ترقب إغلاق مضيق هرمز يثير مخاوف ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب    أداء سلبي في افتتاح بورصة البيضاء    نقابيو "سامير" يعودون للاحتجاج على الموقف السلبي للحكومة وضياع الحقوق    "السيتي" يزور شباك العين 6 مرات    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل مباراة الهلال السعودي وسالزبورغ النمساوي    الهلال يكتفي بالتعادل مع سالزبورغ    انقلاب سيارة لنقل العمال الزراعيين    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    وسط ارتباك تنظيمي.. نانسي عجرم تتجاهل العلم الوطني في سهرة موازين    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    العدالة والتنمية يدين الهجوم الأمريكي على إيران    حجيرة ل"اليوم 24": علاقتنا التجارية مع تركيا استراتيجية وسنناقش معهم هذا الأسبوع اتفاقية التبادل الحر    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    إسبانيا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى "التحلي بالشجاعة" لمعاقبة إسرائيل    الناخب الوطني النسوي يعقد ندوة صحفية بعد غد الثلاثاء بسلا    تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران وطهران تتوعد بتوجيه ضربات لأمريكا    أمطار رعدية مرتقبة بالريف وحرارة قد تصل إلى 38 درجة            فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيفلت يوجه رسالة مفتوحة إلى وزير الصحة احتجاجاً على تردي الخدمات الطبية    مقتل ‬ضباط ‬جزائريين ‬بطهران ‬    المغرب ‬يعيد ‬رسم ‬خريطة ‬الأمن ‬الغذائي ‬في ‬أوروبا ‬بمنتجاته ‬الفلاحية ‬        الذهب يصعد مع إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة بفعل التوتر في الشرق الأوسط        المغرب يحقق قفزة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنة 2024 وسط انتعاش إفريقي غير مسبوق    إيران تتوعد واشنطن "بعواقب وخيمة" وتستهدف إسرائيل برشقة صاروخية جديدة    الكركرات.. توقيف شاحنة محملة بالكوكايين القادم من الجنوب    كيوسك الإثنين | تسجيل 111 حريقا غابويا أتى على 130 هكتارا من يناير إلى يونيو    ألونسو: من الأفضل أن تستقبل هدفًا على أن تخوض المباراة بلاعب أقل    "الفيفا" يفتح تحقيقًا بعد تعرض لاعب باتشوكا روديغير لإهانة عنصرية من طرف الأرجنيتي كابرال    وثيقة مزورة تعكس انزعاج الجزائر من نجاحات المغرب    الدورة51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي تبرز جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    معنى ‬أن ‬تصبح ‬العيون ‬نقطة ‬وصل ‬بين ‬شمال ‬أفريقيا ‬وعمقها ‬الجنوبي    نزيف إسرائيل الداخلي.. تزايد الهجرة الجماعية لمواطنيها مند 2023    طنجة.. تتويج فريق District Terrien B بلقب الدوري الدولي "طنجة الكبرى للميني باسكيط"    الأستاذ عبد الرحيم الساوي يغادر المسؤولية من الباب الكبير.. نموذج في الاستقامة والانتصار لروح القانون    منحرفون يفرضون إتاوات على بائعي السمك برحبة الجديدة وسط استياء المهنيين    إيران تبدأ هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل    إيران تتحدى الضربات الأمريكية: مخزون اليورانيوم والإرادة السياسية ما زالا في مأمن    منظمة التعاون الإسلامي تسلط الضوء على جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    الأبواق الجزائرية تطلق كذبة جديدة    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    الكلام عن الشعر بالشعر مقاربة لديوان « في معنى أن تصرخ» لفاطمة فركال    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    مهرجان كناوة بالصويرة يختتم دورته ال26 بعروض عالمية    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ثقافة الأذن وثقافة العين» لعبد السلام بنعبد العالي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 06 - 2010

تُهمَل كثيراً علاقة الجسد بنظام المعرفة، كتابة وقراءة، وكذلك علاقة التناسب الطردية بينه وبين التأويل. فالعين تسمع والأذن ترى تأويلياً. يبقى الجسد محصوراً في وظائفه البيولوجية. يقتفي الكاتب المغربي عبد السلام بنعبد العالي، في كتابه «ثقافة الأذن وثقافة العين»، الصادر لدى «دار توبقال» فكرة نيتشه عن الجسم: اننا نعتقد ان الجسم لا تتحكم فيه إلاّ قوانين الفيزيولوجيا، وانه يفلت من الاخلاق والسياسة والتأريخ. وهذا الخطأ عينه.
للأذن وظيفة سياسية، فهي تتنصت وتشي بما تسمع، تتجسس بالمفهوم الامني ولديها مهمة المخبر، ولذا تكون قريبة من السلطة. رواية الأذن ضعيفة، لا يعتدّ بها، لانها شفوية قابلة للدحض، بينما تكتسب رواية العين الأدلة. عندما تتهم الأذن شيئاً، تشهد العين بصحة الاتهام ذاك، أو ببطلانه. يقول المؤلف: «نحن نسمع قبل ان نرى. والأذن حاسة الليل والظلمة. أما العين فحاسة الصباح والنور. وهي لا ترى موضوعها رؤية جيدة إلاّ إذا استطاعت ان «تثبته» وتحدد ابعاده. انها حاسة المكان. فيما الاذن حاسة الزمان». إذاً، يتعدى الجسد وظائفه التقليدية التشريحية، وينتسب إلى الزمان والمكان، مشيّداً ثقافته، التي تقترن بالادب والسياسة، وتشير إلى الرفض والقبول. الأذن ثقافة قبول، تحتاج إلى التواطؤ، سهلة المنال من أحابيل السياسة، تستخدمها مطية، بحسب القول المأثور «للحيطان آذان». لا عجب إذاً في أن تكون ثقافة الأذن ثقافة السمع والمحافظة. انها ثقافة الوثوقية والتقليد. ثقافة الأذن هي على الدوام ثقافة سلطة: كل سمع طاعة.
علاقة الأذن المتهِمة، بالعين الشاهدة، كاتصال السر بالايدلوجيا، «يشترك السر مع الايديولوجيا في كونهما يقومان معاً على التستر والاختفاء». يتولى السر تحديد دور المثقف في مجتمعه، وعلاقته بالنظام السياسي. تعرية السر، أي اظهاره كسرّ أو الحفاظ عليه. بحسب الكاتب، هناك «طريقتان في الاختفاء تكادان تشكلان نظامين اجتماعيين متباينين، أو نظامين مختلفين من أنظمة الحقيقة على الاقل»، متجاوزاً بذلك النظرة التقليدية للحكم على المثقف، التي تتبنى معيار اشتغاله أو انفصاله عن السلطة. هنا تقويم مختلف، فكلما ارتبط المثقف بالايديولوجيا، توغل في مفهوم الرسولية، معلناً ذاته فيصلاً يحدد كيان الاخرين. هو دور «تنبوئي»، ولذلك تتضح «ضحالة أهمية المثقف في الانظمة المجتمعية التي اصبحت تقوم على الاسرار».
ترتكز الاحزاب في عملها السياسي على صون الاسرار؛ في تنظيماتها وفي تهمة الخيانة، او اعطاء شهادة حسن العضوية. هذه هي الاخلاق الحزبية. يعني ان الفضائل محكومة إلى الاسرار، ويا له من تصور يحتكم إلى التستر والاختفاء، فيحيل الحياة الاجتماعية جحيماً، يشتد سعيرها ويخبو قدر الافصاح والتكتم. حياة تعيش في السر، كما هو الواقع العربي، عاشق الاسرار والتخفي، ملقياً وطأته اكثر مما يجب على الحياة الاجتماعية. ثمة علاقة وثيقة بين المعيش والاسرار. فنحن في عالمنا العربي لا نستغني مطلقاً عن الستائر في التداول اليومي. أماننا الخاص، دولة وافراداً، يكمن خلف التخفي. الستائر كوظيفة، تقترن بالمُخبرين؛ تكافؤ في الحجب، وتساوٍ في المنع. يمنع المخبر الكلام، ويقيد اتصاله بعالم الهتك، يترصد الممنوع معتمداً على الأذن، وسيلته في الوشاية، ودليله في اثبات كفاءته. في المقابل، لا تسمح الستائر بالاتصال بالعالم الخارجي، وتمنع كلام العين عندما تُسدَل. المخبر والستارة، كلاهما يمنع الكلام. هذا الكلام المحظور سبب وجودهما.
يستعمل الهولندي بالكاد في حياته اليومية الستائر، التي هي شائعة، ولا يمكن الاستغناء عنها عند المهاجرين العرب. ثقافة الستائر هي ثقافة السياسة، هي الدليل إلى معرفة الكم المتنوّع من المحظورات؛ الدين، المرأة، الوطن. هكذا يقترب المرء من الحياة الحزبية. ومن دون دراية، يعيش السياسة العربية القائمة على التكتم ومطاردة العلن لئلا يسود في الفكر. الأنكى، يمارس السرية في ذاته. فهي ذات سرية، ذات ستائرية، حبّ سرّي، ولذة سرية. كأنه كائن حزبي، لا يتوق إلى الانعتاق من التخفي.
يسود الولاء للحزب والطائفة في المجتمعات الشمولية، وتنافس مؤسساتهما؛ المدارس والمستشفيات، خدمات الدولة. لذا، يطغى شعور جمعي، يلزم الثقة بالمؤسسات تلك، مشككاً في ما تقوم الدولة به. ثقة وتشكيك هما معيارا الانتماء، فيصبح المواطن منتمياً إلى الحزب والطائفة، ومنتسباً إلى الوطن. يكتب المؤلف: «لكي يكون الانسان إنساناً يجب إن يكون مواطناً، لا عجب أن يزدهر ما هو عمومي في المجتمعات ذات الانظمة الليبيرالية، فينمو الطب العمومي والتعليم العمومي والنقل العمومي، وتكثف الدولة جهدها كي تجعل الفرد يجد مبتغاه ويحقق متطلباته ويشبع رغباته في المجال العمومي»، نافياً عن الفكر الليبيرالي انحيازه الى الخاص ضد العام، معتبراً هذا خطأً شائعاً. ف»المجال العمومي في الفكر الليبيرالي، هو الميدان الذي يكون فيه الانسان إنساناً، والمجال الذي فيه الانسان قانون نفسه»، مشيراً الى اننا «نعيش التقابل بين العمومي والخصوصي كتناقض فعلي».
يشيع التعلّق بالخاص ضد العام، فكرة انقسام الأمن، فيصبح الأمان، أمانات فردية، لا مجتمعية. أمان محصّن بجماعة معينة، لا تعير حمايتها إلى جماعة اخرى، بل تعمل ضد فكرة المشاركة الحمائية. حماية ترتكز على هاجس أمن الجماعة وليس المجتمع، فتسهّل اختراقها أمنياً وثقافياً، عندما يضعف الحزب أو الطائفة، وهذا ما يسميه البعض الغزو الثقافي. «وجب ان نقول إن الثقافة المعاصرة أو ثقافة المعاصرة على الارجح هي التي تغزو، وهي لا تغزو منطقة من مناطق العالم دون اخرى، أو قوماً من دون قوم، انها تغزو الوجود المعاصر». لا تغزو ثقافة الإنتماء المقيد إلى الماضي، بل هي عرضة للغزو. وبحسب نيتشه «المستقبل ينير الماضي».
يتطرق المؤلف إلى مسألة الغزو الثقافي بشكل مغاير لما متعارف عليه، من جهة لعب الاطفال، التجارية- الترفيهية، مستشهداً بتحليل رولان بارت الذي يعيب على اللعب الفرنسية كونها تنطلق من فلسفة معينة خلاصتها ان هذه اللعب، بدل أن تعامل الطفل على انه طفل، تنظر اليه على انه «رجل صغير السن». يكمن الخطر الثقافي في اللعب هذه، المستمدة من حياة الكبار، أي ان الكبار يغزون عالم الاطفال، بغض النظر عن هوية الجهة المصنعة. انشغال الاطفال باللعب الحديثة، يساهم في ابتعادهم من عالم الطبيعة عندما كانت لعبهم من «خشب وطين». يوضح المؤلف «ان اللعب التي يتعامل معها بارت لا تعرف أزمة هوية ولا قضية وطن»، انها غزو عالمي، يلقي بمصير الاغتراب ذاته على الجميع. «لو اردت ان تعرف حكاية الغزو الثقافي في وطننا العربي، فربما لا ينبغي عليك ان تسأل الكبار. أسال الصغار فهم ادرى باللعبة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.