مرة أخرى يفعلها «العنف الأقصى» فيضيف إلى ميتاته واغتيالاته، الكاتب الصحفي الأردني ناهض حتر، صبيحة الأحد الماضي وسط عمان، ووفق الإعلام الأردني كان القاتل إماما سابقا، وكان يرتدي «دشداشة ّ» وله لحية طويلة، وهذا يعني أنه شيخ سلفي نوافذه وشبابيكه مغلقة، ولم يتعد بعد، مرحلة أكل لحوم البشر. أما التهمة ، فالقاتل الذي أطلق الرصاص اعترف في التحقيقات أنه قتل حتر، بسبب منشوره الكاريكاتوري الذي يسيء للذات الإلهية كما كان أشيع حينها، وتمت محاكمته عليه، وكان الشهيد قد وضعه على حائطه في الفايسبوك، بالرغم من أن «الكاريكاتير كان يسخر من الإرهابيين وتصورهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الإلهية عما يروجه الإرهابيون وإخونجة داعشيون يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية، وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون.» قال وقتها ناهض حتر. ماعليناش .. قبض على المتهم واسمه في محاضر الأمن «رياض إسماعيل أحمد عبد لله»، وطبعا، سيحاكم بسنوات طوال وشاقة، وقد يعدم، ثم تطوى صفحته، كما كثير من صفحات ضحايا الرأي والفكر، واللائحة طويلة. وعلى ذكر الطي والنسيان، وحتى يسقط منا سهوا، فالراحل كان قد تعرض لمحاولة اغتيال سابقة، وموقوف عن الكتابة في الصحافة الأردنية منذ سبتمبر عام 2008، بسبب جرأته وعدم مهادنته أو تواطئه في مواجهة الإرهاب والتطرف بكل ألوانه وأطيافه . أقول، دفن ناهض حتر، قرئت عليه الفاتحة وتليت الكلمات الحزينة ، لكن الإرهاب الجذري يبقى حيا، هو فجيعتنا الراهنة، كما كانت الكوليرا والتيفويد فجيعة آبائنا وأجدادنا في القديم، طاعون تفنن في ابتداع الموت واغتيال العقل والرأي ،اغتيال سنسمع عنه غدا ونظل، ولن تتوقف رصاصاته، لأن التطرف والإرهاب فينا، قبل أن يكون خارقا لمجتمعاتنا، هو في رحم ثقافتنا، تسكنه ويسكنها، كما تقيم فيه ويقيم فيها، وإلا ما الذي ننتظره من مجتمعات اتسعت فيها دائرة المحرم الديني، وتتداول فيها ثقافة الفصل بين الذكر والأنثى، غير أجيال لا تؤمن بالانفتاح ولا تقبل اللهو. وما الذي ننتظره من مجتمعات يسيطر على تفسيرات نصوصها فقهاء لا تاريخيون «بحيث أن الآيات التي تحض على قتل قريش يعاد تحيينها في سياق مغاير تماما»، سوى إنتاج كائنات تضيق بكل وإبداع واجتهاد . وما الذي ننتظره من برامج دراسية تشد الحاضر إلى الماضي، وسينما وتلفزيون يعيدان إنتاج نفس المسلسلات والأفلام التي تظهر التاريخ الإسلامي «سوبر» مثالي وأنقى من ماء زمزم، غير إنتاج خرائط ذهنية تضيق بالتسامح والتعدد وثقافة الاختلاف . بل وما الذي ننتظره من مؤسسات دينية إسلامية يتلذذ أئمتها بإهدار دماء الآخرين وتدميرهم وتيتيمهم وتجويعهم، غير أن تلد كائنات مكبوتة تفعل أي شيء من أجل التمسك برأيها وإنتاج ثقافة الموت، حتى ولو أقيمت المذابح وشيدت المتاريس، واستعملت السيوف والسكاكين ذات النصلين. بل وما الذي ننتظر من بيوت ومدارس بلا نوافذ ،إلا أن إنتاج من يكره الحياة، ويصاب بالضجر ، وقد يحلم بتكسير الحيطان بما أوتي من تطرف وعنف كي يستنشق الهواء قليلا. وجملة القول، ما أحوجنا إلى الجرأة والمكاشفة، الجرأة في مواجهة تراثنا بكل مساوئه، وهذا من شأنها أن يكون لبنة تعري عن مكبوتات ماضينا حتى لا يلبسنا ونلبسه، أما المكاشفة، فهي التي تعني لدى الباحث التونسي رجاء بن سلامة أن: «نصارح المسلمين الحاليين بالبؤس الذي بلغوه نتيجة عدم تمييزهم بين ما يمكن ان نرثه وما لا يمكن أن نرثه».