في ‬مفاهيم ‬الخطاب ‬الملكي:‬ من ‬تأطير ‬المواطنين ‬إلى ‬ترسيخ ‬ثقافة ‬النتائج    قال ‬إن ‬موسكو ‬مستعدة ‬لدعم ‬مخطط ‬الحكم ‬الذاتي ‬باعتباره ‬أحد ‬أشكال ‬تقرير ‬المصير:‬    المجتمع المدني والديمقراطية    ماذا يحدث في المغرب؟    التغيرات المناخية والوعي البيئي في عصر الأنثروبوسين، مقاربة ايكولوجية    المغرب يستقبل 15 مليون سائح خلال 9 أشهر    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    أسعار الذهب ترتفع قرب مستوى قياسي جديد    وصول ثاني أكسيد الكربون في الجو إلى مستوى قياسي في 2024    بعد 12 سنة من الجريمة التي هزت تونس.. أحكام بالإعدام والمؤبد في قضية اغتيال شكري بلعيد    تطوان تشهد وقفة تضامنية مع غزة ودعما لإعادة الإعمار    نزهة بدوان: "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" ترسيخ للمحلمة الوطنية    حملات ‬تحريضية ‬مجهولة ‬للزحف ‬نحو ‬مدينتي ‬سبتة ‬ومليلية ‬المحتلتين    دراسة: تحولات كيميائية في الحشيش المغربي المخزن طويلا تخلق فرصا جديدة للاستخدام الدوائي ضمن منظومة التقنين    بركة: المغرب يواجه احتمال سنة جفاف ثامنة على التوالي    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    إسرائيل تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة    الجيش الإسرائيلي: إحدى الجثث الأربع التي تسلمناها من حماس لا تخص أيا من الرهائن    الملك يترأس مجلسا وزاريا للتداول في توجهات قانون مالية 2026    السجن مابين 15 و3 سنوات لشباب احتجاجات آيت عميرة    طقس الأربعاء.. أجواء حارة نسبيا بالجنوب الشرقي ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق    وهبي: "سنلعب أمام المنتخب الفرنسي على نقاط قوتنا وبأسلوبنا المعتاد"    وليد الركراكي: التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026..المنتخب المغربي يواصل استخلاص الدروس والتحسن استعدادا لكأس أمم أفريقيا    "طنجة: الأمن يتفاعل مع مقاطع فيديو تُظهر مروجين للصخب الليلي ومدمنين على المخدرات    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    برلماني يسائل تدبير مؤسسة في وجدة    واشنطن.. صندوق النقد الدولي ومحافظو بنوك مركزية إفريقية يجددون تأكيد التزامهم بالتنمية المستدامة في إفريقيا    تتويج جمعية دكالة ضمن أفضل جمعيات المجتمع المدني بالمغرب في اليوم الوطني لمحاربة الأمية    كرة القدم: 16 فوزا متتاليا.. رقم قياسي عالمي جديد من توقيع أسود الأطلس    "الأشبال" جاهزون لمواجهة فرنسا    تصفيات إفريقيا لمونديال 2026: المغرب يهزم الكونغو ويحقق رقماً قياسياً عالمياً ب16 انتصاراً متتالياً    حمد الله يقود منتخب الرديف لانتصار ودي على الكويت بدبي    اتحاد الجمعيات الثقافية والفنية بالصحراء تثمن مضامين الخطاب الملكي بالبرلمان    "ساعة مع مبدع" في ضيافة الشاعر "محمد اللغافي    في نيويورك... أغلبية ساحقة تدعم مغربية الصحراء: الحكم الذاتي يترسخ كخيار واقعي ووحيد لإنهاء النزاع    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    تراجع مقلق في مخزون السدود بالمغرب إلى 32% بسبب الجفاف والتبخر    "الداخلية" تحيل ملف مزاعم رشوة عامل آسفي السابق على النيابة العامة    الرباط تحتضن نقاشا إفريقيا حول "حق التتبع" للفنانين التشكيليين والبصريين    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    رسميا.. تحديد موعد الديربي البيضاوي بين الرجاء والوداد    منير محقق يصدر «تحليل بنيات الحكاية الشعبية المغربية»    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الموسيقى والأغنية والفنون الاستعراضية والكوريغرافية    "أسعار الاستهلاك" ترتفع في المملكة    سانشيز: المسؤولون عن "الإبادة الجماعية" في غزة يجب أن يحاسبوا قضائيا    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    مهرجان بن جرير يكرم رشيد الوالي ويحتفي بذكرى محمد الشوبي    قادة أربع دول يوقعون وثيقة شاملة بشأن اتفاق إنهاء الحرب في غزة    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق من ذاكرة باهي .. 6
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 06 - 2016

أصدرت «حلقة أصدقاء باهي»، تحت إشراف عباس بودرقة، الأعمال الكاملة للفقيد محمد باهي: «رسالة باريس: يموت الحالم ولا يموت الحلم»، ويضم الكتاب، الذي تم تقديمه بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته، خمسة كتب استعرض خلالها المؤلف شهادته على العصر، وقدم لنا تحاليل غاية في الموسوعية.. في ما يلي نختار لقراء «الاتحاد الاشتراكي» أوراقا من ذاكرة محمد باهي، لنستعيد تلك الثقافة السياسية التي كانت يتمتع بها واحد من صانعي السياسة في بلادنا، وواحد من الذين تحصلت لديهم الخبرة والذكاء، واستطاعوا أن يقدموا لنا قراءة في قضية الصحراء، وفي امتداداتها وتعقيداتها والمساهمين الفعليين في ذلك..
وكيف يستطيع أي عاقل أن يفكر بعد الأخطاء الكبيرة المرتكبة، وأهمها فداحة، وآخرها دويا، طرد آلاف المواطنين المغاربة من الجزائر، في إمكانية إعطاء طابع ثوري للحرب المتوقعة؟ إنها ستكون مغامرة كبرى قد يحترق في أتونها جميع الذين أوقدوها. ولو أني كنت لا مباليا، أو ميكيافيليا، لصفقت للحرب باعتبار أنها سوف تخرج الوضع المغربي، والوضع في المغرب العربي عموما، من الحالة الروتينية التي هو عليها ولكن معرفتي العيانية -لا أقول هذا من باب التبجج وإنما للتأكيد على الطابع الواقعي لملاحظاتي- بالجزائر والمغرب، وإلمامي القليل بالأوضاع الدولية، تجعلني أسيل إلى الاعتقاد بأن الحرب، أيا ما تكون نتائجها، هي في آخر تحليل، كارثة وطنية وقومية. ولهذا أعارضها.
إن هناك توازنا بشريا وجغرافيا واقتصاديا يسمح للبلدين بخوض حرب طويلة أو قصيرة، يستطيع كل واحد منها أثناءها أن ينهك الآخر بما فيه الكفاية، والحديث هنا عن وقوف الإمبريالية في جانب، والاشتراكية في جانب آخر، يدخل في باب كلمات الحق التي يراد بها الباطل. بديهي أن الغرب وأمريكا سوف يقفان بشكل أو بآخر، وراء نظام الحسن الثاني، لعل تجربة القوة التي سيخوضها ضد حكم الرئيس هواري بومدين، أن تكون تعويضا عن الهزيمة التي منيت بها الإمبريالية في أنغولا. وبديهي أن الاتحاد السوفياتي قد يدعم الجزائر للصمود في وجه أي تصعيد قد يهدد نظامها الثوري. ولكن هذا البعد الدولي، ليس هو العنصر الحاسم في المرحلة الحالية. وحتى إذا كان كذلك، فهو لا يعفي أي واحد من مشقة التفكير المستقل، ورؤية الأشياء في عناصرها الأولى. وبدون أي نقد مبطن للاتحاد السوفياتي أو الفيتنام أو أية دولة اشتراكية تؤيد الجزائر، فنحن لا نعتقد في ظروف الصراع الدولي الراهن، أن المقياس الصحيح للمواقف التاريخية الصحيحة، هو ما تؤمن به هذه الجهة الدولية أو تلك. والحال أن العنصر الجوهري في الأزمة الراهنة، هو ظاهرة الإجماع الوطني المغربي حول الصحراء. إن هذه الظاهرة هي المسألة المركزية. ووحدهم المتعودون على تحريك الآراء العامة إعلاميا، أو الناطقون باسمهم، أو الذين يحتقرون الجماهير، أو يؤمنون بالمذهب البوليسي لتفسير التاريخ، يستطيعون أن يرتاحوا للتفسير القائل بأن رد فعل الشعب المغربي هو مجرد مناورة.
إن مثل هذه التفسيرات تبقى لغوا لأنصاف المثقفين يلتقطون الكلمات ويرددونها دون معرفة معانيها. وهي لا تستحق أي اهتمام لولا أنها تدخل في إطار مسلسل يبدو أن الذين أطلقوه، فقدوا السيطرة عليه. وهذا الفهم السطحي لحقيقة الأشياء، يمكن أن يعطي صورة مزيفة لمسؤولين من المفروض أن يتخذوا قراراتهم على ضوء معطيات أخرى. إن الاستمرار في تناول مشكلة الصحراء على أساس أنها لعبة ملكية، قد يقود إلى أوضاع تصبح فيها الحرب الشاملة الحل الوحيد أمام الطرفين. والحرب في الوضعية الراهنة، سوف تكون بالنسبة للجزائر، مثل حرب عبد الناصر في اليمن. مع فارق جوهري، هو أنه لا يوجد حاليا جمهوريون مغاربة تؤيدهم الجزائر، وإنما رأي عام مغربي ساهمت أخطاء السياسة الجزائرية في جعله يلتف حول الملك، ويعتقد أن عدوه الأول هو جزائر الثورة. ولقد خلفت حرب اليمن ظاهرة خطيرة هي عداء اليمنيين للمصريين، أدت إلى محو الظاهرة الإيجابية المتمثلة في تقوية النظام الجمهوري، وإذا نشبت الحرب، وانتصرت فيها الجزائر، فإنها ستخلف بالتأكيد ظاهرة مماثلة.
والسيناريو الذي سيؤدي للحرب جاهز منذ الآن. تقوم عناصر البوليزاريو من حين لآخر بهجومات خاطفة ضد المواقع المغربية في الصحراء، فيرد عليها الجيش المغربي، بعمليات تمشيط، وتتهم الحكومة المغربية الجزائر بأنها هي التي تدبر وتحرك كل شيء. وترد الجزائر بأن لا ناقة لها ولا جمل في الموضوع، وأن الصعوبات التي يواجهها المغاربة هي من فعل الصحراويين. وتتكرر الهجومات والهجومات العكسية. ورد رد الفعل، ورد ورد الفعل المضادة، ويشتد الإجماع الوطني بالمغرب وتتقوى التعبئة الوطنية بالجزائر، إلى أن يأتي يوم يجد فيه أحد الطرفين أن الكأس قد فاضت بما فيه الكفاية، فتحصل الضربة التي تقصم ظهر البعير. ويومها لن تكون هناك مشكلة "شعب صحراوي"، ولا تقرير مصير ولا بطيخ، وإنما حرب مغربية جزائرية، لعل الذين يحضرون لها الآن في غرفة العمليات لا يدركون طبيعتها ولا أبعادها. وسوف يذهب آلاف الشباب إلى الجبهة ونفوسهم معبأة للتضحية، ويسقط مئات القتلى في حرب داحس والغبراء، سلاحها الطائرات والدبابات والصواريخ، بدلا من السيوف والرماح والنبال، والقتلى الذين سقطوا أو الذين سيسقطون، سوف يشكلون مأساة بالنسبة للضمير العربي في المغرب. إنهم لا يمكن أن يعتبروا بأي حال من الأحوال شهداء، لأنهم ينتمون إلى شعب واحد ودين واحد، ولأن مدار المعركة ليس صراعا مذهبيا دينيا، وإنما هو منافسة دموية يلعب فيها كل واحد دورا شبيها بذلك الذي يلعبه أبطال مسرح العرائس "الكارطونيون". إن الشعب المغربي، رغم إجماعه الوطني على استرداد الصحراء، ليس راضيا عن أوضاعه الداخلية أو سياسة الملك العامة، ولكنه مسير لا مخير ولسان حاله يقول :
ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوا له ما من صداقته بدُّ
والشعب الجزائري ليس متحمسا بالتأكيد لمحاربة شقيقه المغربي، وسوف يذهب أبناؤه إلى الحرب، إن دُفعوا لذلك، وفي نفوسهم حزن عميق. والمأساة أن الخصائل الحربية متساوية عند الاثنين، ولكن من المؤكد أنه لو أُعطيت لهم الكلمة بحرية مطلقة حول مسألة الحرب، وشرحت لهما أبعادها ومخاطرها الحقيقية، لقالا لكل داعية حرب :
"... اذهب أنت وربك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون". صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.