الأميرة للا مريم تتكفل بإيمان ضحية الاعتداء الشنيع بتازة    بوريطة: الدعم الدولي للمخطط المغربي للحكم الذاتي تعزز بشكل أكبر بمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي الجزء الثاني: المقارنة مع القانون الحالي 01.00    ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 65 ألفا و926 منذ بدء الحرب    الوكالة المغربية للتعاون الدولي ومكتب الأمم المتحدة للتعاون جنوب-جنوب يعززان شراكتهما            أسعار تذاكر لقاء المغرب والبحرين    عبقري يترأس "منظمة شباب البام"    الملك: نقدر العلاقات مع تركمانستان    بعد رحيل المؤسس بن عيسى .. موسم أصيلة الثقافي يجيب عن سؤال المستقبل    رامي عياش يسترجع ذكريات إعادة "صوت الحسن" وصداها العربي الكبير    القوات المسلحة الملكية تبرز التراث المغربي في معرض الفرس بالجديدة    نيويورك: ناصر بوريطة يتباحث مع نظيره الألماني    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي    "الجاز بالرباط".. العاصمة تحتفي بروح الجاز في لقاء موسيقي مغربي- أوروبي    "ويستهام" يقيل المدرب غراهام بوتر    أخنوش يلتقي منظمة التعاون الرقمي    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن رفضاً للتطبيع واحتجاجاً على الحرب في غزة    "مايكروسوفت" تعلن عن تحديث جديد لتطبيق الصور في نظام "ويندوز 11"    الذكاء الاصطناعي يكشف خبايا رسالة في زجاجة    مهنيو الفلاحة بالصحراء المغربية يرفضون الخضوع إلى الابتزازات الأوروبية    هاري كين يصل إلى 100 هدف مع بايرن ميونخ ويحقق رقما قياسيا        تقرير يكشف هشاشة سوق الشغل بالمغرب    الوافدون الجدد يستهلون مشوارهم في القسم الثاني بصدامات نارية    الفرق المغربية تسعى إلى العبور للدور الثاني بالمسابقات الإفريقية    قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي    ابتدائية مراكش تحبس مدانين بالتخابر    12 دولة تشكل تحالفا لدعم السلطة الفلسطينية ماليا    إيران تحتج على "الترويكا الأوروبية"    كيوسك السبت | إنتاج قياسي للحبوب والقطيع يتجاوز 32.8 مليون رأس    مصرع شخص وإصابة آخرين في حادثة سير بأزرو    بطولة العالم لبارا ألعاب القوى 2025 : ستة أبطال مغاربة يطمحون للتألق في نيودلهي    مرة أخرى.. إصابة مزراوي وغيابه إلى ما بعد التوقف الدولي    تفاصيل خطة ترامب لإنهاء حرب غزة المكونة من 21 نقطة    طقس حار في توقعات اليوم السبت بالمغرب        "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء        تتويج أمهر الصناع التقليديين بأكادير    عجز السيولة البنكية يتراجع بنسبة 3,37 في المائة من 18 إلى 24 شتنبر (مركز أبحاث)    هل فقدت المحاكمة الجنائية مقوماتها!؟    مسرح رياض السلطان يفتتح موسمه الثقافي الجديد ببرنامج حافل لشهر اكتوبر        مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو    عبد الوهاب البياتي رُوبِين دَارِييُّو الشِّعر العرَبيّ الحديث فى ذكراه        نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام وحركة التنوير الوسيط

في كتابه الصادر مؤخراً حول الفيلسوف اليهودي العربي »ابن ميمون«، يستعيد »بيار بورتز« أطروحة »ليو شتراوس« حول حركة الأنوار في العصور الوسطى، مبيناً أن فكر ابن ميمون يندرج في سياق حركية فلسفية نشطة وحية ظهرت في السياق الأندلسي، وتمحورت حول مشروع ابن رشد الذي كان ابن ميمون من أهم تلامذته على رغم اختلاف الدين. ليس من همنا تلخيص قراءة »بورتز« الطريفة لفكر ابن ميمون - الذي ولد في الأندلس وعاش فيها ومات في مصر- من خلال عمله الرئيس »دلالة الحائرين«. وما حسبنا الإشارة إلى أنه يستأنف التوجه الذي بدأه شتراوس، (الذي هو أيضاً من أصول يهودية ألمانية) في ربط الفكرين الإسلامي واليهودي في مقابل أطروحة التقليد اليهودي- المسيحي المشترك السائدة. كما أن المؤلف يثبت بالدليل نظرية شتراوس في التمييز بين التنوير الوسيط في نزوعه المتصالح مع الدين، والتقليد والتنوير الراديكالي الحديث في نزوعه التاريخاني الذاتي الذي اختزل فيه مبدأ التنوير بمفهومه النقدي الإنساني.
ما يعني »شتراوس« بالتنوير الوسيط هو التقليد الذي كرسته الفلسفة الإسلامية اليهودية الوسيطة بدءاً من الفارابي، وانتهاء بابن ميمون من اتجاه لاستكشاف الآفاق الإشكالية الرحبة للعلاقة بين العقل والوحي بين أثينا والقدس، بين الشرع بمفهومه الأخلاقي القانوني والدولة من حيث هي مجال العيش المشترك، وما بين الفلسفة من حيث هي خطاب النخبة، والدين بصفته موطن التمثلات والمعتقدات الجماعية.
وإذا كان التقليد المسيحي الغربي الذي انتصر في عصور الحداثة قد حوّل مشروع التنوير إلى محدداته الراهنة من ذاتية وتصور تعاقدي قانوني للسياسة وفصل جذري بين حقل القيم وإطار السلطة الجماعية، فإن هذا التقليد أجهض في الواقع حركية تنوير مغايرة حسب »شتراوس« بلورت أدوات أخرى لتدبير المسألة الدينية - السياسية، ولتصور علاقة الفلسفة بالدين من منظور عقلاني إنساني ونقدي، يحافظ على هذا الارتباط الجوهري بين الاعتقاد والانتقاد وبين الأخلاقي والقانوني.
في نقده للتنوير الراديكالي، يرى »شتراوس« أن التيار الذي تغلب في عصور الحداثة (من مكيافيلي إلى روسو)، قام على عملية قلب ثلاثي خطيرة: نقل فلسفة السياسة من أفق التدبير الوجودي والعقلي للعيش المشترك كما لدى أفلاطون إلى مجرد نظرية للسلطة بمعنى القوة والهيمنة، نقل الفلسفة الأخلاقية من نظرية للفضيلة، أي تصور الخير إلى مجرد تسيير للنوازع والمصالح، نقل فلسفة الطبيعة من البحث في الوجود إلى تأسيس اجتماعي تاريخي للعقل.
ليس غرض شتراوس - كما فهمت بعض القراءات المحافظة - النكوص إلى ما قبل العصور الحديثة، بل تبين أوجه جديدة ومغادرة من الحداثة من خلال إعادة استكشاف بعض الحدوس والإمكانات المجهضة في التقليد الإسلامي (بامتداداته اليهودية)، بما يختلف مع خط شبيه في الظاهر، يذهب إلى رصد إرهاصات التحديث والتنوير في الفكر العربي الإسلامي الوسيط من خلال إسقاط بعدي لمفاهيم حديثة في تراث الأقدمين (نلمس هذا الخط لدى حسين مروة وطيب تيزيني والجابري وأركون...من منطلقات مختلفة).
السؤال الجوهري الذي يفضي إليه هذا الجدل حول الأفق التنويري هو: هل المطلوب مرور الثقافة الإسلامية بصدمة التنوير الأوروبي واستيعاب مكاسبها الفكرية والمجتمعية بما يترتب عليها من فهم للدين ومكانته في المجتمع والدولة أم استئناف مشروع التنوير الوسيط الذي توقف مبكراً ولم يأتِ أكله؟
ما نريد أن نبينه هنا أن المحاولات العديدة التي بُذلت عربياً وإسلامياً في المسلك الثاني ذهبت غالباً في أحد اتجاهين: البحث عن نسق مرجعي إسلامي له خصوصياته المميزة ضمن تصور للممارسة النظرية المستقلة وحقوق الذاتية الثقافية، والسعي لربط الوجوه المشرقة في التقليد الإسلامي بما يشكل امتداداتها الطبيعية في العصور الحديثة بحيث يكون إسهامها لايتجاوز القيمة التاريخية للسبق لاالقيمة الفعلية.
في الحالتين يفصل النص عن سياقه المتصل، إما بإخراجه من تاريخيته أو اختزاله في إحدى دوائر تأويليته التاريخية، وانطلاقاً من فهم خاطئ للعصور الوسيطة بصفتها حقبة عقيمة تتوسط »المعجزة اليونانية« وعصور الحداثة.
ما بينته الدراسات الجديدة للعصور الوسيطة (من أهمها بالنسبة للتراث الإسلامي أعمال آلان دي لبيرا)، هو أن الفصل بين هذا العهد والمراحل الحديثة فيه الكثير من التعسف والتجني، سواء تعلق الأمر بخلفيات الأفكار والمفاهيم أو بالتوجهات المجتمعية الكبرى. ما نعنيه باستئناف حركة التنوير الإسلامي الوسيط ليس التأسيس لرشدية أو خلدونية جديدة، بل يعني الحفاظ على التوجه العقلاني النقدي لهذه الحركة في إعادة طرحنا لمعضلات العلاقة بين الشرع والعقل والدين والسياسة والفلسفة والملة من منطلقات عصرنا وحاضرنا. وبنظرة مفتوحة على ديناميكية الحداثة الأوروبية التي تحولت بدورها إلى تراث خاضع للمراجعة والتأويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.