بقلم: عبد الهادي بريويك في ساحة السياسة المغربية، لا شيء يدهشنا أكثر من قدرة الحكومة على تلوين الواقع بألوان قوس قزح، حتى وإن كانت السماء رمادية، والغيوم حبلى بالتذمر الشعبي. البيان الأخير لأحزاب الأغلبية الحكوميةالصادر يوم 2 يونيو 2025 جاء كأوبرا مبتهجة، تعزف فيها الأرقام لحن التنمية، وتُسكب فيها الوعود كما يُسكب العطر في الهواء، يزول سريعًا ولا يترك سوى ذكرى خافتة.
في هذا البيان، تحوّلت الأرقام إلى جنة نعيم، والمؤشرات إلى طيور تغرد في سماء «الإنجازات». البطالة؟ في طريقها إلى الزوال. الأسعار؟ تحت السيطرة. التعليم؟ يشهد "نهضة غير مسبوقة". أما الصحة؟ فقد صارت، حسب البيان، نموذجًا يُحتذى به. لكن الواقع يهمس بشيء آخر، وإن كان الهمس أحيانًا أشد وقعًا من الصراخ.
هل الثعلب يبوح بالحقيقة؟ لا أحد يصدق أن الثعلب، حين يبتسم، إنما يبتسم طيبة. تلك ابتسامة تعرف الطريق إلى الحيلة جيدًا. والأغلبية، حين تصدر بياناتها المطمئنة، إنما تفعل ذلك وهي تعرف تمامًا أن الناس لا يصدقونها، لكنها تعتمد على أن الذاكرة الجماعية قصيرة، والهمّ اليومي أثقل من أن يترك للمواطن فرصة للتدقيق في الأرقام.
فالمواطن البسيط لا يحيا في البيان، بل في الحي. لا يأكل من نسب النمو، بل من سوق لا يرحم. لا يركب قطار الإصلاحات الورقية، بل يركب الحافلة المتآكلة، إن وُجدت.
لغة الخشب في ثوب حرير
من الملاحظ أن اللغة المستعملة في البيان الأخير مغرقة في التجميل، متأنقة في الوصف، ولكنها تفتقر إلى الجوهر: أين الإقرار بالمشاكل؟ أين لغة المحاسبة؟ أين الاعتراف بأن ما تحقق لا يرقى إلى تطلعات المغاربة، بل ولا يغطي حتى ما ضاع من فرص؟
الصدق السياسي ليس عيبًا، بل هو أول خطوة نحو البناء الحقيقي. أما الخطاب المُنمق دون مراجعة ذاتية، فهو كالطلاء على الجدران المتشققة: يبدو جميلًا، لكنه لا يمنع الانهيار.
بين الخرافة والواقع
ربما كان من الأجدى أن يكون عنوان بيان الأغلبية: "البلد بخير… فقط لا تنظروا من النافذة". لأن النوافذ تكشف، والشارع لا يكذب. أما الثعلب، فهو لا يبوح بالحقيقة إلا إذا حوصر، ونحن لم نحاصر بعد سوى بغلاء المعيشة، وضعف الخدمات، وزحف اليأس البطيء على أحلام التغيير.
فهل ننتظر من الثعلب أن يعترف، أم علينا أن نصير صيادين للحقيقة بأنفسنا؟
للإستئناس مقتطف من بيان الأغلبية الحكومية
ثالثا: تثمن المكتسبات التي حققتها الحكومة في ما يتعلق بتنزيل ورش الدولة الاجتماعية، الذي يرعاه صاحب الجلالة، نصره الله، خاصة ما يتعلق ببرنامج تعميم التغطية الصحية، وبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، وبرنامج دعم السكن، إضافة إلى الإصلاحات الكبرى التي قادتها الحكومة في قطاعي الصحة والتعليم، علاوة على المكتسبات التاريخية وغير المسبوقة التي تحققت للطبقة الشغيلة، في عهد هذه الحكومة الاجتماعية في إطار الحوار الاجتماعي، وهو ما يؤكد وفاءها بالتزاماتها المتضمنة في البرنامج الحكومي، ويعكس انخراطها في المشروع الملكي الانتقالي لبناء المغرب الاجتماعي الجديد، الذي يضمن العدالة الاجتماعية، ويعزز مبادئ الإنصاف المجالي، ويضمن الكرامة لجميع المواطنين، ويساهم في تحقيق النمو الشامل والمستدام.
رابعا: تشيد بنجاح الحكومة في بناء أسس اقتصاد مغربي قوي ومحفز، منتج للثروة وفرص الشغل، وقادر على الصمود أمام المتغيرات الوطنية والدولية، وهو ما تؤكده الأرقام الأخيرة، على غرار تحقيق الاقتصاد الوطني لنسبة نمو تصل إلى 4.2 في المئة خلال الربع الأول من السنة الجارية، مدعوما بالنتائج الإيجابية التي حققتها قطاعات مثل الفلاحة، والصناعة، والتجارة الخارجية، والسياحة. كما يعكسه كذلك تحقيق انتعاشة كبيرة في خلق فرص الشغل، بعدما عرف الاقتصاد الوطني، ما بين الفصل الأول من سنة 2024 والفصل الأول من 2025، إحداث ما لا يقل عن 282.000 منصب شغل جديد، الشيء الذي يؤكد وجاهة الاختيارات الحكومية في ما يتعلق بإنعاش الاقتصاد الوطني وتحفيز التشغيل.
خامسا: تنوه بالتفاعل السريع للحكومة، مع التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بخصوص إعادة تشكيل القطيع الوطني بشكل مستدام، وذلك من خلال إطلاق برنامج موجه لدعم مربي الماشية وتحسين أوضاعهم، يرتكز على خمسة محاور تهم إعادة جدولة ديون مربي الماشية، ودعم الأعلاف، وإطلاق عملية ترقيم إناث الماشية، وإطلاق حملة علاجية وقائية، وتنظيم عملية تأطير تقني لمربي الماشية.
سادسا: وإذ تشيد الأغلبية بالمجهود الكبير الذي تقوم به الحكومة فيما يتعلق بمباشرة الأوراش المتعلقة بالأمن المائي والانتقال الطاقي والتحول الرقمي، فإنها تثمن عاليا العمل التشريعي الذي تقوم به الحكومة بتعاون مع البرلمان بغرفتيه، وتؤكد على مواصلة استكمال الورش التشريعي، بما يضمن التنزيل الأمثل لمختلف الإصلاحات والالتزامات الحكومية تتفيدا للتعهدات الواردة في البرنامج الحكومي.
سابعا: إن الأغلبية الحكومية وهي تستحضر الرهانات الكبرى لما تبقى من الولاية الانتدابية الحالية، فإنها تشيد بتماسك مكوناتها وتطابق مواقفها تجاه كل القضايا، لما له من أثر إيجابي على السير الأمثل للتدبير الحكومي والوفاء بمختلف الالتزامات المسطرة في البرنامج الحكومي. كما تحيي أيضا المعارضة المسؤولة، من خلال أدوارها المتمثلة في الرقابة والانتقاد البناء وإغناء النقاش العمومي، بما يعزز الممارسة الديمقراطية ببلادنا.