من يقرأ التقرير الأخير لمديرية أملاك الدولة حول تعبئة العقار العمومي لسنتي 2024–2025، يخرج بانطباع أولي بأن المغرب يعيش طفرة استثمارية غير مسبوقة. الأرقام مبهرة، آلاف الهكتارات عُبِّئت، ومئات المشاريع صودق عليها، ومليارات الدراهم من الاستثمارات المنتظرة، وآلاف فرص الشغل المرتقبة. لكن ما إن يتعمق القارئ في التفاصيل حتى يكتشف أن هذه الوفرة الرقمية لا تُخفي إلا فراغا في الرؤية، وأن النجاح الكمي يخفي إخفاقا نوعيا في استثمار ثروة البلاد العقارية لخدمة التنمية الفعلية.
يقدم التقرير جداول دقيقة عن المساحات والمبالغ والمشاريع، لكنه يتجنب الأسئلة الجوهرية: كم من هذه المشاريع أُنجز فعلا؟ كم منها تعثر؟ وما الأثر الاجتماعي أو البيئي الحقيقي لهذه التعبئة العقارية؟
الوثيقة تسجل كأنها ميزانية أرقام لا كسياسة عمومية. لا تتضمن مؤشرات نجاعة، ولا تقييمات ميدانية، ولا نسب إنجاز فعلية. وكأن المطلوب هو عرض الكم لا الكيف.
أكثر من 60% من العقارات المعبأة تمت عن طريق الكراء، وهو توجه يُفترض أنه يحافظ على الملكية العمومية. غير أن التقرير لا يوضح شيئا عن العائد المالي للدولة أو عن مدى التزام المستثمرين.
ويكتفي بالإشارة إلى استرجاع 2755 هكتارا من المستثمرين غير الملتزمين، من دون أي تفاصيل عن الأسباب أو المسؤوليات. مما يجعل هذا الجانب من التقرير أقرب إلى تقرير محاسبي مغلق منه إلى وثيقة للعموم تعزز مبدأ الشفافية والمساءلة.
ويتحدث التقرير عن "التدبير اللامتمركز للاستثمار"، لكن المعطيات تكشف أن القرار العقاري ما زال متمركزا في الرباط، وأن الجماعات الترابية لا تملك سوى دور تنفيذي محدود.
فالتعبئة تتم في غياب تصور ترابي مندمج يربط العقار بالحاجيات الحقيقية لكل جهة، مما يجعل كثيرا من المشاريع معزولة عن محيطها الاقتصادي والاجتماعي.
أكثر من نصف المساحات المعبأة تتركز في جهتي العيون – الساقية الحمراء والداخلة – وادي الذهب. وهو توجه مفهوم من الناحية الاستراتيجية، لكنه يعمق الفوارق المجالية لأن هذه المشاريع، ومعظمها في قطاعات الطاقة والمعادن والسياحة، لا تخلق سوى فرص شغل محدودة، بينما تظل جهات داخلية مثل درعة – تافيلالت أو بني ملال – خنيفرة خارج خريطة الجاذبية العقارية. الرسالة الضمنية واضحة: العقار العمومي يُستخدم أحيانا أداة جيوسياسية أكثر منه رافعة للتنمية المتوازنة.
أما القطاعات الاجتماعية (السكن /الصحة/ التعليم) فبالكاد تظهر في التقرير. الغلبة للصناعة والطاقة والسياحة والخدمات، وهي مجالات ضرورية، لكنها لا تبني وحدها عدالة ترابية ولا تحسن شروط العيش للمواطنين.
فحين تُمنح آلاف الهكتارات لمشاريع رأسمالية ضخمة، وتُخصص بضع عشرات فقط للسكن الاجتماعي أو المرافق الصحية، يصبح العقار العمومي أداة لتعميق الفوارق لا لتقليصها.