إجراءات الحكومة تساعد على الحفاظ على استقرار أسعار السمك في مستويات معقولة    طقس الأربعاء ممطر في بعض المناطق    سقوط عشرات القتلى في قطاع غزة    الجديدة.. تأجيل محاكمة شبكة 'السمسرة والتلاعب بالمزادات العقارية' إلى 4 نونبر المقبل    آفاق واعدة تنتظر طلبة ماستر "المهن القانونية والقضائية والتحولات الاقتصادية والرقمية" بطنجة    قاض يعلق على الأحكام الصادرة في حق المتورطين في أحداث "جيل زد"    وزير النقل واللوجيستيك يترأس أشغال تقديم/تجريب نموذج السيارة الذكية    "حماس" تؤجل موعد تسليم جثة رهينة    "لبؤات U17" يغادرن مونديال الفتيات    الملك يتمنى التوفيق لرئيس الكاميرون    النيابة العامة تؤكد ضمان المحاكمة العادلة في "جرائم التجمهرات" بالمغرب    الطالبي العلمي يستقبل رازا في الرباط    واشنطن تُسرّع خطوات فتح قنصليتها في الداخلة قبل تصويت مجلس الأمن    مسرح رياض السلطان يطلق برنامج نوفمبر 2025: شهر من التنوع الفني والثقافي بطنجة    اغتصاب وسرقة بالعنف يقودان إلى اعتقال أربعيني بسيدي البرنوصي    هل نأكل الورق بدل القمح؟ التويزي يكشف اختلالات خطيرة في منظومة الدعم بالمغرب    بمشاركة مغربية.. "مجلة الإيسيسكو" تحتفي بالهوية والسرد والذكاء الاصطناعي في عددها الرابع    فرق المعارضة بمجلس النواب .. مشروع قانون المالية يفتقد إلى الجرأة ولا يستجيب لتطلعات المواطنين    الأمن الوطني يحصي 32 وفاة و3157 إصابة وغرامات ب8.9 مليون درهم خلال أسبوع    الحكومة البريطانية تجدد التأكيد على دعمها لمخطط الحكم الذاتي    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    شهيد يرد على الأحرار: "تُشيطنون" المعارضة وتجهلون التاريخ وحقوق الإنسان والممارسة السياسية (فيديو)    ندوة فكرية بمراكش حول "مجموعة اليواقيت العصرية"، للمؤرخ والعلامة محمد ابن الموقت المراكشي    الصحراء المغربية على أعتاب لحظة الحسم الأممية... معركة دبلوماسية أخيرة تُكرّس تفوق المغرب وعزلة الجزائر    الفريق الاستقلالي: المناطق الجبلية تعاني التهميش.. والمؤشر الاجتماعي يعرقل تنزيل الورش الملكي    توقيع اتفاقية برنامج "تدرج" بالدار البيضاء    "الديربي البيضاوي".. الإثارة والتنافس يلتقيان في مركب محمد الخامس    لقاء أدبي بالرباط يحتفي برواية «أثر الطير» لثريا ماجدولين    سعيد بوكرامي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ابن خلدون سنغور للترجمة    لقاء أدبي مع لطيفة لبصير بتطوان احتفاء ب«طيف سبيبة»    العصبة الاحترافية تعلن تغيير موعد مباراة الوداد واتحاد طنجة    "أمازون" تستغني عن خدمات 14 ألف موظف وتتجه إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    ريال مدريد يعلن خضوع كارفخال لعملية جراحية ناجحة    إغلاق نهائي لسجن عين برجة بسبب تدهور بنيانه وخطورته على النزلاء    الاتحاد الإفريقي يدين "فظائع الفاشر"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    مايكروسوفت: المغرب ثالث أكثر الدول الإفريقية تعرضا للهجمات السيبرانية    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية:أضواء على صفحات منسية من تاريخ الحركة الأدبية بالمغرب، من خلال سيرة الشاعر أحمد الزعيمي وديوانه المحقق..    صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (8)    عبد الإله المجدوبي.. العرائشي الذي أعاد للذاكرة دفئها وللمكان روحه    فضيحة تحكيمية تهز كرة القدم التركية    قيوح: نعمل على اقتناء 168 قطارا جديدا بينها 18 قطارًا فائق السرعة    بدوان تحمل العلم الوطني في المرحلة 11 "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    صلاح وحكيمي ضمن ترشيحات "فيفبرو"    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    إقبال متزايد على برنامج دعم السكن..    المغرب يتوفر على إمكانات "مهمة" للنهوض بفلاحة مستدامة (ممثل الفاو)    تقرير أممي يتهم أكثر من 60 دولة بينها المغرب بالمشاركة أو التواطؤ في إبادة غزة    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخرجون نجوم : دافيد لينش.. السينما بين الحدود غير الواضحة بين واقعين مختلفين

السينما من وجهة نظر دافيد لينش هى عملية تحويل حلم إلى فيلم سينمائى بالكشف عن لامعقولية العالم الحلمى فى الظروف العادية، ومن أجل هذا يستخدم دافيد لينش السرد المُتجزء وعدد لا حصر له من الكوابيس واللقطات التى تُشبه الحلم، وسوف نلاحظ فى أفلامه تكراراً للقطات للنار، والطرق السريعة ليلاً، والدخان، والأضواء المتقطعة، ولقطات عديدة مُشوهة.
أراد دافيد لينش أن يُصبح رساماً عندما كان عمره 9 سنوات، لكنه وبينما كان يتعلم ليصبح رساماً، أدرك أنه باستخدام الوسيط السينمائى يستطيع عمل صور مؤثرة، وأن السينما يمكن أن تكون أكثر الوسائط تأثيراً فى التعبير عن رؤاه.
قال دافيد لينش إنه يُفضل السينما عن أى شكل فني آخر، لأن السينما نفسها تحتوى على فكرة الزمن والسرد والحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهذه الأشياء تُتيح له أن يعبر عن أفكاره وأحاسيسه التى لا يمكن التعبير عنها باستخدام أي وسيط فنى آخر.
دافيد لينش مخرج سينمائى أمريكى، تمثل أفلامه السينما المستقلة الناجحة، ودافيد لينش هو الوحيد من المخرجين الأمريكيين الذين نجحوا فى عمل أفلام فنية على الطريقة الأوروبية، وبالإضافة إلى أن دافيد لينش مخرجاً فإنه منتجاً وسيناريستاً، وهو أيضاً رساماً ومصوراً فوتوغرافياً وموسيقياً. ونستطيع ان نجد فى كل أفلامه أن العلاقة بين الاحلام والواقع من الموضوعات الأساسية، فالسريالية واللامعقول دائماً موجودان، وهو لا يلقى بالاً إلى الوسيط الفنى الذى يستخدمه سواء كان هذا الوسيط هو السينما أو التليفزيون، وغالباً فإن دافيد لينش يميل إلى الاحتفاظ بتأويلات أفلامه لنفسه فهو لا يبوح بها، فهو يترك هذه التأويلات لكى يستكشفها الجمهور بنفسه، ولأن أفلامه تصدر عن لا وعيه، فقد قال إنه يستمتع كثيراً بتأويلات الجمهور لأفلامه، وهذه التأويلات غالباً ما تكون مختلفة كلية عن رؤاه الخاصة.
وُلد دافيد لينش فى ميسولا بمونتانا فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1946، وبصرف النظر عن أن عائلته تنقلت كثيراً، فإن دافيد لينش عاش طفولة سعيدة، ورغم أنه وعائلته عاشا حياة الطبقة المتوسطة العادية، فدافيد لينش الطفل عرف أن الحدود بين الواقع والأحلام ليست جامدة، فقد قال «إنه عرف أن ثمة عالما آخر تحت سطح العالم الذى نعيشه، وأن عوالم أخرى يمكن اكتشافها إذا حفرت عميقاً تحت السطح»، ويقول لينش بأنه عرف هذا عندما كان طفلاً لكنه يقر بأنه استعصى عليه أن يجد دليلاً على زعمه.
العنصر السريالى فى أعمال دافيد لينش شديد الوضوح لأن عملية إخراج فيلم أو إبداع أي شكل فني من وجهة نظره ما هى إلى عملية لا وعي خالصة.
السينما من وجهة نظر دافيد لينش هى عملية تحويل حلم إلى فيلم سينمائى بالكشف عن لامعقولية العالم الحلمى فى الظروف العادية، ومن أجل هذا يستخدم دافيد لينش السرد المُتجزء وعدد لا حصر له من الكوابيس واللقطات التى تُشبه الحلم، وسوف نلاحظ فى أفلامه تكراراً للقطات للنار، والطرق السريعة ليلاً، والدخان، والأضواء المتقطعة، ولقطات عديدة مُشوهة.
أراد دافيد لينش أن يُصبح رساماً عندما كان عمره 9 سنوات، لكنه وبينما كان يتعلم ليصبح رساماً، أدرك أنه باستخدام الوسيط السينمائى يستطيع عمل صور مؤثرة، وأن السينما يمكن أن تكون أكثر الوسائط تأثيراً فى التعبير عن رؤاه.
قال دافيد لينش إنه يُفضل السينما عن أى شكل فني آخر، لأن السينما نفسها تحتوى على فكرة الزمن والسرد والحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهذه الأشياء تُتيح له أن يعبر عن أفكاره وأحاسيسه التى لا يمكن التعبير عنها باستخدام أي وسيط فنى آخر.
وهو يُفضل الصورة عن الكلمة، وهذا واضح فى أفلامه وخاصة فيلم «رأس الممحاة» الذى يتميز بشُح الحوار، ودافيد لينش على أيه حال ظل محافظاً على وجود ضوضاء تغلف شريط صوت أفلامه، كما انه يكتب موسيقى أفلامه بنفسه، وهو يستخدم الكلمات الغامضة كعنصر من عناصر عالمه الحلمى.كما ان الستارة الحمراء هى أحد الرموز التى يتكرر ظهورها فى أفلام دافيد لينش، وظهرت للمرة الأولى فى فيلم «الأزرق المخملى». وقد عبر عن ولعه بلحظة محددة – وهى لحظة جلوسك فى صالة السينما بينما الأضواء تنطفئ وتنفتح الستارة ويبدأ الفيلم، وهذا يأخذك إلى عالم آخر- هذه اللحظة المحددة هى التى ألهمت دافيد لينش أن يستخدم رمز الستارة الحمراء أكثر من مرة فى أفلامه.
وتُمثل الستارة الحمراء نوعاً من الفاصل بين الواقع المادى الحقيقى وبين عالم الحلم، ففى فيلم «توين بيكس» فإن الغرفة الحمراء بالستائر الجدارية الحمراء هى المكان الذى تتخذ فيه الأرواح شكلها المثالى، وهى المكان الوسط بين عالمين حيث يمكن لأى شيء أن يحدث ولا توجد مشكلة بالنسبة للزمن.
الأحلام
الأحلام هى واحدة من أكثر الموضوعات المُستخدمة فى أفلام دافيد لينش، وهو يفترض فى معظم أفلامه ان العالم الذى نعيش فيه ليس هو العالم الوحيد المتاح، وبالنسبه له فأن الواقع اليومى الذى نعيشه هو مجرد ظل لأفكار مظلمة وخطيرة وشهوانية تسيطر على الإنسان العادي.
معظم مواضيع أفلامه تبدو أسيرة الحدود غير الواضحة بين واقعين مختلفين، ولكن بدون معرفة يقينية بما هو الواقع الحقيقى وما هو الواقع الحلمى، فشخصية «إيجنت كوبر» فى فيلم «توين بيكس» يسأل نفس السؤال الذى يراودنا عندما نفكر في الأحلام، فهو يسأل «هل تعرف من أين تأتى الأحلام؟، الخلايا العصبية المركزية تُطلق شحنات عالية الفولت إلى مقدمة الدماغ، هذه الشحنات تُصبح صوراً، والصور تُصبح أحلاماً، لكن لا أحد يعرف لماذا نختار تلك الصور بالتحديد» وعن سر إهتمامه بالأحلام قال دافيد لينش «عندما تنام، فانت لا تتحكم فى أحلامك، وأنا أحب أن أخوض فى العالم الحلمى الذى أختلقه، فهو العالم الذى اخترته والذى أتحكم فيه بشكل كامل».
التباين بين الحلم والواقع وبين الخير والشر موجودان فى فيلم «الأزرق المخملي» حيث تنقسم بلدة إلى قسمين، قسم للخير والثراء وقسم للفقر والوضاعة، ونفس الحال مع الشخصيات الرئيسية، فهى تخلق تبايناً، فشخصية جيفري تُمثل الخير وشخصية فرانك تُمثل الشر، وشخصية ساندي تُمثل البراءة بينما شخصية دوروثى تُمثل الدناءة، والحقيقة أن العديد من عناصر أفلام دافيد لينش تقابلها عناصر عكسية فيما له علاقة بإيمانه بالعوالم الحلمية وبحقيقة أن كل صورة كبيرة جميلة يمكن أن تحتوى على تفاصيل بشعة.
ومرة أخرى، فثمة توازى يمكن اكتشافه بين قناعات دافيد لينش فى العوالم البديلة وبين كل العناصر فى أفلامه التي ترمز لهذا، ففى واحدة من رسوماته التى تحمل اسم «أنا أنظر إلى نفسي» نرى جانبي شكل معروضين، فهو هنا يصور قناعاته بالشيئ وعكسه –الخير والشر، والحلم والواقع، والظلام والنور، والجمال والقبح، وكذلك يكشف عن المنطقة الوسطى بين العالمين حيث نجد ان الغرفة الحمراء فى فيلم «توين بكس» تعبر عن هذه المنطقة الوسطى، ويعلق دافيد لينش عن هذا قائلاً «إن الشيئ يقابله نقيضه، وهذا يعنى وجود شيئ فى المنتصف، وأن المنتصف ليس لتعادل النقيضين ولكن الوسط هو قوة النقيضين».
موضوع الحلم غالباً ما يتحول إلى موضوع الحلم الأمريكى- الذى غالباً ما يظهر فى أعمال دافيد لينش أيضاً – من المشاهد الأولى المُدهشة فى فيلم «الأزرق المخملى» إلى قصة بيتى إلمس، حيث تحاول فتاة صغيرة أن تصنع هذا الحلم الأمريكى فى هوليوود، فكرة الحلم الأمريكي يمكن أن يكون لها جذور من طفولته، فالعالم فى طفولة لينش كان في الضواحى شديدة الصغر، وعلى أيه حال، فهو غالباً ما يلمح إلى عناصر القبح فى حياة الضواحي، وهذا أيضاً موصوف فى أفلامه.
التناقض بين الجمال التام وبين التفاصيل القبيحة يمكن رؤيته فى المشهد الافتتاحي من فيلم «الأزرق المخملي» حيث تنتقل الكاميرا من صورة لمنزل جميل مبنى على بقعة من العشب الأخضر المقصوص، لتكشف لنا الكاميرا عن العنف الشديد لحياة الحشرات تحت هذا المنظر البديع فى جماله.
هذا الملمح من العنف فى الحلم الأمريكي يتكرر فى أعمال دافيد لينش، إنه يفحص الجانب المظلم من المجتمع، الذي يمكن أن يوصف بأنه واحد من العوالم البديلة التى يحرص لينش على تقديمها كثيراً، فهناك شيء ما يحدث ويمكن رؤيته وثمة شيء آخر مختلف كليةً يحدث تحت السطح، والذى يمكن اكتشافه هو عندما تدخل ما يسمى المنطقة الوسطى فقط، فيلم «توين بيكس» و فيلم «مولهولاند درايف» وفيلم «الأزرق المخملي» هم أكثر أفلام دافيد لينش التى ينطبق عليها ما سبق من توصيف لأسلوبه.
فيلم الأزرق المخملى
يداوم لينش على تحدي أبعاد الواقع وغالباً فإنه من المستحيل أن نعرف ما هو الحقيقى فى أفلامه وما هو حلم، فأى تفصيلة يومية تحتوى على هذه الحالة، وحتى الأشياء الأكثر إعتيادية يمكن ان تُصبح مؤرقة، ويفعل دافيد لينش هذا مع المنازل كالبيت الذى عاش فيه فى طفولته حيث يبدو خانقاً وكئيباً «البيت هو المكان الذى تتجه فيه الأشياء فى إتجاه خاطئ».
فيلم «الأزرق المخملي» فيلم تذهب الأشياء فيه إلى الاتجاه الخاطئ. بطل الفيلم «جيفري» هو ولد مراهق عادي، وبعد أن يكتشف أذناً مفصولة، فإنه ينخرط فى عصابة منحرفة تحتبس زوج أحد المغنيات وابنها كرهينتين حتى ينالوا منها جنسياً، المشاهد العنيفة يمكن أن تُرى كرمز للعنف الأسرى داخل العائلات، ففرنك يمثل الأب المتعسف وجيفرى إبنه، الفيلم يستكشف العقدة الأوديبية بمشاهد مشوشة حيث «الوليد يريد أن يمارس الجنس».
فيلم الأزرق المخملي لا يُصدر مشكلات العالم، فكل المشكلات التى يتعاطى معها الفيلم هى مشكلات تدور فى المنطقة السكنية وداخل عقول الناس، ويصور الفيلم الظهور البريء والساذج لبلدة صغيرة، حيث العالم السفلى القبيح يواصل الظهور، لاشئ سوى الأسود والأبيض، والتباين الموجود فى فيلم «الأزرق المخملي» يعبر عن هذا، فالفساد والجرائم والدعارة واضطهاد النساء من الأشياء المخفية تحت سطح الحياة فى بلدة من بلدات الضواحى الهادئة.
جيفرى له دور فى الفعل كجسر بين العالم السفلى المظلم وبين حياة الضواحى البريئة، بينما كل من العالمين مختلفين كلية عن بعضهما بعضاً «أنا أرى شيئاً مخفياً دائماً، أنا فى منتصف شيء غامض، وكل ما فيه سري» يبدأ جيفرى فى ملاحظة ازدواجية الحياة حتى فى بلدته الصغيرة.
والمرأة التى تقع فى ورطة هى واحدة من أكثر مواضيع أفلام دافيد لينش، فى فيلم «الأزرق المخملي» يتم التعدى على دوروثي فالنس من فرانك، مما يجعلها واهنة وغير سوية من الناحية العقلية، بينما فرانك بوث - المجرم الذى يحتجز زوج دوروثى وابنها كرهينتين – يعتدى عليها جنسياً مراراً وتكراراً، إنها تصبح مُدمرة لدرجة أنها تبدأ فى اعتبار أمر الاعتداء الجنسى عليها كشيء مفيد « جزء منك معي، أنت تضع مرضك بداخلى وهذا يساعدنى، فهو يجعلني قوية» وعندما تكتشف جيفري في شقتها بعد أن اعتدى عليها فرانك لتوه، وبينما يذهب جيفرى إليها ليهون عليها، فإنها تستحلفه ان يضربها.
وبينما تصبح شخصيات الفيلم على علم بنفوسها المظلمة، فإنهم يقبلون هذا ويواصلون الحياة، فالحياة تستمر دائماً، ويصور الفيلم قناعة دافيد لينش بالطبيعة الازدواجية للعالم، فأينما كان هناك ضوء فهناك أيضاً ظلال– فلا يوجد شيء كامل، المشهد الأخير من الفيلم يصور عصفوراً يجلس على حافة النافذة، وفى منقاره عقد يمسك به– فهناك دائماً عالم سفلى مظلم، وبإدراك هذه الحقيقة فلا شيء آخر يمكن عمله إلا مواصلة الحياة.
يبدأ الفيلم بأذن وينتهى بأذن، بينما جيفري يستيقظ فى نهاية الفيلم، بينما الكاميرا تتباعد «زووم أوت» عن أذنه، وهذا قد يلمح إلى أن كل ما حدث فى الفيلم ما هو إلا خيال من جيفري، والمشاهدون يُتركون مرة ثانية لتأويل الفيلم على الطريقة التى يحبوها.
فيلم «مولهولاند درايف»
«مولهولاند درايف» واحد من أكثر أفلام دافيد لينش التى تعبر عن أسلوبه، وعلى أيه حال، فهو أيضاً واحد من أفلامه التى رفض أن يحلله أو يفسره، الفيلم يستكشف الكثير من مواضيع دافيد لينش الأكثر شيوعاً فى أسلوبه، مثل الذاكرة والهوية والمدينة الكبيرة الغير واقعية – وهى لوس انجلوس فى هذا الفيلم – كما لا يوجد سرد تقليدى فى الفيلم، وعلى أيه حال فإن الشخصيات وذواتهم يتدمرون ببطء وعلى غير المتوقع.
فالممثلة الطامحة بيتى إلمس تصل إلى لوس أنجلوس وتكتشف إمرأة تعانى من فقدان الذاكرة تعيش فى الشقة التى من المفروض ان تكون شقتها، فتصبح المرأتين صديقتان وتحاولان تجميع أجزاء القصة غير المفهومة، وبينما يتقدم الفيلم، فالأمر يصبح أكثر وضوحاً فى أنه من المستحيل أن نجد استنتاجاً واحداً صحيحاً للقصة، ومع فقدان الذاكرة للشخصية المحورية وحقيقة أن نفس الممثلات يؤدين أدواراً مختلفة، فإن الجمهور يتشتت كثيراً، وعندما يجلس رجلان للعشاء، يناقشان حلم مر به أحدهما عندئذ نرى نفس الوحش الموصوف فى الحلم خلف عشائهما، ويبدأ الجمهور مرة ثانية فى التشكيك فيما هو واقع وما هو خيال.
ويتحول الفيلم أكثر إلى السريالية عندما تكتشف المرأتان صندوقاً أزرق ومفتاحاً مطابق لقفله، فتلح بيتى على الذهاب فوراً إلى نادى «سيلينشيو» بالرغم من أن الساعة قاربت الثانية ليلاً، وفى النادى يشاهدان امرأة تغني ، وفجأة تنهار وتقع بينما صوت الغناء يستمر، الممثلتان يبدوان فى شخصيتين مختلفتين الآن، وهذا يجعلنا نستشكل فى كل حبكة الفيلم حتى تلك اللحظة.
ومثلما فى فيلم «الازرق المخملي» يرسل لنا الفيلم رسائلاً بأن لا شيء يبدو كحقيقته، فلا يوجد مكان أفضل من هوليوود للتعبير عن ذلك، كما أنها المكان حيث المظهر هو كل شيء ولكنه لا يكفى، وبينما الممثلون الذكور يجب عليهم أن ينالوا باستمرار الأدوار التى تجعل منهم أشخاصاً آخرين، فمن السهل أن ننسى الهوية الحقيقة لأحد الممثلين، ويبحث دافيد لينش أيضاً فى هذا الملمح فى فيلمه «إمبراطورية أرضية» Inland Empire «
الستائر الحمراء تظهر فى هذا الفيلم مرة أخرى، كما لو كانت رأس «رجل من مكان آخر» « Man From Another Place « الذى نراه فى فيلم «توين بيكس» وملح جيد من الازدواجية يُضاف إلى قائمة دافيد لينش عن الأشياء ونقيضها، مثل السذاجة واللؤم، الأضواء المتقطعة يتم تقديمها أيضاً كشواهد متعددة لحالة النوم والتى توحى بالأحلام، وهذه الأضواء واحدة من التيمات الرئيسية فى الفيلم.
الحياتان المتوازيتان للمرأتين يمكن تفسيرهما كحلم، فكل منهما تنام كثيراً وكل منهما لديها طموح، وعلى أيه حال، ففى هذا الفيلم لا توج إجابة صحيحية واحدة ولا يوجد عالم حقيقي، وبينما يهتم دافيد لينش بالعوالم المتوازية وبازدواجية كينونتنا، فثمة ما يجعل بعض من مشاهد هذا الفيلم تقع فى المنطقة الوسطى بين عالمين.
وهناك فى هذا الفيلم فقرت يمكن وصفها بأنها تصدر من اللاوعى والبعض الآخر مجرد قصص فرعية فى الفيلم وهى تقود للاشئ، بينما الشخصيات تصل إلى حالة من التقبل لحيواتهم الاستثنائية ويتعلمون أن يتعايشوا معها، وكذلك الحال مع المشاهدين، فيلم «مولهولاند درايف» لا يعبأ بالحقيقة، فالشيء المهم هو العزف على ألحان سوداوية والإكثار من التفاصيل واللعب بالضوء.
دافيد لينش علق بنفسه على الضوء فى مدينة لوس أنجلوس قائلاً إنه أكثر ملمح يميز المدينة، وعلى الرغم من أن لوس أنجلوس تُصور بطريقة مرعبة أكثر فى فيلم «مولهولاند درايف»، فقد قال لينش إن لوس أنجلوس مدينة تجسد رهابه من المدن الكبرى بسبب الإضاءة الخاصة التى يدعي بأنها تتميز بها، الفيلم جميل من الناحية الجمالية وتجربة شديدة الذاتية – وتفسير الفيلم منوط بمن يشاهده، وعلى أيه حال فالفيلم يترك المُشاهد وبداخله إحساس بالجمال المؤرق.
دافيد لينش مخرج يستطيع أن يتركنا نشعر بالتشوش والصدمة، وأن يجعلنا مذهولين ومرتبكين، أفلامه تأتى من لا وعيه، وأفلامه تبدو كأمكنة شديدة الظلمة، إنه شخص روحانى إلى أقصى حد، وتصور شخوصه هذه الظلمة ببراعة، لأن لا احد من شخصياته يتصف بالخير المطلق أو الشر المطلق، كذلك فدافيد لينش يؤمن بوجود أكثر من وجود او عالم، وهو يوحى أيضاً بحتمية وجود شيئ يربط هذه العوالم، وهذا المكان ليس واقعياً تماماً وليس خيالياً تماماً.
يستخدم دافيد لينش موتيفات تشتهر بها أفلامه، مثل الطرق السريعة ليلاً، والستائر الحمراء، والنار، والدخان، والنساء الجميلات اللاتي يقعن غالباً فى مشاكل، كما يستخدم أكوام الزبالة ويتبنى مفهوماً خاصاً عن الصوت، وأكثر المواضيع التى تركز عليها أفلامه، هى العائلة والجنس والعنف الجنسى والهوية والأحلام ، وعدم واقعية الحياة التى نحياها.
إنه يوظف التفاصيل الصغيرة والسرد غير التصاعدى ليخلق صوراً مؤرقة لقصص مستحيل تصديقها ولكنه يحيل هذه الاستحالة إلى حقيقة، وهو يتركنا دائماً مُندهشين، إنه يتركنا ونحن غير متيقنين من أى شيء، وأن تلك الأحلام هى جزء من حقائق حياتنا، وبينما نشاهد أفلامه، فنحن غالباً لا نحصل على كل الإجابات، وهذا يجعل لا وعينا يكشف عن نفسه، ويسمح بتفسيرات لا حصر لها لمغزى أفلامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.