بدأت واشنطن تدرك الأهمية الاستراتيجية للمنطقة المغاربية، والمغرب على وجه الخصوص منذ فترة الحرب العالمية الثانية، إذ اعتبرت المنطقة قاعدة مثلى للجبهة الجنوبية خلال الحرب، خصوصا بعد تحالف إسبانيا فرانكو مع النازية. وإبان الحرب الباردة، اعتبرت أمريكا وحلفاؤها التغلغل السوفياتي في إفريقيا في ستينات وسبعينات القرن الماضي تهديدا لها وتحديا لسياسة الاحتواء التي كان من بين أهدافها وضع حد لهذا التمدد، كما أن الاهتمام الأمريكي بالمغرب كان مرده خلال فترة التسعينات إلى الرغبة في الاعتماد على مكانة البلد في العالم العربي من أجل التشجيع أكثر على إقامة «سلام شامل» مع إسرائيل، وهو ما أعطى ثماره بتمكن المغرب من إقناع مصر بالذهاب إلى «كامب ديفيد». ومن هذه المنطلقات، عملت الولاياتالمتحدةالأمريكية على كسر القاعدة التي كانت قبل فترة الحرب الباردة، والتي كانت المنطقة المغاربية تعرف نفوذا أكبر لفرنسا، حيث سعت واشنطن إلى وضع تقسيم استراتيجي جديد لدوائر المصالح في العالم، وهو ما اتضح مع الخطاب التوجيهي الذي ألقاه الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب سنة 1990. ورغم ذلك، فقد ظلت المنطقة المغاربية تحظى خلال فترة التسعينات من القرن الماضي بمكانة ثانوية في أجندة الاهتمامات الاستراتيجية الأمريكية، حتى إن تقرير الخارجية الأمريكية مستهل التسعينات حول «أسس السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية» لم يتحدث عن المغرب إلا في نقطتين: قضية الصحراء المغربية وقمة الملك الراحل الحسن الثاني وشمعون بيريز سنة 1986. ولقد استغلت الولاياتالمتحدةالأمريكية، خلال فترة حكم الرئيسين الجمهوريين رونالد ريغان (1981-1989) وجورج بوش الأب (1989-1993) ملف النزاع المغربي - الجزائري حول قضية الصحراء لتحرز تقدما في اختراق المنطقة وتحقيق المزيد من المصالح، خصوصا على حساب فرنسا التي ظلت لفترة طويلة صاحبة اليد الطولى في تدبير الخلافات المغربية - الجزائرية في هذا الملف. ولقد استفادت الولاياتالمتحدة كذلك من خروج القضية من يد منظمة الوحدة الإفريقية، بانسحاب المغرب منها، حيث سارعت إلى نقل الملف إلى إشرافها المباشر عبر بوابة الأممالمتحدة. ومع تزايد النفوذ الأمريكي بالمنطقة، بدأت تظهر المؤشرات الأولى للضغط على المغرب مع قدوم الرئيس الجمهوري الجديد جورج بوش الإبن سنة 2001. ففي نفس السنة عملت واشنطن على طرح تساؤلات بشأن الجدوى من استمرار بعثة المينورسو في أداء مهامها في ظل تعثر مسلسل الاستفتاء، حيث اعتبرت أنها ستواصل التصويت على استمرار مهمة البعثة الأممية، لكن مع التشديد على أن مدة مهامها ستتقلص لتتراوح ما بين شهر وثلاثة أشهر فقط. الضغط الأمريكي استمر وبلغ ذروته مع سعي واشنطن فرض خطة المبعوث الأممي إلى الصحراء، الأمريكي جيمس بيكر، على المغرب، وهي الخطة التي كانت تتضمن أربعة خيارات، يحمل بعضها في طياته تهديدا حقيقيا لمصالح المغرب، حيث تشير إلى خيار التقسيم وخيار الاستفتاء بعد خمس سنوات من اعتماد الحكم الذاتي. لكن هذا الضغط سيتم تجاوزه بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2003، حيث سيؤكد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يمكن لها أن تفرض أي شيء على المغرب وأنها تتفهم حساسية الموضوع بالنسبة للمغرب. التفهم الأمريكي للموقف المغربي في قضية الصحراء سيتجسد إثر تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي في 11أبريل2007، حيث وصف سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى الأممالمتحدة، زلماي خليل زادة، جهود المغرب بذات المصداقية ، كما اعتبرت القائمة بأعمال البعثة الأمريكية، جاكي والكوتساندرسي، أن المبادرة المغربية هي إطار جيد وواقعي للمفاوضات. وعلى المستوى الأمني، بلغ التنسيق الأمني بين المغرب والولاياتالمتحدة مستويات متقدمة خلال فترة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن. فبعد هجمات 11 شتنبر 2001، أعلن جورج وولكر بوش ما أسماه «الحرب العادلة ضد الإرهاب»، مع ما رافق ذلك من تغير في شكل الخطاب الأمريكي تجاه دول المنطقة المغاربية، خصوصا المغرب. ولقد تبين أن التعاون الأمني و التنسيق بين الطرفين يحظى بأهمية خاصة مقارنة بباقي أشكال التعاون الأخرى. و بمبادرة من المغرب تم عقد المنتدى الأورمتوسطي في دورته الأولى بالمغرب مابين 25 و 26 أكتوبر 2001 حيث كان محور الدورة هو «تفجيرات 11 شتنبر». و استمر الدعم المغربي لمحاربة الإرهاب بانخراط المغرب في 24 اتفاقية ومعاهدة دولية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإرهاب ابتداء من دجنبر 2001. وبعد 11 من شتنبر دعا المنتدى المتوسطي إلى توظيف كل البنى الأمنية والعسكرية المتوفرة. وعلى هذا الأساس، سينخرط المغرب لاحقا في عمليات «المسعى النشيط» التي أطلقها حلف الناتو، لتعزيز قدراته لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وأسلحة الدمار الشامل. ثم جاءت بعد ذلك الجولة المغاربية بالتناوب لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ولوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد سنة 2006، لتؤكد تصور جورج بوش الإبن الذي يضع المسائل الأمنية والعسكرية على رأس الأولويات قبل الملفات السياسية بما فيها الإصلاحات التي تمحور حولها منتدى المستقبل الذي استضافته الرباط سنة 2004 بحضور عدد كبير من وزراء الخارجية الغربيين والعرب، حيث عرفت المرحلة ارتفاع وتيرة التنسيق الاستخباراتي والعسكري على حساب باقي الملفات. وبعد إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية عن مبادرة (إسطنبول للتعاون) سيصبح المغرب في فترة حكم جورج وولكر بوش شريكا للحلف بعد أن كان محاورا له، و التي تجلت أساسا في الاتفاق الذي وقع بين المغرب و الحلف في يونيو 2008، حول المشاركة المغربية في العمليات الأمنية البحرية على طول حوض البحر الأبيض المتوسط.