سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع            توقعات أحوال الطقس غدا السبت    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    الإعلان عن إغلاق السجن المحلي بطنجة    حكومة مدريد تقوم بنقل 100 مراهق مغربي من سبتة المحتلة إلى البر الإسباني    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة الأراضي المنخفضة والملكة ماكسيما بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراة اتحاد العاصمة الجزائري    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    نسبة انتشار التدخين بين التلاميذ اللي عمرهم بين 13 و15 عام وصلات ل6 % وبنموسى: الظاهرة من الأسباب المباشرة ديال ضعف التحصيل الدراسي    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    واش غايسمعو ليه؟.. بركة خايف يتفركع المؤتمر وصيفط رسالة للمؤتمرين: استحضروا التوافقات البناءة وقيم حب الوطن – فيديو    تعليمات خاصة من الكاف لمراقبة الصغيرة والكبيرة فديبلاصمون اتحاد العاصمة للمغرب تفاديا لتزوير الحقائق وكذوب الكابرانات    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    وانغ يي يتلقى مقابلة تحريرية مع شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    من بينهم الرجاء والوداد.. "الفيفا" تمنع 12 فريقا مغربيا من التعاقدات    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    درنا الرقمنة بكري.. الوزيرة مزور فتحات كونكور مدير التحول الرقمي ومن الشروط تجيب خمس نسخ ورقية من الضوسي باش دفع للمنصب    أخنوش.. هذا ما يمنع الزيادة في أسعار "البوطاغاز"    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    طلبة الطب يقررون تعليق كل الخطوات الاحتجاجية وفسح المجال للحوار    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    زلزال استقالات يضرب الخارجية الأمريكية بسبب دعم بايدن لحرب إسرائيل على غزة    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    الأمثال العامية بتطوان... (582)    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أماكن الموت في «سماء جاحدة» لمصطفى قلوشي

قدر أن تكون الكتابة عن المكان مكان في حد ذاته، وقدر أن نغوص في ثنايا القصيدة ونحن ندرك أن الفضاء الشعري ينفلت انفلاتا ماكرا ويرفض الانصياع لجدلية الزمان والمكان، بل وقدر أن يهدف الشاعر وراء هندسة فضائية تأنث أحلامه فيجد نفسه قابعا في القصيدة عوض أن تسكنه.تلك هي لعبة الأماكن ذكية وماكرة إن تمكنت من صاحبها. هي علاقة تواطئ توشي بصاحبها إلى طريق اللاعودة، طريق اللاتوقف.
فقط ونحن نباشر عملية اكتشاف عوالم الأمكنة المخترقة بالموت، لابد من التأكيد أننا لا نريد بجمالية المكان ذلك المنحى الشكلي الذي اتسمت به الاتجاهات النقدية الجمالية طوال القرن الماضي، ذلك ان الجمالية هي بحث في نسق العناصر المكونة للظاهرة، لبيان الوظيفة التي تقوم بها داخل العمل الأدبي بشكل عام، فنحن نحاول التأكيد على الصورة الشعرية كفعالية لغوية، تخرج أنظمة اللغة من بعدها الإشاري إلى بعد مجازي تصويري ورمزي، بمعنى أنها «علاقة لغوية متولدة» تتمتع بخصوصياتها من السياق والموضوع من داخل النص المعالج، فهي لذلك بتعبير بشلار: « تعبر عني بتحويلي أنا إلى ما تعبر عنه»
من البديهي ان المكان يدرك ادراكا حسيا مباشرا، يبدأ بخبرة الإنسان لجسده : هذا الجسد هو « مكان» أو لنقل بعبارة أخرى : مكمن» القوة النفسية والعقلية والعاطفية والحيوانية للكائن الحي.
حوارية المكان والذات تؤسس، منذ صفحة الإهداء، لذلك المكمن الذي يغازل ذات الشاعر ويضعه تحت حتمية اللانعتاق، «هناك أمكنة نسكنها، وأمكنة أخرى تسكننا». القلوشي وهو قبال ازدواجية « الحلول» في القضاء يكشف منذ الانطلاقة تفاعله العميق مع فضاءات القصيدة، فضاءات تتوزع بين سفر في أمكنة الموت وسفر الخيبات والهزيمة :
« أبلغ دهاليز الموتى،
أسامرهم،
واعرف منهم اسرار الليل
.... ليل الشتاء الطويل (ص. 7و 8)
يستطرد في الشذرة الموالية ليجعل من السفر حميمية توطد لعلاقته بالعالم الآخر، هو بالتأكيد رفض « للآن وللهنا» نفور من الهزائم المسترسلة للحياة. هو بحث مستمر عمن نحبهم ولكنهم تركوا « هنا» وفروا بجلودهم نحو مكمن ليل شتاء عميق:
أيها الموتى الذين أحبهم،
انصتوا لما تقوله الريح
للصفصاف الحزين ...
ولا تسرقوا صوركم من درج الماضي
الجميل ........
أيها الموتى الذين احبهم،
انتظروني عند صفة
الحلم الأخير،
ولا تطفئوا قمرا
يسامر ليل الشتاء
الطويل ........... (ص.8)
وأنت تتأمل فضاءات الحلم، الحلم بعالم آخر أكثر حبا واصدق تواصلا نجد القلوشي يتعب اللغة باستعارات ممكنة وأخرى متعسفة، فتارة يحملك إلى لغة الرمز وهو بذلك يدفع بشعريته نحو خطاب عال يسمو بالوجدان إلى درجة الانفعال وتارة أخرى يجعل من المجاز قنطرة العبور إلى أماكن اللاممكن، فهو بين عالمين : عالم آني يبعث على القلق والنفور والغضب وآخر يتجرد من كل هذا ويحملك إلى المطلق بقيمه وتأثيتاته المبنية على الحوار والتواصل مع الموتى.
لكن المربك في لغة القلوشي هو أن مكان الموتى ليس في حد ذاته إلا مجازا، الموتى الحقيقيون يقيمون بيننا والأحياء هم من رحلوا ورفضوا البقاء بيننا يلح الشاعر بقوة في سؤاله :
«لماذا يموت هؤلاء الذين يصنعون فينا القدرة على الحياة ؟»
(ص.13)
تيمة الميتافزىقا تندحر أمام رغبة الشاعر في تاسيس عوالم جديدة تولد من رحم القصيدة بحثا عن تلك السعادة المنفلتة والتي لا تجد مستقرا لها إلا بين أحضان الردئ:
« أيها الموت ...........
يا عزلة الضوء
في متاهة الروح
يا غربة الصمت
في صحاري العراء .......
هل لك أن تمنعني فسحة
لأتهجى ما تخطه يد الخسارات
على نعشي ....... ؟؟ (ص.67)
يظهر شجى الشاعر واضحا وهو يحمل موته بيده يصير الجسد الحي ميتا بفعل الهزائم، وكأن بحجم الخسارات يسابق الزمن للظفر بفسحة تمكن الشاعر من تصفية حساباته الآتية، وكم هي متراكمة! ليس صدفة أن تعقب شذرة « خسارة» (ص.72) شذرة أخرى تحمل عنوانا خادعا» صديق» ص.72
من غيمة بعيدة
بين ماء وسماء
جاء .......
يبحث عن ظل للموت
عن مدى مشرع لدمه
أو خطاه
لم يسعفه الوقت
ولا شيعت جنازته شموس
وأقمار .......
......... مضى خائبا
دون ان يلتفت لصمت..........(ص.72 و73)
هل خذل الشاعر في بني جلدته حتى صار ينشد القرب في متاهات الكتابة المأتمية؟ لن نتعب كثيرا ونحن نلمس التواطؤالماكر بين مثالية الشاعر وانعكاسات الموت اللامنتهية، وهوتارة يؤسس لحلم منفلت وأخرى يتأرجح بين حقيقة المنايا : في قصيدة « كأنه العدم» تبدأ لعبة الأزمنة : « هناك ازمنة نخترقها وأخرى تخترقنا»، لعبة تعود لاستنطاق الذاكرة وتنادي بالزمن الجميل فيه «صور بالأبيض والأسود» وحب عابر لقارات النسيان، أمكنة العدم ترفض هندسة مصطنعة في الزمكان، تتوق لفضاء ينبض حرية هو غير هنا بل هو بعيد هناك. حتى المرأة في شغف الشاعر تعج بالنوى، بصور الخسارات. كل شيء صار عند الشاعر زيف في أمكنة الحاضر، وحدها ذاته تحمل حقيقة نعشه في اغتراب ممل :
كان يقينا ما رأيت
اغتراب الاشياء
عن أسمائها
أسراب حلم تحت
جلدي تحتضر
لآخر زفرة .......... (ص.41)
إن ما يشد القارئ داخل جدلية الموت والحياة في شعرية القلوشي هو هذا التفاعل الإيجابي بين الذات الكاتبة لتراتيل الاحتضار وحلم البحث عن بديل أفضل ينسي الشاعر نكبات « الهنا والآن» .
تبقى تيمة أمكنة الموت ذات شحنات صائبة يؤثثها الشاعر بسيل من التأملات والتساؤلات تفضي به إلى تجاوز سلبيات « الهنا» وهو يسافر عبر عوالم اخرى تخفف صدمته وألمه، هو الآن يرهن كيانه بهؤلاء الموتى الاحياء، يردد أناشيدهم ويهتف من خلال صرخاتهم. انهم الشعراء ! فهم،
يقيمون في أرض
عراء
يغازلون قصائد عابرة
قلوبهم أخف من سمة آدار
أو من أثر فراشة على ضوء
بعيد ............
يحرسون أحلامنا من قطاع الوقت (ص.49)
هم الشعراء فقط من لهم قدرة المواجهة لشبح العدم، هم فقط من يملكون قدرهم، يحيون متى شاؤوا ويموتون كما يريدون: إلى صفهم ينضم مبدع « سماء جاحدة» وهو كله أمل يتوسد العراء ويفاوض هزائمه:
« لأغسل وجه خسارتي
وأضمد جراحات عطشى (ص.51)
هنا أيضا نقطة أخرى تتعب المتلقي وهو يصحب كتابة القلوشي بقراءته المنفلتة. محاولة احتواء المسكوت عنه في مجمل شعره، هي بالتأكيد عملية مستعصية فالشاعر يسلك سبل الاختزال والاختزال المكثف، فكتابة الشذرة تخفي بين سطورها اداعاءات أخرى أقوى من المصرح بها، بل وحتى الصورة الشعرية تقاوم بشدة معنى المباشر وغير المباشر، لذلك تبقى محاولة اختلاس ايحاءات «الشذرة الشعرية القلوشية» مجرد مجهود يائس أمام كثافة وانفلات الغير المعبر عنه في شعرية «سماء جاحدة « من هنا لابد من التذكير أن عبورنا لديوان القلوشي على مستوى تيمات «أمكنة الموت» لا يعلو على ما تضمره ايحاءاتها من تنوع مطبوع بمقاومة قوية ترفض الاستسلام للمعنى المباشر في قراءة انطباعية بعيدا عن اكراهات النظرية النقدية والتحليل ذا الأبعاد الجمالية والشعرية.
لو تسعفنا سفينة العبور إلى عمق معاني أمكنة الموت لكنا قد كشفنا عن كل ما تبوح به هاته الأمكنة من اسرار، فقط تروق للكتابة الشعرية عند القلوشي أن تضمر اكثر مما تكشف، هي فعل كتابة متعبة، فحتى وأنت تنجذب إليها انجذابا ساحرا تغرر بك وتتركك بين الموت والحياة.
هنا فقط تبرز قوة الصورة الشعرية في سهولتها «الماكرة» تمنع متجذر ومتين يستعصي على الباحث الإحاطة به دون خطر الغواية.
شعر القلوشي امراة جميلة جدا توقعك في شباكها وتتلذذ بتعذيبك دون أن تشفي غليلك أو تهبك وصلها: قمة الغواية الشعرية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.