قبل أيام قليلة أحيلت على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالناظور شكاية بالنصب والاحتيال من طرف سيدة تقطن بمدينة مليلية المحتلة ضد شخص يدعي- حسب الشكاية التي توصلت الجريدة بنسخة منها - أنه ينتمي إلى الجسم الصحفي نصب عليها وأوهمها بأنه بحكم عمله سيوفر لأخيها مأذونية سيارة أجرة مقابل مبالغ مالية مهمة. بالتأكيد ستباشر التحقيقات التي ستميط اللثام عن تفاصيل لابد أنها ستكون لها تبعات بهذا الإقليم الذي يفوق بها من يدعي الانتماء الى الجسم الصحفي العدد الإجمالي للصحفيين المهنيين بالمغرب قاطبة! بالتدقيق أكثر في الظاهرة، يلاحظ تنامي الجرائم التي يتابع فيها بعض المواطنين بتهمة انتحال صفة، وكثير من هذه الحالات يقوم فيها هؤلاء بانتحال صفات صحفيين. من قبل كانت ملفات انتحال صفة صحفي والتي ينظر فيها القضاء لاتتجاوز كونها لعبة يقوم بها الشخص لمحاولة التهرب من أداء غرامة مالية لخرقه قانون السير أو غيره، أو محاولة النصب على البعض الذين لهم مآرب إدارية ويبحثون عن أسهل الطرق لقضائها ولو بمقابل. لكن الأخبار المنشورة حول انتحال أشخاص لصفات معينة وصلت إلى حدود مناصب عليا ليست أخبارا عادية كما قد يبدو ويمكن لمن يقرأ بين السطور أن يكشف عن خباياه ودلالاته. إلى حدود القراءة السطحية للخبر فإن الأمر عاد وطبيعي، شخص انتحل صفة أشخاص ينظم القانون مهنتهم تم إلقاء القبض عليه سواء أكانت عملية إلقاء القبض تمت من خلال التبليغ عنه أو من خلال فطنة عناصر الشرطة . لكن المثير هو كون انتحال صفة مسؤول تتم بهدف الحصول على مبالغ مالية إما بالابتزاز أو بالوعد بالتوسط في أمور معينة لقضاء أغراض إما أنها خارج القانون أو كونها تحتاج لسمسرة لتيسيرها. هذه الأخبار تحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل لمعرفة خباياها ودلالتها اللغوية والإجرامية والتي من الأكيد أن التحقيق الذي جرى فيها سيمر عليها مرار الكرام لأن وراء الأكمة ماوراءها، فما الذي كان يجعل ضحايا هؤلاء المحتالين يقتنصون ضحاياهم بسهولة؟ وماهي العلاقة التي تربط بين من يوجد في هذه المناصب التي ينتحل صفاتها هؤلاء وأولائك الذين يجودون عليهم بسخاء منقطع النظير أو امتلاكهم مفاتيح الإدارات والمصالح العمومية التي تسهل لهم التوسط للمواطنين لدرجة تدفع الشخص إلى المغامرة بانتحال الصفة؟ الأكيد أن في الأمر سرا لايعلمه إلا الراسخون في العلوم الإدارية ببلادنا. ملفات قضايا انتحال صفة تملأ أدراج مكاتب المحاكم ويتفنن المنتحلون المحتالون في إيجاد تخريجات خاصة لدرجة أن الأمر يتخذ أبعادا قد تكون لها تبعات اقتصادية خطيرة على فئات اجتماعية ضعيفة سقطت ضحية عمليات نصب مخطط لها فتتعدد الصفات المنتحلة والهدف واحد لايتغير، الإبتزاز والحصول على الأموال. ترى لماذا ترتبط دائما صفة المنتحل للصفة بهذه المناصب وترتبط بالرغبة في الوساطة؟ فهل هذه المناصب مفتاح سحري يفتح »أبواب الرزق الوفير« لمن يمتهنها؟ سؤال قد يجيب عنه تحقيق نزيه في واقعة الناظور من زوايا غير تلك التي تتبع الآن، سؤال قد نجد الاجابة عنه عند بعض هؤلاء الذين يشغلون فعلا هذه المناصب . وإلى حين الحصول على جواب شاف لهذا السؤال، يبقى الاحتيال والانتحال وجهين لعملة واحدة..