خلال جلسة للأسئلة بمجلس المستشارين بتاريخ 27 يناير من السنة الفارطة 2015، صرّح وزير الصحة، البروفسور الحسين الوردي، أن 48.9 في المئة من المغاربة يعانون أو سبق أن عانوا من اضطرابات نفسية، أي أن قرابة نصف المغاربة، كما ورد على لسانه، هم مرضى نفسانيون، مضيفا أن 26.5 من المواطنين من مختلف الأعمار عانوا من الكآبة، وأن 14 في المئة منهم حاولوا الانتحار مرة واحدة على الأقل في حياتهم بسبب اضطرابات نفسية أو عقلية. معطيات لا تختلف كثيرا عن تلك التي سبق وأن أدلى بها وزير سابق في الصحة، وهو محمد الشيح بيد الله، حين كان قد وقف عند نفس الأرقام وأضاف عليها بأن هناك ثلاثة ملايين مغربي يعانون من القلق المستمر، و300 ألف شخص مريض بانفصام الشخصية «الشيزوفرينيا»، وبالتالي نحن أمام استمرار لوضع مختل على مستوى الصحة النفسية! وضع لم يمنع من ألا يتجاوز عدد المؤسسات العلاجية التي توفر الاستشارة الطبية النفسية والعقلية 83 مؤسسة، أي ما يمثل 0.25 في المئة من المؤسسات الصحية الأساسية، لا تتعدى طاقتها الاستيعابية في مجال الصحة النفسية والعقلية 30 وحدة استشفائية بمجموع 2043 سريرا، أي أن الكثافة السريرية للصحة العقلية تبلغ 6.3 أسرة لكل 100 ألف. كما تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد أطباء الأمراض النفسية والعقلية يبلغ 273 طبيبا، بمعدل 0.85 لكل 100 ألف نسمة، أما عدد الممرضين فيبلغ 783 ممرضا، بمعدل 2.43 ممرضا، في حين أن الاختصاصيين في علم النفس بالمغرب لا يتجاوز عددهم 18 أخصائيا، بمعدل 0.04 اختصاصي لكل 100 ألف نسمة، وهنا حجر الزاوية الذي نريد تسليط الضوء عليه بعدما كنا قد تطرقنا سابقا إلى البنيات والمؤسسات، ويتعلق الأمر بجانب التكوين الذي من شأن تفعيله بشكل منتظم، توفير العناصر البشرية المساعدة على المواكبة النفسية لكل هذا الكمّ من المرضى، الذين تؤكد الأرقام أن 26.5 في المئة من المغاربة يعانون من الاكتئاب، و 200 ألف مصابون باضطراب انفصامي، بينما يشكو 3 في المئة من مرض نفسي نتيجة للإفراط في تناول المخدرات، و2.8 مصابون بالإدمان عليها، في حين أن 2 في المئة هم مرضى نفسيون بسبب تناول الكحول بشكل غير سوي، و1.4 في المئة مدمنون على الخمر، وهي العوامل التي تؤدي إلى رفع مؤشرات هذه الأمراض في أوساط المغاربة، والتي تتفاقم حدتها يوما عن يوم. اختصاص الطب العقلي لم يعرفه المغرب إلى مطلع السبعينات من خلال 3 مختصين تلقوا دراستهم وتكوينهم في فرنسا، ثم اندمجت فيما بعد تيارات علم النفس لتصبح علما قائما بذاتها يُدرس في الجامعة ما بين 1970 و 1980 يفتح الباب للحصول على إجازة في 3 سنوات وماستر في خمسة أعوام، الذي يُعتبر الحاصل عليه مختصا في علم النفس، والمقصود به التجريبي أو العيادي الإكلينيكي الذي يضم التحليل النفسي، في حين عندما يتعلق الأمر بمستوى العلاج فإنه موكول للطبيب العقلي، المعالج والمحلل النفسي، فالمعالج النفسي حاصل على ماستر في علم النفس الإكلينيكي، والمحلل النفسي يسلك مسلكا خاصا وطويلا، الذي قد يكون طبيبا عاما قبل أن يتشعب في التكوين عبر الجمعية الدولية للتحليل النفسي أو احد فروعها، وهذه مسطرة أخرى. لكن ولإفراز مختصين في علم النفس، فإن المغرب لاتوجد به سوى 3 كليات لتوفير هذا الأمر، وهي كلية الرباط، والثانية بفاس، والثالثة فتحت أبوابها لهذا النوع من التدريس في 2011، علما بأن سلك الماستر في هذا التخصص، لا يُفتح إلا مرة كل 3 سنوات بالرباط، ومؤخرا خلال السنة الفارطة تم فتح ماستر في علم النفس تحت عنوان الإعاقة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، والحال انه في فرنسا مثلا، الحاصلون على شهادات الماستر في علم النفس الإكلينيكي يتراوح عددهم ما بين 100 و 200، في حين أنه في المغرب هناك شبه انعدام لهذه الفئة من الخريجين، وإن كان هناك حديث عن قرب افتتاح هذه الشعبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بابن مسيك بالدارالبيضاء، في وقت قد يجد البعض ضالته في القطاع الخاص من خلال مؤسستين خاصتين بالبيضاء، لكن بكلفة مادية تصل إلى 5 آلاف درهم شهريا، وهو ما ليس في متناول الجميع؟ مشهد قد يجعل المتأمل في تفاصيله في وضع حيرة، بالنظر إلى الأرقام الصادمة والمعطيات التي ترد على لسان المسؤولين وعلى رأسهم وزير الصحة. ففي الوقت الذي يرتفع الوعي عالميا بتطوير الاهتمام بعلم النفس الإكلينيكي، والتربوي، والمعرفي، تغيب الجامعات المغربية عن مواكبة هذا الموضوع، وتنتفي خطوات عملية لتكوين موارد جديدة داعمة لهذا التخصص، سيما علم النفس الإكلينكي الذي يتماشى مع الطب العقلي والنفسي، وهو ما يعبّد الطريق لاستمرار نفس الوضع أو للتطور بشكل أفدح في القادم من الأيام التي لن تكون هناك أي غرابة إذا ما تم تقديم حصيلة أكثر ارتفاعا لأعطاب الصحة النفسية!