وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    البقالي يكتفي بالمرتبة 12 في سباق 1500 متر    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء                بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع    مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    غاب عن جل الأحزاب    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجيل الجديد» لهجرة مواطني جنوب الصحراء نحو المغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 02 - 2016

مع هذا التدفق الكبير لهجرة» النوع» من دول جنوب الصحراء نحو المغرب، أسئلة كبيرة تفرض نفسها، تدعو الدولة المغربية إلى تعزيز القدرات في مجال القوانين الوطنية والدولية، ذات الصلة، وكذا إبراز أنشطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين «والمهاجرين» بالمغرب، وأدوارها في حماية المهاجرين ومناقشة إشكالية الحماية على الحدود واستراتيجية الإدماج والإندماج للمهاجرين واللاجئين ..بصوت تشاركي مسموع
هجرة غير شرعية علنية
لا يتفق المحامي غسان باحو أمرسال، مطلقا مع اعتبار المهاجرين القادمين من الدول الإفريقية بالمهاجرين السريين، فهذا التوصيف برأيه بات متجاوزا، ولتوضيح الصورة أكثر يقدم كرجل قانون المبررات الكافية لذلك، فهم برأيه انتقلوا من المرحلة التي كانوا فيها قبل سنوات يعبرون عبر الجبال و الغابات، ويختبئون فيها، ويحاولون التسلل لهوامش المدن من أجل اقتناء مستلزماتهم، وتطاردهم أجهزة الأمن من أجل ترحيلهم بعد محاكمتهم، إلى مرحلة جديدة» يضيف المحامي بهيئة فاس «حيث تحولوا فيها إلى مهاجريين غير شرعيين علنيين، يتحركون بحرية في المدن، ويحتلون مفترقات كبريات الشوارع إلى جانب نساء وأطفال وشباب يحترفون التسول و بيع المناديل الورقية إلى درجة التعايش في بعض الأحيان». إن مقاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بشكل عام تبدو من القضايا التي أخذت حقها من الاستهلاك الإعلام، لكن عندما ترتبط بالنساء تصبح قضايا الاغتصاب وأعمال منافية للمواثيق والقوانين الدولية مصدرا للتأمل والتألم، فالأمر جريمة لا يمكن السكوت عنها، ليس لما لها من تداعيات مجتمعية كإفراز طفولة هجينة بآثار نفسية صعبة ، نتيجة العلاقات الجنسية غير السليمة التي قد تكون سببا رئيسيا في نقل وانتشار العديد من الأمراض كالسيدا، وغيرها، ولعل ما حدث في إحدى الزوايا غير المحروسة بالعاصمة العلمية للمملكة، ذات ليلة، يشكل حالة صارخة لهذه المأساة، حيث وصل الأمر إلى حد ولادة مهاجرة أفريقية في مكان عمومي. ولأن هؤلاء الإفريقيات المتسولات تعشن وأطفالهن وبناتهن على الممرات وفوق الأرصفة فلا أحد يهتم بوضعهن خلال حلول الظلام. حيث كل الأمكنة غير آمنة، باستثناء وسط المدينة الجديدة، وبالقرب من المحلات التجارية الكبرى ودوائر الشرطة، أما الباقي فهي معاقل للانحراف ليس إلا. ويستشهد المحامي بهيئة فاس بتقارير صحفية إسبانية على الشبكة ، تؤكد أن المغرب تمكن من إنقاذ 2723 مهاجرا غير قانوني عام 2015 كانوا على متن قوارب في طريقهم إلى السواحل الإسبانية، فيما أنقذت فرق الإنقاذ الإسبانية ما مجموعه 4232 حيث ارتفع العدد بألف شخص عن سنة 2014 . هذه الأرقام تسائلنا ، يوضح أمرسال، كمجتمع كما تسائل مؤسساتنا عن الظاهرة في بعدها الإجتماعي أولا، وتأثير ذلك على بنياتنا الاجتماعية في المستقبل. خصوصا في ظل أوضاع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا والتحولات البنيوية والمتسارعة التي أصبح يعرفها المجتمع المغربي بتعدد و تعقد مشاكلها الراهنة . من ناحية ثانية ، يرجع المتحدث ذاته أسباب هذا التدفق من المهاجرين من دول جنوب الصحراء إلى مشاكل الفقر و المجاعة والنزاعات المسلحة التي تعرفها القارة السمراء جنوب الصحراء، لكن حرص الاتحاد الأوروبي بدوره على إغلاق حدوده في وجه هؤلاء المهاجرين، وتطوير آليات منع نفاذيتهم باعتماد الأسلاك الشائكة والرادارات وطائرات المراقبة و الكاميرات الثابتة على الحدود وأمام مرونة تعامل الجانب المغربي مع هذه الفئات من خلال مراعاة الجانب الحقوقي واحترام المقتضيات الدستورية والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن. يستحضر أمرسال مضمون إعلان مشترك للإطلاق الرسمي لمشروع تعزيز إدماج المهاجرين الاجانب بالمغرب والممول من قبل الاتحاد الاوروبي الذي وقع عليه المغرب بتاريخ 17 أبريل 2015، وذلك من قبل الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة مع المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة Dimitrisavramopouos بغلاف مالي يقدر ب10 ملايين أورو في إطار برنامج الشراكة من أجل التنقل (الاتحاد الاوروبي /المغرب) ولعل صباح يوم الثلاثاء الماضي سيشكل ظاهرة لافتة بفاس، حيث ستعرف مدارة حي النرجس طريق صفرو وحدها توافد أكثر من 20 مهاجرا من جنوب الصحراء من بينهم نساء بأطفال، بينهن لاجئات سوريات، فيما توزع العشرات أفرادا في مختلف نقاط العبور بالمنطقة في أكبر تجمع للتسول بالعاصمة العلمية ، التي تعرف تدفقا غير مسبوق لهؤلاء بمعدل يناهز مابين 40 و50 مهاجرا يوميا، لا مجال للحديث عن تردي حالهن، وبؤس مظهرهن: السؤال الى متى سيظل المغرب فاتحا حدوده على مصراعيها؟ وهل تدرك الدولة المغربية انه سيأتي يوما يكون فيه الوضع خارج نطاق السيطرة!! نشفق لحال هؤلاء وأولئك، ولكن الخطر قادم والأسوأ لا محالة».
ضرورة اليقظة
لكن يجدر طرح سؤال مركزي، سيما أن هناك من يجعل هؤلاء المهاجرين يعتبرون وبفهم خاطئ بأن لهم حقوقا تجاه المواطنين المغاربة، وبأن المواطنين المغاربة ملزمون بتقديم المساعدة لهم، والإعانة لهم قد تشكل في بعض الأحيان مظهرا للاستفزاز في حال عدم تقديم المعونة، في هذا السياق، يوضح الأستاذ أمرسال انطلاقا من أمثلة صارخة لهذا الفهم، مستشهدا بما وقع بطنجة خلال سنة 2015 حيث احتلوا اقامات سكنية في طور البناء. ويرى المتحدث أن على الحكومة اتخاذ تدابير واعتماد استراتيجية حقيقية وواضحة من أجل حماية هذه الفئات ضد كل أشكال العنف التي من الممكن التعرض لها، وكذا الحق في التطبيب والخضوع الإجباري للمراقبة الطبية لتطويق الحالات التي من الممكن أن تحمل من بلدانها أمراضا وأوبئة قد تؤدي لكوارث لا تحمد عقباها. كما يجب حمايتهم ضد ظاهرة الاتجار في البشر وتقديم المساعدة للحوامل و المرضعات والنساء منهم وتوفير الإيواء اللائق في انتظار تسوية أوضاعهم أو ترحيلهم بالإضافة إلى منحهم الحق في اللجوء إلى العدالة متى تعرضوا لأي نوع من انواع الاعتداء. ويرى أن الظاهر ناقوس الخطر يستعجل الحكومة للمبادرة، واتخاذ ما يلزم خصوصا وأن بعض الدول الإفريقية تعرف نشاطا للخلايا الإرهابية وجماعات التطرف، كما أن الأمن الصحي للمواطنين المغاربة يستعجل ذلك تجنبا لانتقال الأمراض والأوبئة التي تعج بها بعض مناطق إفريقيا. إذن فدواعي التدخل والحماية هي ثنائية القطبين، من جهة حماية المهاجرين غير الشرعيين وحماية المواطنين المغاربة في ظل أرض تتسع للجميع، وعرفت عبر التاريخ بأنها ملتقى التعدد والانصهار الهوياتي والثقافي من أجل مغرب إنساني منسجم مع مبادئه وتطلعاته».
أسئلة التسول وتداعياته
الحسناوات الإفريقيات المهاجرات الواقفات على الرصيف من الجانبين يتهامسن ويتجاذبن الحديث فيما بينهن دون عقد، كما لو كن في بلدانهن الأصل ، وخلال 50 ثانية وقوفا أمام الشارة الحمراء ، كنت أتأمل ابتساماتِهن الحذرةِ الملغّمة.. كنت أستطيع التمييز بين تلك الكيدية المصطنعة، وهناك على الجانب الآخر من الرصيف ثمة فوج نسائي قادم، كانتْ خطواتُهن عريضة ومثقلة، حتى وهي سريعة ومرفقة بتمائم و همهمات خافتة وأحيانا مرتفعةً . إن رصد سمات الخجل المفتعل الذي يمكن إنتاجه على ملامح هذا الجيل الجديد من الأمهات الإفريقيات المهاجرات، وهنّ يجتهدن في ترميم ظهورهن التي قصمها وهن المسافات، وسحناتهن التي لوحتها شموس الصحاري وتعديلها لتناسب ضيق الرصيف، لا يحتاج إلى كبير عناء. في الطريق إلى الأكاديمية هذا الصباح كان رذاذ المطر يستكشف بوهن مساحات الأرض العطشى، ويزرعها تفاؤلا ضدا على سياسة الحكومة الفاشلة. ورغم أن إيقاع السير على الشارع كان متوسط السرعة، إلا أنه ظل يسمح بالتقاط كلمات وجمل مفككة للعابرين، كما يغري برصد ابتساماتِ الشابات الإفريقيات بأسنانهن القوية الناصعة البياض وبملابسهن المزخرفة اتساخا، وهن يتكدسن على جانبيْ الممرات الممحوة، ومدارات العاصمة العلمية المخبولة هذه الأيام، شابات مابين 16 ربيعا والثلاثين، تحولن فجأة إلى أمهات رغم أنفهن. أطفالهن فوق ظهورهن ، أو يتسلقن قامتهن ببراءة وعيونهن ممتلئة بالأمل القاتم ، ورغم أني لم أكن على مقدرة لتفكيك دلالات ورموز كلماتهن المبعثرة ، لكنّي بالمقابل كنت استطيع التمييز أن قاسمها المشترك هي الحرمان و«التسول». وبين اللحظة العابرة وتلك الضحكات «الخبيثةَ» التي كن يدورنها بينهن ، وهن في وضعية يحسدن عليها، كان البؤس الإفريقي ونموذجه الصارخ جنوب الصحراء محور تفكيري ومركز الأزمات في ذاكرتي المشتعلة. حينما سألت إحداهن عن اسم رضيعها الذي تحضنه فوق ظهرها بحنان غريزي ككل أمهات الأرض، ترددت لحظات قبل أن يفتر ثغرها عن ابتسامة خبث مضمخ بكبرياء نازل وكما لو كانت تنقب عن اسم لأول مرة ،تاهت لحظة، لكنها سرعان ما قفزت بفرح وهي تقول» ما كمبا.. إنه صغيري ما كمبا.. نعم إنه كذلك... وقررت لحظتها أن لا أزرع الملح في الجرح بسؤالي عن أبيه، لكني سرعان ما سألتها عن موطنها وفيما إذا كانت على صلة بوالد طفلها، هنا آظلمت الدنيا أمام أم ماكمبا، وانهارت الشابة الكامرونية ذات الخامسة والعشرين من عمرها، وكادت تسقط أرضا، وبدت ملامحها أكثر يأسا ولم يعد يربطها بالعالم سوى احتقان مشروخ وذكريات يابسة.. ولعل البحث عن الاستقرار خارج الحدود لدى المهاجرين الأفارقة عموما، والنساء منهم على نحو خاص مأساة حقيقية، بريئات يسقطن فرائس سهلة في أحضان ذئاب بشرية لا ترحم، ولا معنى للكرامة والإنسانية في قاموس حياتها، اغتصابات بالجملة ودماء تسيح، تحرش واعتداءات بكل البشاعات الممكنة، يتعرضن لها عبر مسار رحلتهن التي ابتدأت من دون أن تعرف لها نهاية ، ولم يكن المعتدون سوى فئة من قطاع الطرق والصعاليك وأفراد العصابات من شبكات الترويج لكافة أنواع المخدرات. والنتيجة طفولة بلا أفق رحيم. وعلى الرغم من كونهن متسولات، فإنهن يتسمن بقدر من المعرفة والجمال ، ما يجعلهن عرضة للتحرش الدائم دونما حماية من جهة ما، فلا تسلمن عبر تنقلهن من عمليات الاغتصاب الفردي و الجماعي في مختلف محلات الإقامة والمعابر ليلا ونهارا، إذ في ظل هذه الظروف الصحية واللا إنسانية الصعبة التي يتخبط فيها هؤلاء المهاجرات يبدو تغاضي المسؤولين واضحا وجليا في إيجاد الحد الأدنى من الحماية وتوفير الحد الأدنى من الكرامة التي تليق بالبشر. من ناحية ثانية، تعد هذه الحالات مناسبة سانحة للمنحرفين وذوي السوابق وأبناء الليل لتحقيق رغباتهم الجنسية مستعملين كافة الوسائل بما في ذلك القوة، حيث يكون الاغتصاب جماعيا وبالتناوب، في مشاهد غير إنسانية وغريبة، وهنا لا يمكن الحديث عن العلاقة الجنسية المهزوزة والمرتبكة، بل عن الأضرار الصحية التي تنجم جراء هذه العلاقات غير السليمة والخالية من أبسط شروط الصحة والسلامة. ولكون معظم هذه الحالات تظل خارج إطار التبليغ،فلا وجود لإحصائيات رسمية حول عدد الشكايات المرفوعة للدوائر الأمنية وغيرها، إلى ذلك، بات مشهد نساء مرفوقات بفتيات صغيرات بأبرز نقط العبور بشوارع المدينة ديكورا يوميا، فكل المدارات والشوارع الكبيرة شاهدة على هذه «المأساة الإنسانية» التي لا تقلق أحدا، حيث التسول نهارا والاغتصاب ليلا. ويخشى سكان العمارات بوسط المدينة ممن استقت جريدة الاتحاد الاشتراكي آراءهم حول الظاهرة من اتساع وخطورة هذا النوع من الدعارة ويناشدون السلطات مراقبة هؤلاء أو ترحيلهن إلى بلدانهن الأصلية إذا اقتضى الأمر ذلك، حفاظا على صحتهن وسلامة المواطنين المغاربة من أي خطرمحتمل.
تجمعات عشوائية..
شيئان يوحدان جموع المهاجرات والمهاجرين الأفارقة اللون الأسمر والتسول. ولأن مشاكل العاصمة العلمية تستعصي على الإمساك، مختلفة، متعددة ومتباينة، فإن ما أفاض الكأس هذه الفئة من المهاجرين الأفارقة من مختلف الجنسيات، الذين يتدفقون يوميا عبر الطريق السيار قادمين من الجهة الشرقية، يتجمعون في معسكرات جماعية ،في المعابر والممرات والمدارات والشوارع، ويحتلون بقعا، سواء في محطة القطار أو في مختلف الزوايا والركنات الظليلة، على أعتاب المساجد وأرصفة العبور، هناك إفريقيا العميقة حاضرة بكل تاريخها الأخضر واليابس، أجساد قوية مفتولة وأخرى هدها السفر. من أين أتيت؟ سألتها عبر نافذة سيارتي. ابتسمت بخجل أنثوي ككل جميلات الكون ثم أجابت «من الكامرون.. واو.. كل هذه المسافة... من الكامرون الى فاس؟ وكيف قطعتها؟ ترد بكبرياء أوتوسطوب أقدام... ثم تغادرني، من دون أن تأخذ شيئا تفاديا لتفاصيل قد تكون موجعة.. في أقوى تحد للسلطات المحلية، هناك جانب غير مأهول من محطة القطار بفاس ، افترشوا أرضا عراء ، ونصبوا خيامهم العشوائية مستقرين عنوة فيما المصالح الأمنية والسلطات تكتفي بمعاينة الوضع ولا تقرر التدخل إلا لفض النزاعات التي تندلع بين الأفارقة من الجنسيات المختلفة من جهة وبين هؤلاء والمشردين الذين احتلوا جنبات محطة القطار وشارع الموحدين حيث يبيتون بصفة اعتيادية، الشيء الذي يضر بجمالية المدينة، ويسبب الإزعاج الدائم للسكان الذين أصبح الخطر يحدق بهم في أي لحظة، ناهيك عن الشعور بعدم الأمن الذي بات يراود أهل فاس في غياب خطة أمنية محكمة للحد من هذه الظاهرة، إذ رغم التحرك الأخير لولاية الأمن بعد الاعتداء على السياح الأجانب، واعتقال العديد من المشتبه فيهم في وقت قياسي، فإن الوضع يحتاج إلى حلول جذرية تعيد للعاصمة العلمية صورتها الهادئة ولسكانها الهدوء المطلوب .» يقول فاعل مدني.
استراتيجية التعاطي مع الظاهرة
وبخصوص وضعية المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب، يتساءل رجل القانون غسان باحوأمرسال عن أية استراتيجية للتعاطي مع الظاهرة؟ سيما وقد أصبحنا نطالع تقريبا نفس الوجوه في نفس الفضاءات ولشهورعدة، بل لسنوات دون أن يتعرضوا للإعتقال أو حتى المساءلة و تحقيق الهوية على بعد أمتار من شرطة تنظيم المرور. بل وهناك من من هؤلاء المهاجرين من تجدهم يعملون بأوراش البناء و أسواق الجملة كيد عاملة رخيصة، وغير محصنة بقانون الشغل في استغلال سافر لوضعيتهم غير النظامية تجاه القانون. بل أصبحنا، يضيف الأستاذ غسان باحوأمرسال «نجد فيهم نساء حوامل أو مرضعات أو مرفوقات بأطفال صغار، مما يدل من وجهة نظر قانونية واجتماعية على بداية تشكل بنيات اجتماعية جديدة خارجة عن آليات المراقبة والضبط الاجتماعي ، حيث تحول المغرب إلى بلد إقامة وليس عبور فقط». أما أستاذة الفلسفة ابتسام هاشمي فتورد كيف أضحت مدينة الدار البيضاء موطنا جديدا للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، فالمار من شوارع وسط المدينة سيلاحظ حتما التزايد الفجائي لهؤلاء، خاصة العنصر النسوي الذي أصبح يحتكر فضاءات تجارية وساحات عمومية مستغلا إياها في التجارة ومستحدثا مهنا جديدة لم يألفها السوق المغربي من قبل كتزيين الفتيات في الشارع العام، وتسجل ابتسام النشاط الحيوي لهن في ممارسة الدعارة بشكل واسع في سبيل كسب الرزق و توفير قوت الأبناء الذين حملنهم في أحضانهن أو في أحشائهن وهن في طريقهن إلى المغرب الذي كان من المفترض أن يكون معبرا سريعا، فأصبح مستقرا قسرا بعد إغلاق أوروبا أبوابها في وجوهن. في ظل التزايد المستمر للمهاجرين، يسعى الجانب الرسمي كما القانوني إلى التعاطي بشكل إيجابي مع وضعية هؤلاء المهاجرين، وخاصة النساء منهم بمختلف جنسياتهن وأعمارهن، فبعد بلورة سياسة تسوية الوضع القانوني بتوصية ملكية و بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قامت العديد من المنظمات الحقوقية المغربية بالعمل على توفير الرعاية اللازمة كواجب انساني من حيث منح حق الإقامة في البلد و الاستفادة من الخدمات الصحية .إلا أن التسوية القانونية لم تشمل جميع المهاجرين الإفريقيين مما يعيق اندماجهم المهني و الاجتماعي داخل المجتمع المغربي ، الشيء الذي تكون له امتدادات سلبية على مستقبل أطفالهم الذين من حقهم الرعاية الصحية والتأهيل المدرسي مثلهم مثل باقي الأطفال. وترى ذة ابتسام هاشمي أنه . لا يمكن أبدا التنكر للسياسة الفعلية التي قام بها المغرب إزاء تسوية أوضاع الآلاف من المهاجرين، إلا أنه وفي المقابل لا يمكن تجاهل سوء معاملة السلطات لبعضهم والإقصاء الممارس عليهم من طرف المدنيين في الشارع العام بمختلف مظاهره كالاحتقار والسب بألفاظ عنصرية، و ذلك ما عاينته شخصيا مؤخرا في ساحة باب مراكش بالدار البيضاء
من محطة عبور إلى محطة استقبال
موضوع هجرة الأفارقة جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا مرورا بالمغرب باعتبارها أحد أكبر التحديات التي باتت تواجه المغرب الذي تحول من بلد للعبور إلى بلد استقبال، يقاربها الدكتور عياد أبلال باعتبارها ظاهرة خاصة سيما مع صعوبة اختراق المدينتين السليبتين سبتة ومليلة، وصعوبة العبور عبر قوارب الموت، أو الشاحنات وبواخر الصيد نظراً للمراقبة الأوروبية والمغربية على حد سواء على البحر الأبيض المتوسط. ويكمن التحدي الكبير الذي يواجهه المغرب، حسب الباحث في السوسيولوجيا، في كون المغرب قد سبق له وصادق على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تجعله ملزماً بتدبير ملف المهاجرين الأفارقة وفق مقتضيات القانون الدولي وحقوق الإنسان، وهو ما جعله في السنة المنصرمة يعمل على تسوية عدد من وضعيات هؤلاء قانونياً، في حين يواجه خطورة الوضع المتفاقم خاصة في مدن الشمال لهؤلاء المهاجرين. ويرى الدكتور أبلال أنه من الصعب جداً العناية بهم صحيا واجتماعياً في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب. ومن ضمن الصعوبات والمخاطر هو اختلاط هؤلاء مع الساكنة بهذه المدن، خاصة وأن امكانية حمل عدد من المهاجرين والمهاجرات لأمراض خطيرة قائمة بشكل كبير، خاصة منها الجنسية، ناهيك عن وضعيات المهاجرات اللواتي يحملن معهن أطفالا رضع، أو اللائي يلدن بالمغرب، بسبب وقوعهن في الحمل لطول مدة الانتظار التي باتت تتجاوز السنتين والثلاث سنوات، وهو الانتظار الذي جعل عددا منهن يرتبطن بمهاجرين آخرين، مما يضخم من التحديات الصحية المفروضة على المغرب. ودعا المتحدث ذاته السلطات إلى وجوب إخضاع هؤلاء للفحص الطبي والتحليلات التي تتطلبها العناية الإنسانية بهؤلاء، منعا لكل خطر يتهددهم، كما يتهدد كل علاقات جنسية يمكن أن تتم مع المغاربة من الجنسين.
ولإغناء النقاش حول الظاهرة، نذكر هنا بحوارات الإعلامي محمد حداد مع بعض المهاجرين، رصدها بقوله «رغم التوجس من اللقاء، ما أن تبدأ الحديث مع بعض المهاجرين من جنوب الصحراء حتى تكتشف أنهم منفتحون بشكل كبير، مبتسمون، لا يرفضون الإجابة عن الأسئلة وبدون أي تحفظ يذكر». مسجلا «كل المهاجرين الذين التقينا هم شباب يتراوح سنهم ما بين 15 و30 سنة جاؤوا من مختلف الدول: السنغال، مالي، الكامرون، النيجر، تشاد وبوركينافاسو...» يأتون إلى المغرب راجلين متحملين كل المعاناة والمصاريف والحوادث... ومنهم من قضى ما يقرب من السنتين للوصول إلى المغرب، الذي يعتبرونه عبارة عن محطة في اتجاه الوصول إلى الهدف «أوروبا». «بعض النساء صرحن بمنتهى الصدق أنهن هاجرن صحبة رفاقهن بحثا عن حياة أفضل، وهروبا من البؤس في بلادهن. بعضهن لهن أطفال صغار أو رضع. ولكنهن أكدن أن الأطفال ليسوا نتيجة اغتصاب ما، ولكن نتيجة علاقاتهن مع رفاقهن ويعيشون معا أسرة واحدة. هناك أطفال ولدوا في الطريق وآخرون عند التواجد بالمغرب. وحسب التصريحات الأطفال مسجلون عند المؤسسات المكلفة بالهجرة، ولكنها متواجدة بالرباط والدار البيضاء». «المهاجرون وأطفالهم، حسب التصريحات، يمكنهم الاستفادة من التتبع الصحي في المستشفيات العمومية. ولكن ظروف العيش صعبة وما يحصل عليه المهاجرون من التسول لا يكفي مطلقا.كما أنهم لا يتلقون أية مساعدات ولا حتى زيارات من طرف الجمعيات المعنية بالمهاجرين. ولكن هناك مساعدات على شكل ألبسة وأغذية يتصدق عليهم بها بعض المواطنين المغاربة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.