تشهد الساحة الإقليمية تحوّلاً لافتًا بعد تبنّي مجلس الأمن الدولي مؤخرًا قرارًا جديدًا بشأن قضية الصحراء المغربية، في خطوة اعتبرها مراقبون انتصارًا واضحًا للدبلوماسية المغربية التي واصلت نهجها الواقعي والمتزن، مقابل انتكاسة جديدة للدبلوماسية الجزائرية التي وجدت نفسها في مأزق متزايد بعد عقود من الرهان على دعم جبهة "البوليساريو".
ويرى خبراء دوليون أن القرار الأممي الأخير كرّس المقاربة المغربية المبنية على مقترح الحكم الذاتي كحلّ واقعي ودائم للنزاع، في حين فشلت الجزائر في إقناع المجتمع الدولي بخطابها التقليدي القائم على التصعيد والمواجهة.
الخبيرة في معهد واشنطن، سابينا هينبيرغ، أكدت في تصريحات صحافية أن القرار الأخير "شكّل ضربة قوية للدبلوماسية الجزائرية التي تواجه تحديات متزايدة داخليًا وخارجيًا"، مشيرة إلى أن التحركات المغربية الهادئة والمدروسة بدأت تؤتي ثمارها.
وأضافت الخبيرة أن "الجهود المكثفة التي بذلها المغرب خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى القارة الإفريقية أو داخل المؤسسات الأممية، أعادت رسم موازين القوة في ملف الصحراء، وجعلت الرباط تحظى باحترام واسع كطرف مسؤول يسعى إلى الاستقرار الإقليمي".
في المقابل، تعيش الجزائر تراجعًا ملحوظًا في نفوذها الدبلوماسي، خصوصًا بعد تعثر علاقاتها مع موسكو إثر تدخل روسيا في منطقة الساحل، ما أثّر على مكانتها التقليدية في إفريقيا.
ويرى مراقبون مغاربة أن التحركات الميدانية والاقتصادية للمملكة في القارة الإفريقية، مثل مشاريع الطاقة والربط الأطلسي مع دول الساحل، قد عزّزت مكانة المغرب كشريك تنموي موثوق، في حين اكتفت الجزائر بمحاولات معزولة لتأكيد حضورها عبر ملفات تقليدية كأنبوب الغاز العابر للصحراء.
مراقبون يرون أن الجزائر "تواجه اليوم ضرورة إعادة ضبط سياستها الخارجية"، بعدما فشلت في تحقيق أهدافها داخل المنظمات الدولية، وآخرها استبعادها من مجموعة "بريكس" رغم دعمها السابق من موسكو وبكين.
المغرب.. من العزلة إلى الريادة الإفريقية
في المقابل، واصل المغرب توسيع حضوره الدبلوماسي في القارة الإفريقية منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي، مستندًا إلى شبكة من الشراكات الاقتصادية والاستثمارات الموجهة نحو التنمية المستدامة، فضلاً عن دوره المتزايد في تعزيز الأمن والاستقرار في الساحل وغرب إفريقيا.
ويشير خبراء إلى أن المبادرة المغربية الرامية إلى ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي تمثّل تحوّلاً استراتيجياً يعزّز التكامل الإفريقي، ويقدّم نموذجًا عمليًا للتعاون جنوب-جنوب، في وقت تتخبط فيه الجزائر في أزمات إقليمية متصاعدة مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو.