يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    اتفاقية تلاقي السغروشني وحموشي    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي الثالث للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين .. الكاتب الأول إدريس لشكر: الجيل الجديد من البرلمانيين الشباب مطالب بحمل مشعل الحرية والكرامة والتضامن في عالم مضطرب    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    مراكش.. إيقاف شخصين وحجز كمية كبيرة من الأقراص المخدرة من نوع "ريفوتريل"    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    وقفات الجمعة ال74.. المغاربة يجددون مطالبهم برفع الحصار وإنهاء "الإبادة" في غزة    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الدكتور حذيفة امزيان، رئيس جامعة عبد المالك السعدي:

لنبدأ بالدخول الجامعي, كيف تمت الاستعدادات لإنجاح الدخول الجامعي للموسم الحالي؟
الأمر لا يتعلق بدخول جامعي فحسب، وإنما ببداية موسم اجتماعي يرتبط بنهاية رمضان المعظم والعيدين والعطلة.... إلخ. وهذا بالنسبة للأسر المغربية بعموم مستوياتها وطبقاتها، يعني أشياء يتعين أخذها بعين الاعتبار.
وطبعا على مستوى جامعتنا، انطلق الموسم الجامعي 2015-2016 بشكل جيد جدا في كل المستويات سواء البيداغوجية منها، الإدارية أو الخدماتية، وذلك نتيجة التحضيرات المكثفة التي سبقت ذلك وكذا تظافر كل الجهود لإنجاحه، وأهم ما يميز الدخول الجامعي لهذه السنة مجموعة من التدابير التي تم اتخاذها تتعلق بتوسيع الطاقة الاستيعابية لمؤسسات الجامعة وتأهيل البنية التحتية واستكمال العديد من البنايات الأساسية وتسهيل مسطرة التسجيل بالنسبة للطلبة الجدد مع توجيههم وتقديم شروحات لهم بالنسبة للتكوينات الموجودة.
نستقبل بجامعة عبد المالك السعدي اليوم ثلاث أضعاف المسجلين قبل الست أو السبع سنوات الماضية فيما لم تزداد طاقتنا الاستيعابية عن 20% من المقاعد المخصصة آنذاك. فليس من السهل التوفيق بين الكم والنوع، وهذا هو أكبر تحدي تعرفه جامعتنا حاليا. فزيادة الطلب على التعليم العالي، وما يترتب على ذلك من ضرورة تخصيص موارد مالية كبيرة من الدولة لتمويل التوسع الأفقي وتوفير فرص تعليمية إضافية يشكل أعباء مالية كبيرة.
كما تعرفون، إن دمقرطة ولوج التعليم العالي وفتح بابه لفئات واسعة وتشغيل أعداد هائلة من خريجي الجامعات نفسها في التدريس فيها في ترجمة لعملية التكاثر الطبيعي الذي عرفته المملكة أواخر القرن الماضي، تركت أثرا سلبيا في المستوى. والمتهمة ليست دمقرطة التعليم والحل ليس العودة إلى قصره على النخبة بل المذنبة هي الطاقة الاستيعابية للجامعات ونسب التأطير اللذان لم يستوعبا جيوش الطلاب الوافدين على التعليم العالي بغية مستقبل أفضل. لا أريد أن يترجم كلامي إلى نظرة قاتمة متشائمة تثبط العزائم وتنكر على أناس مخلصين جهودهم التي حافظوا من خلالها على نجاح الجامعة المغربية عبر السنين رغم الظروف القاهرة، بل أنها تنطلق من رغبة صادقة لتوفير تكوينات نوعية ملائمة لمتطلبات سوق الشغل والتي نحن بأمس الحاجة إليها.
هل التكوين الذي تقترحه جامعة عبد المالك السعدي في المجال المهني في نظركم كاف لمد الخريجين بالقدرات والكفايات الكفيلة بإدماجهم في سوق الشغل وداخل الفضاء السوسيو اقتصادي الوطني والدولي؟
يمكن لي أن أؤكد لكم أن خريجي جامعة عبد المالك السعدي، لهم بصمة خاصة في سوق الشغل وكذا الفضاء السوسيو اقتصادي الوطني والدولي, كما هو الأمر مثلا بالنسبة لخريجي المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، كمدرسة الملك فهد العليا للترجمة والمدرستين الوطنيتين للعلوم التطبيقية والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، هؤلاء يتم إدماجهم في سوق الشغل بكل سلاسة.
المشكل قائم بالنسبة لخريجي المؤسسات ذات الاستقطاب غير المحدود، وأخص بالذكر الكليات في كل الحقول المعرفية، هؤلاء الخريجون يجدون صعوبات أكثر عند البحث عن العمل، وهو الحال في كل الجامعات المغربية.
لمساعدة خريجي الكليات على الإدماج المهني، وسعيا منا لتلبية حاجيات المنطقة من أطر ومهندسين عملت الجامعة في السنوات الأخيرة على تنويع تكويناتها مع التركيز على التكوينات الممهننة لتحسين إدماج الخريجين. وتوفر الجامعة ما يقرب من 185 مسك تكوين تغطي معظم حاجيات السوق، 70 في المائة منها مهني تم اقتراحه بمشاركة الفاعلين الاقتصاديين والصناعيين، كالإجازات المهنية والماسترات المتخصصة وهم تكوينات أكثر ملاءمة مع حاجيات سوق الشغل وتشمل تدارب تمكن الطالب من صقل مواهبه التي حصلها طوال مدة التكوين.
مند تعييني على رئاسة جامعة عبد المالك السعدي وأنا أعمل من أجل تجاوز التكوينات التقليدية والأخذ بعين الاعتبار ما تعرفه الجهة وسوق الشغل من تطورات وأوراش تتطلب خريجين مؤهلين. إن مفهوم الجهوية الجديد بات يفرض علينا تحديات جديدة من حيث ضرورة التفكير في خلق مسالك جديدة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه المنطقة والمشاريع التنموية الكبرى التي تشهدها، مما يفرض على التكوينات المستحدثة بالجامعة أن تتماشى مع الأبعاد الاستراتيجية لهذه المشاريع. نذكر منها تكوينات اللوجستيك والنقل والهندسة الصناعية والسياحة والمياه وعلم البحار والصحافة والإعلام والطاقات المتجددة ....... إلخ.
ما هي في نظركم الحاجيات المستعجلة التي ينبغي تلبيتها للانخراط في مسلسل إصلاح جاد للمنظومة التعليمية الجامعية؟
من البديهي القول إن تعليما عال جيداً يرتكز بالأساس على طالب معد بشكل لائق من الناحية التربوية والعلمية, وهذا يتم في مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية. والدراسة في هاتين المرحلتين اهم مرحلة في حياة الانسان, حيث تشكل اساس البناء التعليمي ولا بد من اعداد جيل واع مدرك لمسؤولياته ومسيرته التعليمية في المدرسة من خلال رفع مستواها وجاهزيتها. فالتعليم العالي جزء لا يتجزأ من المدرسة المغربية وهو قضية رئيسية وجوهرية واساسية داخل المجتمعات, ولا بد ان يتم خلالها التركيز على نوعية تعليم عال موجه بالاتجاه الصحيح تركز على المخرجات الاكاديمية الواضحة وتضع البحث العلمي نصب اعينها وتتبنى تعليما حضاريا من خلال مناهج متطورة وبرامج تدريسية تنسجم والتطورات الاكاديمية بالجامعات المرموقة.
اننا نجد تشخيصا دقيقا لحالة التعليم الوطني في الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب سنة 2013، حيث اعتبرنا توجيهات جلالة الملك بمثابة تعليق صريح لجرس الانذار نحو مزيد من التشدد لصالح التعليم نحو الدفع بعجلة الجامعات للأمام مع الضغط باتجاه التحسين والتطوير والعمل الجاد. وفي هذا الخطاب أكد جلالته على «أن الوضع الراهن لقطاع التربية والتكوين يقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات لتقييم المنجزات وتحديد مكامن الضعف والاختلالات».
الوضع الحالي في التعليم حساس جدا وبحاجة إلى قرارات جادة وسريعة تستند إلى حوار مجتمعي فعال وشفاف، يضمن الوصول الى حلول ناجعة تأخذ بعين الاعتبار مجمل مكونات العملية التعليمية، فالتعليم حقل هام واستراتيجي ولفرط أهميته يجب ألا يترك للمختصين فحسب بل يجب أن يشارك فيه المجتمع ككل.
وفي هذا الإطار، يجب التطرق الى مخططين مهمين، أخص بالذكر التقرير الاستراتيجي لتأهيل منظومة التربية والتكوين الذي تم إعداده من طرف المجلس الأعلى للتعليم ومشروع قانون بتغيير وتتميم القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي. هذان المشروعان سيشكلان منعطفا مهما ونقطة تحول نحو المستقبل في مسيرة التعليم والتعليم العالي على وجه الخصوص وسيؤطران المنظومة التعليمية خلال العشرية المقبلة على الأقل.
الجامعات المعروفة عالميا في معظم دول العالم التي ساهمت بشكل فاعل في إيصال تلك الدول إلى ما وصلت إلى مستويات متقدمة في البحث والتطوير والابتكار تسير وفق تقاليد أكاديمية تطلبت مئات السنين لإرساء دعائمها، ارتكزت في الأساس على تخفيف النزعة الفردية، والعمل بروح الفريق، والإدارة الذاتية ودعم الموهوبين والأذكياء من الطلبة والباحثين والأساتذة وإتاحة الفرصة للاستماع إلى الرأي والرأي الأخر وتقديم كافة أشكال الدعم المادي والاجتماعي لكل العاملين في الجامعات ، لأن النهضة الحضارية لأي مجتمع هي نهضة علمية فكرية في الأساس. . ويمكن لي أن أؤكد لكم أن مشروع تطوير جامعة عبد المالك السعدي الذي بموجبه عينت لولاية ثانية على رأس هذه الجامعة الفتية، استلهم أفكاره وآراءه من هذه الرؤية.
على ذكر المشروع الذي تقدمتم به لتطوير جامعة عبد المالك السعدي، نستأذنكم في تحديد بعض من أوجه هذا المشروع، وكذا تحديد بعض من ملامح المنحنى العام لهذا المشروع؟
مشروع تطوير الجامعة الذي عينت بموجبه يهدف إلى تحسين وتطوير جودة العملية التدريسية والخدمات التعليمية وزيادة كفاءة الجهاز الإداري. ويعتبر الكادر التدريسي والإداري والطلبة جزء لا يتجزأ من خطة التطوير التي يأتي التواصل بين تلك المكونات من أهم أولوياتها. يحق لنا اليوم بجامعة عبد المالك السعدي أن نفتخر بالتمكن من خلق جامعة متكاملة ومندمجة.
إنه انطلاقا من هذه الرؤية بنيت تصوري لتحقيق الاقلاع الحقيقي لجامعة عبد المالك السعدي، ويمكن لي أن ألخص لكم الركائز التي استندت عليها في مشروعي لتطوير هذه الجامعة، في تحويلها إلى جامعة رائدة وحديثة ومنخرطة بشكل حقيقي في كل أوراش الإصلاح الكبرى التي يشهدها بلدنا، جامعة تواكب التطورات العلمية والمهنية العالمية وتراعي الخصوصية الجهوية وفق بيئتها خاصة على أساس منظومي من ناحية، وفعالية التعليم والتعلم من ناحية ثانية، والجودة الشاملة كمدخل للتطوير من ناحية ثالثة. للتذكير، تغطي الجامعة جهة طنجة تطوان ب 12 مؤسسة موزعة بين 4 مدن تطوان وطنجة والعرائش ومارتيل. كما ستعزز الجامعة بكلية الطب والصيدلة بمدينة طنجة، التي من المنتظر أن تفتتح أبوابها أمام الطلبة ابتداء من الموسم الجامعي المقبل، كسادس مؤسسة جامعية من نوعها على الصعيد الوطني، في إطار المقترحات التي تبنتها وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، بشأن توسيع الخارطة الجامعية بمدن المملكة.
كما يسعى مشروع تطوير الجامعة تحقيق تقدما ملحوظا في مجال الحكامة الرقمية للاستجابة بالقدر الكافي للحاجيات الملحة للطلبة وأطر الجامعة والمواطنين بصفة عامة. وأصبحت جامعة عبد المالك السعدي تعيش تغييرا جذريا فيما يخص النمط التقليدي للتسيير يتمثل في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمساندة المهام البيداغوجية والبحث العلمي والخدمات الإدارية، وكدا تعاملها مع مختلف شركائها بطريقة أحسن وأسهل، والسماح بالوصول إلي قدر أعظم من المعلومات، وجعل الجامعة ذاتها أكثر استجابة لرغبات المواطنين.
وترتكز هذه السياسة على تنفيذ برامج طموحة ترمي إلى تحسين أداء الجامعة باستعمال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال، نذكر منها النظام المعلوماتي المغربي للبحث العلمي «سيماريش» وهو نظام مغربي إلكتروني للتعاون وتبادل المعلومات والتجارب فيما يخص البحث العلمي بين الجامعات المغربية. هذا البرنامج الذي تم تطويره بجامعة عبد المالك السعدي والذي تدخل في إطاره مجموعة من الجامعات المغربية يرمي الى تطوير مستوى البحث العلمي في ظل استعمال وسائل الاتصال الحديثة. وقد مكن هذا النظام جامعة عبد المالك السعدي من إعادة هيكلة وحدات البحث على أساس تجميع الموارد والجهود. ومكن كذلك هذا الإجراء المبني على التفاعل عبر التكنولوجيا الرقمية، إحصاء منتوجات البحث العلمي بطريقة أكثر شمولية: الأطروحات والمنشورات المحكمة وغير المحكمة، والمشاريع الممولة وبراءات الاختراع، والخدمات، وحركية الأساتذة وطلبة الدكتوراه، الخ. وبفضل سيماريش تم احتساب مخصصات ميزانية البحث العلمي على الهياكل المعتمدة استنادا على الإنتاج العلمي المحصي. هذه الطريقة في التوزيع هي أكثر إنصافا وتمكن من الاستثمار في المشاريع والهياكل التنافسية متجنبة تشتت الموارد.
وتعتمد جامعة عبد المالك السعدي كذلك على برنامج معلوماتي لتسيير سلك الدكتوراه تم تطويره بجامعة عبد المالك السعدي. وقد مكن هذا البرنامج الجامعة من تدبير أكثر شفافية للتسجيلات في سلك الدكتوراه. حيث تم نشر جميع مواضيع الأطاريح المقترحة من طرف الأساتذة من خلال هذا البرنامج. وتم تسجيل مرشحين من 64 جامعة و22 دولة. وبفضل هذا البرنامج تمت عملية الانتقاء بطريقة تشاركية وموحدة بين مراكز سلك الدكتوراه الأربع للجامعة.
ولجامعة عبد المالك السعدي السبق في اعتماد برنامجا رقميا لتدبير الموارد المالية العمومية. يعمل هذا البرنامج على تسهيل عملية مسك جميع العمليات المالية من مداخيل ومصاريف الجامعة بشكل سلس وسهل من طرف الأطر الإدارية، ويمكنهم من امتلاك آليات فعلية لتتبع ومراقبة الميزانيات وبرامج صرفها وفق قواعد الحكامة والمسؤولية والشفافية.
n على ذكر الموارد المالية، البعض يرى أن أزمة الجامعة المغربية تكمن في عدم الاستقلالية على مستوى التسيير وضعف الميزانية المخصصة لها، ما رأيك؟
p إن استقلال الجامعة هو أول عنصر أساسي يجب أن يقوم عليه الإصلاح الجامعي وهو أمر ينص عليه بالفعل القانون 00 .01 بجعله الجامعة مؤسسة عمومية ذات شخصية معنوية عامة ومتمتعة بالاستقلال المالي والإداري. إن تعزيز دور المجالس الجامعية سيمكن كل جامعة من تحديد رؤيتها الخاصة من أجل تطورها الاستراتيجي ومعالجة جميع القضايا المتعلقة بالتسيير سواء الإداري أو البيداغوجي، مع اعتماد المرونة والسرعة من أجل تحسين الأداء.
إلا أن الممارسة العملية منذ انطلاق الإصلاح، قد أوضحت بجلاء معاناة الجامعات من الوصاية المالية من لدن مصالح وزارة المالية التي تنقص من وتيرة عملها. وتطمح حاليا الجامعات لتطبيق الرقابة البعدية والتي تعتمد في معظم الجامعات التي تتمتع باستقلالية التدبير.
وقد تكلفت جامعة عبد المالك السعدي بتوفير برنامج مندمج للتدبير المالي والمحاسباتي للجامعات المغربية سيعمم هذه السنة لتحسين حكامة تدبير قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.
أما الميزانية المخصصة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي تبقى هزيلة (9 مليار درهم) ولا ترقى إلى التحديات المطروحة على هذا القطاع الحيوي.
هل هذه النسبة المخصصة للتعليم والبحث العلمي هي وراء المراتب المتأخرة للمغرب فيما يخص البحث العلمي على مستوى القارة؟
أصبح من المسلم به أننا نعيش حالياً ما يسمى بعصر الثورة التكنولوجية المتسارعة، ومن مؤشرات ذلك هو الكم الهائل من المعلومات والإنجازات العلمية التي أصبحت ممكنة التداول وسرعته بفضل وسائل الاتصالات الحديثة. والسمة الأبرز لعصرنا هي دخول منجزات العلم والتكنولوجيا في كل مفصل من مفاصل الحياة لدرجة أصبح فيها مقياس تقدم الأمم هو مقدار إنجازاتها العلمية والتكنولوجية. إن ذلك أدى إلى تنامي دور الجامعات في المجتمعات الحديثة ليس باعتبارها مراكز إشعاع فكري وعلمي فحسب بل لكونها مراكز للخلق والإبداع والمساهمة في التنمية الاقتصادية والإنسانية والارتقاء بالمجتمع من خلال توظيف أمثل للموارد الطبيعية والبشرية. إن الزيادة أو نقصان في منشورات البحوث العلمية على مدى العقد الماضي بالمغرب لا يعني بالضرورة أننا ننتج معرفة أفضل أو أسوء، فزيادة المنافسة والحاجة لتسويق التعليم العالي أوجدت معايير مختلفة لقياس أداء الجامعات مبنية خاصة على مدى مساهماتها في المجتمع أو رفد الاقتصاد الوطني.
إن ما تحقق في المغرب خلال العقدين الماضيين كان توسعاً في أعداد خريجي الجامعات وطلبة المدراس العليا، وزيادة في المؤهلات التعليمية المرجعية المطلوبة في سوق العمل، صاحبه تدهوراً في العائد على الاستثمار في التعليم العالي والبحث العلمي مع ارتفاع في التكاليف.
الدول التي تسعى للتقدم تضع البحث العلمي والإنفاق عليه في أولوية أجندتها السياسية والاقتصادية، ولا تبخل بتخصيص نسبة كبيرة من ناتجها الخام للإنفاق على البحث العلمي. في بلادنا وعلى الرغم من المجهودات الحكومية لتخصيص ميزانيات لتمويل مشاريع البحث العلمي بالجامعات أو عبر المركز الوطني للبحث العلمي والتقني والتي تبلغ في مجموعها 400 مليون درهم، فإن هذه المبالغ تبقى ضئيلة في ظل غياب شبه تام لمشاركة القطاع الخاص في هذا الإنفاق على البحث العلمي على عكس ما يجرى في الدول النامية. فلابد من نظرة جديدة للتمويل وتشجيع وتحفيز القطاع الخاص لتمويل البحث العلمي مثلما يحدث في الخارج.
ما هي في نظركم طرق إصلاح التعليم العالي؟
الجامعات المعروفة عالميا في معظم دول العالم التي ساهمت بشكل فاعل في إيصال تلك الدول إلى ما وصلت إلى مستويات متقدمة في البحث والتطوير والابتكار تسير وفق تقاليد أكاديمية تطلبت مئات السنين لإرساء دعائمها، ارتكزت في الأساس على تخفيف النزعة الفردية، والعمل بروح الفريق، والإدارة الذاتية ودعم الموهوبين والأذكياء من الطلبة والباحثين والأساتذة وإتاحة الفرصة للاستماع إلى الرأي والرأي الأخر وتقديم كافة أشكال الدعم المادي والاجتماعي لكل العاملين في الجامعات ، لأن النهضة الحضارية لأي مجتمع هي نهضة علمية فكرية في الأساس.
في رأيي المتواضع، أول خطوة لإصلاح التعليم العالي هي العمل على إعادة ثقة المجتمع بالجامعة بعيدة عن التشنجات الفردية والمصالح الفئوية والخطابات السلبية. يجب الإيمان بقيمة ما تعطيه هذه الجامعات من ثقافة ومعلومات وصلاحية، وجعل الشباب يؤمنون بحاجتهم إليها، بل أكثر من ذلك، جعلهم يؤمنون بجسامة الفائدة التي سيحصلون عليها من هذا الطريق الطويل، الملتوي، الشاق، العسير، المكلِّف، وبأهمية الثقافة التي سيحصلون عليها في هذه الجامعات باعتبارها قمة الهرم الفوقي.
هناك مؤشرات واضحة على أن المغرب يتجه نحو خوصصة الجامعة. في نظركم أيعتبر ذلك حلا؟
يجب العمل من أجل التركيز على النهوض بالتعليم العالي العمومي إلى جانب التعليم العالي الخاص في إطار من التفاعل والتكامل. ومن يفصل بين تعليم خاص وعام لا يميز في الواقع بين التعليم كاستثمار بهدف الربح وبين التعليم كعملية اجتماعية غير ربحية قائمة على اعتباره خدمة عامة.
إن أغلبية الجامعات الخاصة الشهيرة ذات المستوى الرفيع والانتاج العلمي في الغرب والشرق حيث توجد كما في حالات بريطانيا والولايات المتحدة والصين، هي جامعات خاصة فعلا، ولكنها ليست مشاريع لهدف الربح، إذ تملكها مؤسسات أو جمعيات علمية خاصة. وهي تجمع بين الاستثمار في التعليم من قبل صناديق صناعية وغيرها، وبين التبرعات، وهي لا تربح، ولا تقام بهدف الربح بل تستثمر في تطوير عملية التعليم وفي الأبحاث. وإلى جانبها تقوم جامعات الدولة.
في جميع الأحوال، سواء كانت الجامعات عمومية أو خاصة، ربحية أو غير ربحية الطابع، على وزارة التعليم العالي وضع معايير لضبط عمل الجامعات ووضع أدوات الرقابة لضمان التزام هذه المعايير وإن قيام الوكالة الوطنية لتقنين وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي التي أنشئت في 18 غشت2014، برقابة مؤسسات التعليم العالي الرسمية منها والخاصة امر في غاية الاهمية والضرورة لوضع الامور في نصابها الصحيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.