قبل أن يصبح أصغر عضو بالديوان الملكي، شغل بنعلي المنصوري عدة مناصب وزارية في السبعينات، ليصبح في أكتوبر 1985، أحد مستشاري الملك الحسن الثاني بعد أن سحب اسمه في آخر لحظة من لائحة حكومة المعطي بوعبيد المعدلة في نفس الوقت، جراء رفض أحمد عصمان لاستوزاره باسم حزبه التجمع الوطني للأحرار. "الأيام" نشرت بشكل حصري أهم مضامين السيرة الذاتية لبنعلي المنصوري المعنونة ب"خطواتي على درب الزمن" والتي يرتقب صدورها بالمكتبات قريبا بعد الانتهاء من طباعتها.
يتحدث المكلف بمهمة بالديوان الملكي، في سيرته الذاتية عما يزيد عن نصف قرن من المسؤوليات التي راكمها منذ أن كان عضوا جماعيا ثم برلمانيا فوزيرا وأخيرا عضوا بالديوان الملكي، كاشفا الكثير من الأسرار والخفايا والكواليس التي لا يعرفها أو يطلع عليها سوى المقربون من المربع الملكي، وهو الذي قضى 15 عاما الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني ملازما له في كثير من المحطات والأسفار، وشاهدا على حل كثير من الملفات قد يكون أبرزها ملف أبناء المجاهد محند بن عبدالكريم الخطابي.
بنعلي المنصوري، كشف في سيرته الذاتية، أنه في إحدى المناسبات التي التقى فيها بالملك الحسن الثاني استطاع مفاتحته في موضوع أسرة المجاهد الخطابي، حيث أخبره بأن المستحقات المالية التي كانت تصرف لهذه العائلة، بأمر من المغفور له محمد الخامس، قد توقفت منذ مدة طويلة، من طرف الحكومة.
وأضاف أنه لم يكن يتوقع ذلك التجاوب الفوري والكبير من الملك مع هذه القضية، قائلا: "أمرني الملك بالاتصال في أقرب وقت بالسيد عباس القيسي، الأمين العام للحكومة، لاتخاذ الترتيبات القانونية الضرورية لتسوية هذه الوضعية، وذلك بإصدار ظهير إعانة استثنائية من طرف الدولة لكل أبناء وبنات المجاهد محند بن عبدالكريم"، و"أمرني كذلك بوضع اللائحة الكاملة لأسرة المجاهد الكبير. لضبط هذه الأسماء".
وتابع: "اتصلت بالدكتور مصطفى بوجيبار، وزوجته عيشة الخطابي حرصت على الضبط المحكم لهذه اللائحة حتى لا يتم نسيان كل من يستحق هذه الالتفاتة الملكية، بل – وبمبادرة مني أضفت اسمين آخرين هما: الدكتور عمر الخطابي، وهو ابن عم محند بن عبدالكريم الخطابي، والسيدة للا فطومة البنت الوحيدة من أبناء المجاهد الشريف سيدي محمد أمزيان، التي ما تزال على قيد الحياة".
وأوضح المنصوري، أنه "بعد حصر لائحة المستحقين، كان علي التفكير في مبلغ هذه المستحقات الذي يضمن عيشا كريما لهذه الأسرة، واستشرت في هذا الأمر الدكتور بوجيبار وزوجته عيشة"، مبينا أنه اقترح على عباس القيسي تخصيص ما يعادل مرتب وزير في تلك الفترة، لفائدة كل فرد من أبناء وبنات المجاهد الخطابي.
وسجل المنصوري، تجاوبا كبيرا من عباس القيسي بخصوص هذا الموضوع، والإيقاع السريع في تنفيذ ما أمر به الملك الحسن الثاني، مشيرا إلى أن "القيسي كان رجلا مستقيما وفاضلا، وكان له تقدير خاص للمجاهد محمد بن عبدالكريم الخطابي، فلم يتدخل في أي اقتراح قدمته، سواء فيما يتعلق بعدد الأفراد الذين ضمتهم اللائحة، أم في المبلغ الذي حددته".
أمر آخر، أود تأكيده في هذا الباب، حرصا على تسجيل الحقيقة للتاريخ، يضيف المنصوري، وهو "يرتبط بموقف أسرة عبدالكريم الخطابي، مما سعيت إليه. فلم يكن ما أقدمت عليه من خطوات بطلب من هذه الأسرة. لم تطلب مني أسرة هذا المجاهد الكبير يوما ما، أن أتدخل لدى الملك الحسن الثاني. ولقد كانت المبادرة مني، لأنني كنت أتردد على أفراد من هذه العائلة، وخاصة عيشة الخطابي المقيمة بمدينة الدارالبيضاء، بالإضافة إلى اتصالات بين الآن والآخر، مع من استقر من أبناء عبدالكريم، في القاهرة".
وأردف: "استمرت زياراتي واتصالاتي بأسرة المجاهد الخطابي، فلاحظت أن إقامة السيدة زوجة المجاهد مع ابنتها عيشة تحتاج إلى ترتيبات أخرى. فحينما يرغب الأبناء الذين يقيمون بالقاهرة في زيارة أمهم بالمغرب، يضطرون إلى الإقامة في الفندق، فالأم لا تملك سكنا خاصا بها. فقر عزمي على إيجاد حل لهذه الوضعية".
وزاد: "ومرة أخرى، أجد ملجئي في عطف وكرم الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، حتى إذا أتيحت لي فرصة لقائه، بسطت أمامه وضعية زوجة ابن عبدالكريم، وكونها لا تتوفر على سكن خاص. كانت استجابة جلالته فورية، حيث طلب مني الاتصال بالوزير الأول يومئذ، السيد كريم العمراني، ليقتني مسكنا للزوجة، يكون عبارة عن فيلا بمدينة الدار البيضاء، حيث تقيم ابنتها عيشة. وفعلاً، اتصلت بالسيد كريم العمراني لتنفيذ ما أمر به جلالة الملك".
وذكر المنصوري، أن الوزير الأول طلب منه أن تقوم الأسرة بالبحث عن "الفيلا" التي تراها مناسبة، ليتم اقتناؤها، ويُؤدى ثمنها من طرف الدولة، لافتا إلى أن أفراد العائلة الخطابية عملوا على البحث في الدارالبيضاء عن المسكن اللائق لإقامة أم الأبناء، ليقع الاختيار على فيلا في حي أنفا، والتي تم اقتناؤها، وتسجيلها باسم الزوجة.
وأفاد المنصوري، أنه من خلال متابعته لأوضاع العائلة الخطابية، تبين له أن كل ممتلكاتهم في منطقة الريف تمت مصادرتها، أيام الاستعمار، من طرف المستعمر الإسباني بمرسوم خليفي، مضيفا أنه التجأ مرة أخرى إلى الملك، وأوضح له الأمر، فأعطى الحسن الثاني، أوامره بإرجاع تلك الممتلكات إلى العائلة الخطابية.
لكن تبين من الناحية العملية أن أمر إرجاع الممتلكات إلى العائلة الخطابية تكتنفه عدة صعوبات، يبين المنصوري، حيث اتضح أن الجزء الكبير من الأراضي قد تم بيعه من طرف السلطات الإسبانية للخواص وجزءاً آخر، وهو قليل، قد تحول إلى أملاك الدولة، أما إقامة المجاهد بأجدير، فقد فوتت لوزارة الداخلية، مضيفا أنه "نظرا لصعوبة استرجاع هذه الممتلكات، كلفني جلالة الملك بالاتصال بالمصالح المختصة لإيجاد الحل المناسب لهذه المسألة".
وقال المنصوري: "بعد استشارتي مع بعض الوزارات المختصة في هذه القضية، اقترحت على جلالته استرجاع إقامة المجاهد بأجدير من وزارة الداخلية، واسترجاع جزء من الأراضي التي سلمتها السلطات الإسبانية لأملاك الدولة التابعة لوزارة المالية، وأن تعطى للعائلة ضيعة من الضيعات التي في ملك الدولة".
وكشف المنصوري، أنه بعد تقديمي لهذه الاقتراحات، أمره الملك بالاتصال بوزير الداخلية، إدريس البصري، لاسترجاع الإقامة بأجدير، والاتصال بأملاك الدولة لاسترجاع باقي الأراضي، وكذلك الاتصال بوزير الفلاحة حسن أبو أيوب، بخصوص الضيعة.
وأفاد أنه اتصل بعد ذلك، بالوزارات المعنية لإبلاغهم قرار الملك، قائلا: "بقدر التماطل الذي صادفته من وزارة الداخلية، فإني لقيت من مصالح أملاك الدولة ووزارة الفلاحة كامل الاستعداد لتحقيق المطلوب، حيث وجدت من وزير الفلاحة، كل المساعدة لتنفيذ التعليمات الملكية، وقدم لي ثلاثة اقتراحات لضيعات مختلفة. وبدوري قدمتها لابني الخطابي السيد سعيد والسيدة عيشة، ووقع اختيار السيد سعيد على ضيعة بناحية مراكش، على الطريق المؤدية إلى مدينة بني ملال. وهي ضيعة في ملك شركة (صوديا) تابعة لوزارة الفلاحة، تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثمائة هكتار، ومغروسة بأشجار مثمرة".
وختم حديثه عن هذا الموضوع، قائلا: "كان علي إخبار جلالة الملك بالنتيجة التي انتهى إليها البحث عن الضيعة فأعطى جلالته أوامره للشروع في الإجراءات القانونية، وهو ما نقلته إلى وزير الفلاحة، السيد حسن أبو أيوب، الذي عمل على تطبيق تلك الأوامر بالدقة والسرعة المطلوبتين، وسجلت الضيعة باسم ورثة مُحند بن عبدالكريم الخطابي".