جاء حضور وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في القمة الأفريقية–الأوروبية بأنغولا لافتًا ليس فقط بسبب الملفات التي تناولها، بل أيضًا بسبب ما تجاهله في خطابه. فخلافًا لعادة الدبلوماسية الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، غاب ملف الصحراء المغربية عن مداخلة الوزير، رغم أنه شكّل طيلة عامين ونصف محور التحرك الجزائري الرسمي منذ تعيين عطاف.
اختار عطاف في قمة أنغولا تحويل تركيزه نحو ملف الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، معتبرًا أن "التغييرات غير الدستورية أصبحت واقعًا يتجذر في المنطقة، في ظل غياب آفاق للعودة إلى الشرعية". ويعكس هذا التحوّل محاولة جزائرية لإعادة تموضع الخطاب الدبلوماسي بعيدًا عن مواجهة مباشرة مع المغرب، في وقت باتت فيه الأولويات القارية وبخاصة هشاشة الساحل تفرض نفسها على جدول الأعمال الإقليمي.
يُقرأ تغيّب ملف الصحراء المغربية عن خطاب عطاف في القمة في نظر خبراء مؤشرًا إضافيًا على إعادة ضبط البوصلة الدبلوماسية الجزائرية، في زمن تتغير فيه التحالفات، وتتسارع فيه ديناميات السياسة الأفريقية والدولية.
هذا الإغفال بدا أكثر تعبيرًا في سياق إقليمي ودولي يعرف تحولات عميقة؛ إذ تشير المعطيات إلى تآكل الخطاب الانفصالي لجبهة البوليساريو في المحافل الدولية، لا سيما بعد القرارات المتتالية لمجلس الأمن التي كرّست مركزية مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحلّ جاد وواقعي، مع تثبيت دور المغرب كطرف محوري في العملية السياسية. كما سجّل الموقف الدولي ميلًا واضحًا إلى دعم مقاربة الرباط القائمة على الاستقرار والتنمية، مقابل فتور متزايد تجاه الخطاب الانفصالي الذي لم يعد يحظى بالزخم ذاته داخل الأجسام الأممية.
وبالتوازي، شهد الخطاب الجزائري تجاه المغرب خلال الأشهر الأخيرة مستوى أقل من التصعيد، مقارنة بالمرحلة التي أعقبت قطع العلاقات بين البلدين. ويربط متابعون هذا التراجع النسبي بتدخل الإدارة الأمريكية في مسار تهدئة التوترات، من خلال رسائل مباشرة للجزائر بخصوص ضرورة تجنب مزيد من التصعيد في منطقة حساسة أمنيًا، خصوصًا مع تدهور الأوضاع في الساحل وتصاعد التحديات العابرة للحدود.
ويشير هذا المشهد إلى أن الدبلوماسية الجزائرية تجد نفسها أمام معادلة جديدة: من جهة، تراجع فعالية خطابها التقليدي حول ملف الصحراء في ظل موازين قوى دولية تميل لصالح المغرب؛ ومن جهة أخرى، ضغوط داخلية وإقليمية تفرض التركيز على ملفات الأمن والاستقرار في الساحل، حيث تتزايد التحديات بطريقة لم تعد تتحمل سياسات الصراع المفتوح.