ملف العقيد القذافي ومن معه اليوم أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومبحوث عنه مع نفس المجموعة التي تشكل أعمدة النظام الليبي من طرف الانتربول .والجربمة التي قد يتابع بها الطاقم الذي جثم على صدر هذا البلد المغاربي ، تتلخص في اقترافهم جرائم ضد الانسانية. في منتصف فبراير اتضح أن نظام القذافي يواجه ثورة شعبه المطالب بالديمقراطية ، بشراسة تتمثل في مجازر رهيبة استهدفت عدة مدن. وبقدر ماكانت الثورة تتسع وتنخرط فيها مناطق ليبية عديدة، بقدر ماكان القذافي يسخر كتائبه المسلحة التي يقودها هو وبعض أبنائه والموالين له ، لتقتيل المدنيين ، مستعينا في ذلك بمرتزقة أجرتهم بعض الشركات وجلبتهم من دول أفريقية . ولأن مجازر القذافي اتسع نطاقها وافتضح أمرها ،بل وأفصح عنها العقيد في خطبه خاصة خطاب «زنكا زنكا» الشهير، كان لابد للمجتمع الدولي أن يتحرك من خلال الآليات المؤسساتية والقانونية المتاحة له. ونادت المنظمات غير الحكومية الدولية بملاحقة القذافي قضائيا بعد أن ثبت لديها ، وبالأدلة، أن ما يقوم به يرقى إلى مستوى جرائم ضد الانسانية. وعزز هذا التوجه الدبلوماسيون الليبيون الذين انشقوا عن القذافي، وخاصة مندوبي ليبيا بالأممالمتحدة والجامعة العربية والعواصم الغربية. في البداية أصدر مجلس الامن تصريحا طالب فيه بوقف المجازر المقترفة ، وأدان فيه مايرتكبه القذافي من أعمال تتنافى والقانون الدولي . ولأن العقيد «أصم » سياسيا ، استجمع طيلة رئاسته لليبيا منذ أربعة عقود كل أنواع الغرور والغطرسة والحمق ، عقد مجلس الامن إجتماعا جديدا أصدر على إثره قرارا في 27 فبراير الماضي يحمل رقم 1970 ، ومن بين ماجاء فيه : «إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية - يقرر(مجلس الامن) إحالة الوضع القائم في الجماهيرية العربية الليبية منذ 15 فبراير 2011 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؛ - يقرر أن تتعاون السلطات الليبية تعاونًا كاملا مع المحكمة و مع المدعي العام وتقدم لهما ما يلزمهما من مساعدة عملا بمقتضيات هذا القرار ، وإذ يسلم بأن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي لا يقع عليها أي التزام بموجب ذلك النظام، يحث جميع الدول والمنظمات الإقليمية وسائر المنظمات الدولية المهتمة بالأمر على التعاون التام مع المحكمة والمدعي العام؛ - يقرر أن الرعايا، أو المسؤولين الحاليين أو السابقين، أو الأفراد القادمين من دولة خارج الجماهيرية العربية الليبية وليست طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يخضعون للولاية القضائية الحصرية لتلك الدولة في جميع ما يُزعم وقوعه من تصرفات أو أعمال تقصير ناجمة عن العمليات التي ينشئها أو يأذن مجلس الأمن في الجماهيرية العربية الليبية أو تكون متصلة ، ما لم تتنازل الدولة صراحة عن تلك الولاية القضائية الحصرية؛ - يدعو المدعي العام إلى إفادة المجلس بالإجراءات المتخذة عملا بهذا القرار في غضون شهرين من اتخاذه ومرة كل ستة أشهر بعد ذلك؛ - يسلم بأن الأممالمتحدة لن تتحمل أي نفقات تنجم عن إجراء الإحالة، بما في ذلك ما يتصل بها من نفقات تتعلق بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية، وأن تتحمل تلك التكاليف أطراف نظام روما الأساسي والدول التي ترغب في الإسهام فيها طواعية» وفي بداية مارس الجاري أعلن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو انه سيفتح تحقيقا بحق 10 الى 15 مسؤولا ليبيا يشتبه في ارتكابهم «جرائم ضد الانسانية» وقيامهم بأعمال «خطيرة جدا بحق السكان المدنيين ». وفي 3 مارس قال أوكامبو إنه قد يتقرر إخضاع الزعيم الليبي معمر القذافي وأولاده وأفراد من دائرته المقربة للتحقيق بتهمة ارتكاب قوات الأمن الليبية جرائم محتملة ضد الإنسانية. وأضاف أوكامبو من مقر المحكمة التي تنظر في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في لاهاي، أنه يمكن صدور مذكرات اعتقال في ما يتعلق بليبيا في غضون أشهر قليلة. وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في لاهاي «نود أن نعلن لكم أن مكتب المدعي العام قرر في الثالث من مارس 2011 فتح تحقيق حول جرائم ضد الإنسانية قد تكون ارتكبت في ليبيا منذ 15 فبراير ». وأضاف أن التحقيق يشمل معمر القذافي والحلقة المقربة منه بمن فيهم ابناؤه . وتابع: «لكننا حددنا أيضاً أفراداً يتمتعون بسلطة بحكم الأمر الواقع (...) يمكن تحميلهم المسؤولية في نظر القانون». كما حدد المدعي العام «وزير الخارجية ورئيس جهاز امن النظام والاستخبارات العسكرية ورئيس الأمن الشخصي للقذافي ورئيس منظمة الأمن القومي»، من دون تعيينهم بالاسم. ووزير الخارجية موسى كوسة ورئيس جهاز الامن الخارجي هو ابو زيد عمر دوردة، ومسؤول الامن القومي هو المعتصم نجل القذافي. وتابع المدعي العام «نريد اغتنام هذه الفرصة للتنويه بأن إذا كانت القوات التي يقودونها ترتكب هذه الجرائم، فيمكن تحميلهم المسؤولية قضائياً». ويوما بعد الندوة الصحافية لأوكامبو ، أصدر الانتربول مذكرة برتقالية ضد القذافي و15 من المقربين منه. وذكر الانتربول في المذكرة التي نشرها على موقعه على الانترنت، أن المذكرة صدرت بناء على فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مع القذافي وعدد من أبنائه والمقربين منه لاحتمال ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية خلال الأحداث التي تشهدها ليبيا منذ منتصف فبراير . كما يأتي الأمر على خلفية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 بفرض عقوبات على القذافي وعدد من أبنائه والمقربين منه. وذكر الانتربول أنه تم تزويد قاعدة بياناته بأسماء الأشخاص المطلوبين وأموالهم المجمدة وتم تعميم أسمائهم وبياناتهم على مختلف منافذ الدخول لجميع الدول الأعضاء في الشرطة الدولية. وشملت مذكرة الاعتقال: - العقيد معمر القذافي، قائد ما يسميه هو ب«الثورة الليبية»، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول عن إصدار الأوامر بقمع المتظاهرين، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وصدر أمر الاعتقال له بناء على قرار الأممالمتحدة بحظر سفره وتجميد أمواله. - الدكتور عبدالقادر محمد البغدادي، رئيس مكتب الارتباط في مايسمى ب«اللجان الشعبية»، والمتهم باستخدام العنف ضد المتظاهرين. - أبو زيد عمر دردة، رئيس جهاز المخابرات الخارجية الليبي، وأحد الموالين للنظام، وقد صدر قرار دولي بمنعه من السفر - اللواء أبو بكر يونس جابر، وزير الدفاع والمسؤول العام عن مجمل تحركات القوات اللليبية، وصدر بحقه قرار دولي بمنعه من السفر. - عائشة معمر القذافي، ابنة الزعيم الليبي، ومن المقربين جدا للنظام، صدر بحقها قرار دولي بمنع السفر وتجميد أموالها. - هانيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي، ومن المقربين للنظام، وصدر بحقه قرار بحظر السفروتجميد أمواله. - المعتصم القذافي، نجل الزعيم وصدر بحقه قرار حظر سفر وتجميد أموال. - الساعدي القذافي، نجل الزعيم، ومن المقربين من النظام، ويقود وحدات عسكرية متهمة بقمع المتظاهرين، وصدر بحقه قرار حظر سفر وتجميد أمواله. - سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم، وحرضت بياناته النارية على العنف ضد المتظاهرين، وصدر ضده قرار بمنع السفر وتجميد أمواله. - عبدالقادر يوسف دبري، رئيس الأمن الخاص للقذافي، ومتهم بعمليات قمع وترويع وعنف ضد المتظاهرين، وصدر بحقه قرار بمنع السفر. - معتوق محمد معتوق، أحد أعضاء النظام البارزين، ومنخرط في اللجان الشعبية الثورية، وله تاريخ سابق في قمع المنشقين. - سيد محمد قذاف الدم، ابن عم الزعيم الليبي، وشارك في الماضي في عمليات قتل وتصفية معارضين، ومسؤول عن مقتل العشرات من المعارضين الليبين في أوروبا، كما أنه يشتبه في أنه ضالع في عمليات شراء وبيع الأسلحة. - خميس القذافي نجل الزعيم الليبي، ومن المقربين للنظام، ويقود وحدات عسكرية تشارك في قمع متظاهرين. - محمد معمر القذافي، نجل الزعيم ومن المقربين من النظام. - سيف العرب القذافي، نجل العقيد ومن المقربين للنظام، وصدر ضده قرار بمنع السفر وتجميد أمواله. إن مسؤولية القذافي الجنائية ثابتة وواضحة ، فالعقيد أباح في خطاباته تقتيل المدنيين ، وأولاده يقودون كتائب تستهدف المدن والمناطق التي تشهد المظاهرات المناوئة للنظام القائم. والشهود يدلون يوميا بشهادات فظيعة عن مجازر جماعية وقنبلة التجمعات السكنية بالمدفعية والطائرات ، واختطاف الجرحى من المستشفيات وإعدامهم . هذه كلها أدلة تؤكد مسؤولية القذافي أولا باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يعطيها الاوامر لأنها تخضع لسيطرته وتنفذ أوامره، وثانيا لأنه كرئيس للبلاد ، لم يتخذ الاجراءات الضرورية لحماية شعبه ، بل اتخذ الاجراءات لارتكاب جرائم ضد الانسانية، وبالتالي فالجريمة ثابتة ضده وضد من معه.