قالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، إن العلاقات الطيبة بين الجزائر وأبو ظبي لم تعد سوى ذكرى بعيدة، مردفة: اليوم، تتهم الجزائر الدولة الخليجية الغنية بالنفط بالقيام بعمليات تهدف إلى زعزعة استقرارها. وأضافت المجلة الفرنسية، في تقرير تحت عنوان "بين تبون ومحمد بن زايد... الحرب الباردة تتحول إلى تبادل الإهانات والشتائم"، أنه "في مشهد يكاد يكون سرياليا، جرى، في يونيو 2024، بمدينة باري الإيطالية، خلال قمة مجموعة السبع، وقوف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حديث جانبي مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة".
وتابعت أنهما تبادلا الحديث بصوت خافت، ولوّح تبون بإصبعه نحو صدر محاوره في إشارة قد تُفهم كتهديد أو عتاب أو نقد، مشيرة إلى أنه لا يُعرف بالضبط ما دار بين الرجلين، ولكن هذه الإشارة بالإصبع على صدر الأمير تختزل الكثير عن الحرب الباردة التي تشتعل اليوم بين البلدين.
واعتبرت "جون أفريك"، أن "العلاقة بين الجزائر وأبو ظبي لم تعد مجرد خلافات سطحية أو مناوشات، بل تحولت إلى اتهامات ثقيلة محملة بألفاظ قاسية، من ملف الصحراء الغربية، إلى الأزمة الليبية، والأوضاع في الساحل، وملف التطبيع مع إسرائيل…".
وترى المجلة الفرنسية، أن "لدى الجزائريين ما يكفي من الأسباب لانتقاد الإمارات، بل أحيانا بعبارات تفتقر إلى اللباقة الدبلوماسية"، مبينة أنه "لتفسير طبيعة هذه الحرب الكلامية بين "الإخوة العرب"، لا بد من العودة إلى زمن قريب كانت فيه العلاقة بين الجزائروالإمارات من أفضل ما يكون".
وزادت: "كان ذلك في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أُجبر على الاستقالة في شهر أبريل عام 2019 بعد عشرين عاما من الحكم. وبحكم إقامته في الإمارات خلال الثمانينيات، حرص بوتفليقة على بناء علاقات متميزة مع هذا الاتحاد الخليجي. وكان يحمل الكثير من التقدير والوفاء للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والد الرئيس الحالي، إلى درجة أنه أعلن حدادا وطنيا لثلاثة أيام عند وفاة الشيخ في شهر نونبر عام 2004".
في عهد بوتفليقة- تُذكّر "جون أفريك"- حصل الإماراتيون على عقود كبيرة في الجزائر، وكانت المؤسسة العسكرية الجزائرية تشتري بانتظام من السوق الإماراتية. وكان الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق، الذي توفي في شهر دجنبر عام 2019، يزور الإمارات باستمرار في زيارات رسمية، لدرجة أن البعض اتهمه بأنه يأخذ تعليماته من أبو ظبي.
لكن مع انتخاب تبون- توضح المجلة الفرنسية- بدأت الأمور تتغير تدريجيا، حيث أخذ مسار العلاقات منحى جديدا دون أن يصل إلى القطيعة، حيث حصلت أول أزمة بين الطرفين في شهر نونبر عام 2020، عندما افتتحت الإمارات قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء الغربية. بالنسبة للمغرب، هذه الخطوة تُعد اعترافا ضمنيا بسيادته على الإقليم. أما بالنسبة للجزائر، التي تدعم القضية الصحراوية وتطالب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، فقد شكّلت هذه الخطوة الإماراتية شرخا في العلاقات التي كانت وثيقة سابقا.
ومضت "جون أفريك" قائلة إنه على الرغم من أن الجزائر أخذت علما بافتتاح القنصلية، فإنها لم تسارع إلى قطع العلاقات. ولإثبات حسن النوايا بين "البلدين الشقيقين"، وافقت أبو ظبي، في شهر غشت عام 2021، على تسليم المدير السابق لشركة سوناطراك، عبد المؤمن ولد قدور. وقد حُكم عليه في 2022 بأحكام ثقيلة في الجزائر، رغم أنه كان ما يزال ينتظر قرارا من القضاء الإماراتي.
ومع ذلك- تضيف المجلة الفرنسية- لم يفوّت الرئيس عبد المجيد تبون أي فرصة لانتقاد حكّام الإمارات، وإن كان ذلك دون تسميتهم صراحة. ففي شهر مارس عام 2024، قال: "أينما وُجدت النزاعات، يوجد مال هذه الدولة، سواء في مالي أو ليبيا أو السودان".
ورغم أن هذا الاتهام لا يستند إلى دلائل ملموسة، إلا أنه يبقى اتهاما خطيرا، تقول "جون أفريك"، مشيرة كذلك إلى الهجوم غير المسبوق الذي شنّه التلفزيون العمومي الجزائري في شهر ماي الماضي ضد الإمارات، ردا على مقابلة أجرتها قناة "سكاي نيوز عربية"، قبل ذلك بأيام، مع أكاديمي جزائري شكك خلالها في المكوّن الأمازيغي للهوية الجزائرية. وقد حُكم عليه لاحقا بالسجن خمس سنوات نافذة بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية".
وأوضحت "جون أفريك" أن الكلمات التي أُذيعت آنذاك في نشرة الأخبار الرئيسة على التلفزيون الجزائري بأمر من رئاسة الجمهورية، صدمت حتى بعض الجزائريين أنفسهم: "دويلة" و"كيان صغير" و"دولة مصطنعة" و"أقزام" و"كيانات هجينة بلا أصل ولا سيادة" و"مصنع للشر والفتنة"... إلخ.
هذه العبارات، التي تفتقر إلى أبسط مقومات الخطاب الدبلوماسي، لم تصدر عن وزارة الخارجية، بل نُسبت مباشرة إلى مؤسسة الرئاسة، تشير "جون أفريك"، موضحة أن السلطات الإماراتية، من جانبها، لم ترد على هذه الإهانات، ولم تُصدر تعليمات لوسائل الإعلام الرسمية بالرد.
ولفتت المجلة الفرنسية، إلى أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حافظ على بروده، بل وحتى على نوع من اللامبالاة حيال هذه الحملات، وهو قليل الظهور الإعلامي، ويُعرف عنه أنه يفضّل الصمت، مضيفة أنه في الإمارات، يبدو أن المثل القائل "الصمت هو أفضل رد على الوقاحة" هو السائد. أما في الجزائر، فالمثل المستخدم هو "من سكت فقد رضِي"، تقول مجلة "جون أفريك".