وزير الداخلية يترأس حفل تخرج الفوج الستين لرجال السلطة من المعهد الملكي للإدارة الترابية    تقنيو المغرب يصعدون.. إضرابات أسبوعية على مدى شهرين    مشروع قانون جديد لإعادة تنظيم مهنة التراجمة المحلفين    نقابة تحذر من تنامي المخاطر الصحية لعمال البناء والزراعة وتدعو الحكومة إلى تدخل عاجل    حجيرة يدعو بدكار إلى إحداث كونفدرالية إفريقية للكيمياء في خدمة الابتكار والإندماج الإقليمي    طنجة تحافظ على جاذبيتها المعيشية رغم التحديات العقارية    رئيس إيران يوافق على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات: حماس كبير بين لاعبات المنتخب الوطني لانطلاق المنافسة    بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي لكأس العالم للأندية    الهلال يضم المغربي عبد الرزاق حمد الله للمشاركة في مونديال الأندية 2025    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    عبد الجليل بوزوكار يكشف ل"رسالة24″ حقائق فحوصات الحمض النووي عبر اللعاب    وفاة سجين محكوم بقانون مكافحة الإرهاب في السجن المحلي بالعرائش        دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    تنسيقية مهنيي الطاكسي الصغير بطنجة تستنكر الزيادة في التسعيرة دون سند قانوني    الدرك يدعم العدول في كشف التزوير    الملك محمد السادس يأمر بوضع مراكز تضامنية رهن إشارة الفئات المعوزة    المناظرة الوطنية الأولى للذكاء الاصطناعي تستقطب أزيد من ألفي مشارك وتُرسي دعائم رؤية وطنية طموحة    الراحل محمد بن عيسى يكرم في مصر    لاعبات للتنس يرفضن التمييز بأكادير    حمد الله يشارك في كأس العالم للأندية    طنجة.. توقيف متورطين في موكب زفاف أحدث ضوضاء وفوضى بساحة المدينة    جرسيف تقوي التلقيح ضد "بوحمرون"    كأس العالم للأندية.. بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي    "الصحة العالمية": انقطاع الوقود 120 يوما يهدد بتوقف كامل للنظام الصحي في غزة        المنتخب المغربي النسوي يرفع وتيرة التحضيرات قبل افتتاح "كان السيدات 2025"    النقاش الحي.. في واقع السياسة وأفق الدستور! -3-    وفاة سجين معتقل على خلفية قانون مكافحة الإرهاب بالسجن المحلي بالعرائش    ألا يحق لنا أن نشك في وطنية مغاربة إيران؟    اعتقال اللاعب الجزائري يوسف بلايلي في مطار باريس    تفكيك شبكة نصب واحتيال خطيرة استهدفت ضحايا بهويات وهمية بجرسيف    بالصدى .. «مرسوم بنكي» لتدبير الصحة    كلمة .. الإثراء غير المشروع جريمة في حق الوطن    مع اعتدالها قرب السواحل وفي السهول الداخلية .. يوعابد ل «الاتحاد الاشتراكي»: درجات الحرارة في الوسط والجنوب ستعرف انخفاضا انطلاقا من غد الجمعة    في لقاء عرف تكريم جريدة الاتحاد الاشتراكي والتنويه بمعالجتها لقضايا الصحة .. أطباء وفاعلون وصحافيون يرفعون تحدي دعم صحة الرضع والأطفال مغربيا وإفريقيا    ندوة توصي بالعناية بالدقة المراكشية        سعر النفط يستقر وسط هدوء مؤقت    موجة الحرارة تبدأ التراجع في أوروبا    إيران تعلق التعاون مع الطاقة الذرية    "المنافسة": سلسلة التوزيع ترفع أسعار الأغذية وتتجاهل انخفاضات الموردين    تيزنيت تستعد لاحتضان الدورة الجديدة من «الكرنفال الدولي للمسرح»    أنغام تخرج عن صمتها: لا علاقة لي بأزمة شيرين وكفى مقارنات وظلم    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    اعتراف دولي متزايد بكونفدرالية دول الساحل.. مايغا يدعو إلى تمويل عادل وتنمية ذات سيادة    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.    ترامب يحث حماس على قبول "المقترح النهائي" لهدنة 60 يوما في غزة        دورتموند يعبر مونتيري ويضرب موعدا مع الريال في ربع نهائي كأس العالم للأندية    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    ضجة الاستدلال على الاستبدال    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإصلاح الديني" في المغرب عبر جرعات
نشر في الدار يوم 11 - 12 - 2019

تعددت الرسائل أو الإشارات في المغرب ذات الصلة بالحقل الديني، والتي تفيد أننا إزاء مشروع "إعادة هيكلة الحقل الديني"، ويمكن على سبيل المثال لا الحصر، استحضار ما عاينا على هامش زيارة بابا الفاتيكان للمغرب، في 30 و31 مارس الماضي، أو إشراف الملك على تدشين متحف الثقافة اليهودية في فاس، في غضون مطلع الأسبوع الجاري، وغيرها من الإشارات.
مؤكد أنه يلزمنا الوقت الكثير حتى تتضح بشكل دقيق مميزات وخصائص ما يمكن الاصطلاح عليه بالهندسة الدينية الجديدة لهيكلة الحقل الديني، ولكن ما لا يمكن تركه جانباً، مرتبك بالدواعي التي تفرض تجديد هذه السياسة الدينية.
والحال أن إطلاق مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني، ابتداءً من تعيين أحمد التوفيق وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية في مرحلة أولى، في 2002، قبل الإعلان الرسمي عن المشروع في أبريل 2004، لم يكن مجرد حزمة قرارات قارة ونهائية، وإنما نحن إزاء مشروع مفتوح على التحيين والتجديد انطلاقاً من ثنائية التقييم والتقويم، سواء كانت هذه الثنائية داخلية المصدر، أي تتم في أورقة صناعة القرار، أو عبر الاستئناس بما يصدر من قراءات تروم تقييم وتقويم المشروع، شرط أن تأخذ هذه القراءات مسافة من المرجعيات الإيديولوجية، بمقتضى الانغلاق الأفق الإصلاحي للخطاب الإيديولوجي في معرض التعامل مع المسألة الدينية، بصرف النظر عن طبيعة الإيديولوجية في هذا المقام، كأن يكون إسلامياً حركياً أو حداثياً ليبرالياً.
ثمة مستجدات يمر منها المغرب في مجال الشأن الديني، فالأحرى المستجدات المرتبطة بأحداث المنطقة، وذات صلة بشكل أو بآخر، بما اصطلح عليه المفكر اللبناني رضوان ب"الصراع على الإسلام"، وهو عنوان أحد أعماله، وواضح أن هذه المستجدات تتطلب التفاعل النظري والعملي، ويبدو أن بعض معالم هذه السياسة الدينية تصب في هذا الاتجاه، دون الجزم بأنها المحدد الحقيقي، لأنه من الصعب الظفر بالأسباب المباشرة أو الحقيقية، ما دام تدبير المسألة الدينية يتطلب ذلك، أخذاً بعين الاعتبار كثرة التأثيرات، المحلية والخارجية.
على أن محور هذه التطورات، وما دمنا نتحدث عن النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني، يكمن في الانطلاق من أرضية ومرجعية مؤسسة إمارة المؤمنين بالتحديد، وليس إمارة المسلمين، مع أن المغرب بلد مسلم مسلم بمقتضى الوثيقة الدستورية والتاريخ، ولكنه يضم طائفة يهودية عريقة وموجودة منذ قرون وليست حديثة الوجود، وعلينا إضافة المستجد الديني الخاص بالحضور المسيحي، مع ارتفاع عدد المهاجرين الأفارقة المقيمين بشكل نهائي في المغرب، بل شرعت السلطة في تسوية الوضعية القانونية لهذه الجالية الإفريقية، وبالتالي، في إطار استباق القلاقل التي يمكن أن يُفرزها هذا الحضور الديني المستجد، فطبيعي أن تتخذ المؤسسة الدينية الحامية للدين في المغرب، أي مؤسسة إمارة المؤمنين، هذه الخطوات الاستباقية، وهذا ما أشارت إليه المؤسسة ذاتها أثناء خطاب السبت 30 مارس الماضي على هامش لقاء بابا الفاتيكان، كما تلخصه هذه الفقرة من الخطاب الملكي: "بصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية. وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين، على اختلاف دياناتهم. وبهذه الصفة، لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين. فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية. وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب".
على أن هناك معضلة مؤسساتية ينبغي التنبيه إليها في معرض متابعة هذه الحركية الصادرة عن مؤسسة إمارة المؤمنين، وعنوانها تواضع التفاعل المؤسساتي لباقي الفاعلين الدينيين، من المعنيين بتفعيل هذه التوجيهات الملكية وإسقاط مقتضياتها على أرض الواقع.
لنقل إننا إزاء تباين بين سرعة أداء المؤسسة المؤطرة، وسرعة أداء المؤسسات الدينية المعنية (ونخص بالذكر مؤسسات المجالس العلمية المحلية، وبدرجة أقل مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء التي تجتهد بدورها، ولكن يمكن أن يكون أداء المؤسسة أفضل لو انخرطت في ورشات نقدية داخلية، تروم التقييم والتقويم، وقس على ذلك باقي المؤسسات)، أو قل إننا نعيش ما يُشبه "إصلاحاً دينياً" في نسخته المغربية، ولكن عبر جرعات، بمقتضى هذا التباين في أداء المؤسسة القاطرة وأداء باقي المؤسسات، مع التأكيد هنا أننا نتحدث عن "إصلاح ديني" في سياقه الإسلامي، ولا علاقة له بمفهوم "الإصلاح الديني" من منظور مسيحي.
وبالنتيجة، من الصعب الحديث عن حركية تشتغل عليها المؤسسات الدينية في المغرب، بخلاف السائد مع الحركية التي تشتغل بها مؤسسة إمارة المؤمنين، وقد أشرنا إلى هذه المعضلة بالتفصيل في تقرير حالة الدين والتدين بالمغرب [2015-2017]، ويكفي تأمل تفاعل المؤسسات الدينية المغربية مع زيارة بابا الفاتيكان، ولو أن هذا التفاعل المتواضع كان عنوان تفاعل المؤسسات الفكرية/ الثقافية والسياسية/ الحزبية، ولكن التواضع في التفاعل أمر يطرح علامات استفهام على هذه المؤسسات في مثل هذه الأحداث، وقس على ذلك أحداث أخرى، بل علينا أن أداء مؤسسات أخرى من مؤسسات الدولة، من قبيل مؤسسة مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، كان أحسن من أداء بعض المؤسسات الدينية، سواء عبر الإصدارات أو الحضور الإعلامي أو ما جاورهما. (لوحظ في هذا السياق، أنه ضمن 80 مجلساً علمياً محلياً، بالكاد حرّر رئيس مجلس علمي محلي، مقالة علمية ذات نفس إيجابي في التفاعل مع زيارة بابا الفاتيكان، ويتعلق الأمر بالمفكر سعيد شبار، رئيس المجلس المحلي لبني ملال، وهو للتذكير، أحد أهم نقاط الضوء في التدبير الديني المؤسساتي، بحيث لم يمنعه تولي المنصب، والتدريس في الجامعة، من الانتصار دوماً للهم الفكري والمعرفي الرصين، ولكن الأمر هنا يتعلق بحالة خاصة جداً، ولنا أن نتخيل طبيعة المشهد الديني المؤسساتي في المغرب، لو أن أغلب المؤسسات الدينية الرسمية، تعج بأمثال سعيد شبار ومحمد التهامي الحراق وغيرهم كثير، ممن يستحقون التنويه على ما يصدر عنهم، في سياق التدافع النظري والعملي النافع، للوطن والأمة والإنسانية).
مؤكد، من باب الإنصاف، أن هناك عدة منجزات تحققت في تدبير وأداء هذه المؤسسات، ولكن ما هو منتظر منها أكبر مما تقوم به، أخذاً بعين الاعتبار التحديات القائمة اليوم، محلياً وخارجياً، ويكفي تأمل مضامين الحوار الذي أدلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق على هامش زيارة بابا الفاتيكان، ونتحدث عن حوار يعج بمفاتيح نظرية تتطلب الاشتغال والكد، في عقر هذه المؤسسات، ووحده الزمن النقدي من سيحسم في مصير هذا التفاعل.
هذا ما نتمناه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.