تعيش تونس على إيقاع تصاعد وتيرة الإضرابات الاجتماعية والاعتصامات المطلبية في العديد من القطاعات المختلفة، في سياق ما وصفه عدد من الخبراء والمتتبعين بالوضع الاقتصادي «الصعب»، والظرفية الأمنية «غير المستقرة»، تعالت معها أصوات تحذر من تبعات ذلك على الوضعية العامة للبلاد واستقرارها ومسار تطورها الديمقراطي، وتدعو للتهدئة والتوافق. وعلى الرغم من توقيعها مؤخرا لاتفاق مع المركزية النقابية «الاتحاد العام التونسي للشغل» تمت بموجبه الزيادة في الأجور المتعلقة بالقطاع العام والوظيفة العمومية بعد مفاوضات اجتماعية «ماراطونية وشاقة» جرت في سياق إضرابات شملت العديد من القطاعات الاجتماعية منها على الخصوص قطاعي التعليم بجميع مستوياته والصحة، فقد تواصلت هذه الحركية المطلبية لتشمل قطاعات جديدة ومتنوعة طالت هذه المرة مؤسسات استراتيجية عاملة في مجالي الفوسفاط والنفط. وتبعا لذلك وجدت حكومة الحبيب الصيد نفسها، وهي تواجه عاصفة من الإضرابات عن العمل، حائرة بين الاستجابة للمطالب النقابية وتطبيق تعهدات من سبقها من الحكومات وبين رفضها بسبب ما اعتبرته ظرفا «دقيقا» تمر منه البلاد و»ارتفاع سقف هذه المطالب» التي ترى الأطراف الاجتماعية أنها «مشروعة وعاجلة»، متهمة هذه الحكومة ب»العجز» على تحقيق الانتظارات على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. وكشفت وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية، من خلال إحصائيات أصدرتها مؤخرا، أن 106 هي حصيلة الإضرابات القانونية التي تم تنفيذها خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2015 في القطاع الخاص والمؤسسات العمومية، 31 منها تم تنفيذها في شهر أبريل المنصرم، دون احتساب الاعتصامات وكذلك الإضرابات غير القانونية، مشيرة إلى أن حصيلة الإضرابات كانت ستكون أكبر لو لم يتم إلغاء عدد منها بناء على محاضر صلح واتفاقات تمت بموجبها الاستجابة إلى المطالب، حيث تم إلغاء 57 إضرابا. ويحتل القطاع الخاص المرتبة الأولى في عدد الإضرابات، أهمها قطاع الصناعات المعدنية والميكانيكية. أما بالنسبة للمنشآت العمومية فيحتل قطاع الاتصالات المركز الأول ثم قطاع الإعلام السمعي البصري . وفي الوظيفة العمومية تصدر كل من قطاع التربية والصحة المراتب الأولى. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الموجة المتصاعدة من الإضرابات تأتي في سياق توقع فيه صندوق النقد الدولي أن نسبة النمو الاقتصادي في تونس لن تتجاوز 3 في المائة، في ظل ما أسماه عدد من هؤلاء الخبراء والمتتبعين «حالة عجز لخزينة الدولة وتدهور الأوضاع الإقليمية والدولية، وتراكم الديون الداخلية والخارجية وحالة شبه المتوقفة للإنتاج، وضعف الاستثمار الداخلي والخارجي». هذه الوضعية التي تهدد بشل اقتصاد البلاد وتوقيف الآلة الإنتاجية جعلت رئيس البلاد الباجي القائد السبسي مؤخرا يدق ناقوس الخطر، والتأكيد على أن الوضع في تونس «ما يزال هشا ولا يتحمل المزايدات»، حاثا على «ضرورة مراعاة الظرف، وتأجيل بعض الاحتجاجات حتى تستقر البلاد في إطار احترام الدولة لكل الحريات والحفاظ على السلم الاجتماعي»، خاصة بعد «قطع خطوة لا يستهان بها إثر إبرام اتفاق الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية والقطاع العام».