمقراطي". كما دعا المتحدث الحكومة إلى التوقف عن سياسة العرقلة والتضييق على آليات الرقابة البرلمانية، قائلا: "اللجوء إلى لجنة تقصي الحقائق لم يكن عبثيا، بل هو ضرورة، بعدما تبين أن كل محاولات الحصول على معطيات عبر الأسئلة أو طلبات المهام الاستطلاعية تصطدم بالرفض أو التهميش". وأضاف في نبرة نقدية شديدة: "نحن في دولة تقول إنها ديمقراطية، لكن واقع البرلمان والرقابة يشي بأن الحكومة تريد تسيير البلاد دون محاسبة، وهو ما نرفضه تماما". وأوضح أن "ما جرى في نازلة ملتمس الرقابة ليس مجرد خلاف تنظيمي، بل هو اختبار حقيقي لنضج المعارضة وقدرتها على تجاوز منطق الغنيمة والتموقع السياسي".