دعوات لإلغاء ترخيص "أوبر" في مصر بعد محاولة اغتصاب جديدة    توصيات بمواكبة تطور الذكاء الاصطناعي    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    زنيبر.. رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمه في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    إسرائيل تقول إنه يتعين على مصر إعادة فتح معبر رفح مع قطاع غزة، والقاهرة تستنكر محاولات تحميلها الأزمة الإنسانية    "البسيج" يفكك خلية إرهابية بمدينتي تيزنيت وسيدي سليمان    إدارة الزمالك تسجل اعتراضا جديدا قبل مواجهة نهضة بركان    السيتي يهزم توتنهام ويقترب من التتويج بالبريمرليغ    ميراوي يجدد دعوته لطلبة الطب بالعودة إلى الدراسة والابتعاد عن ممارسة السياسة    رفع أسطول الطائرات والترخيص ل52 شركة.. الحكومة تكشف خطتها لتحسين النقل الجوي قبل المونديال    طقس الأربعاء.. نزول أمطار متفرقة بهذه المناطق        الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية.. ميراوي: الوزارة تهدف إلى 410 ألف سرير    توقيف 8 طلبة طب بوجدة بعد يوم واحد من تهديدات ميراوي        عميد المنتخب المغربي يتوج هدافا للدوري الفرنسي    توقيع عقد للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة بجة الشمال    الأمثال العامية بتطوان... (598)    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    هذا الجدل في المغرب… قوة التعيين وقوة الانتخاب    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    قُصاصة حول إصدار    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده "سرا" بعد الحكم عليه بالجلد والسجن    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقصدية الانتصار في ديوان "الغناء على مقام الهاء" للشاعر المغربي عبد السلام بوحجر

إن الناظر في ديوان «الغناء على مقام الهاء» يجده مُترعا بقيم الانتصار التي احتفى بها الشاعر، إنْ إظهارا أو إضمارا عبر آلية الطي الدلالي ، فضلا عن قصود وجماليات أخرى ( جماليات الإيقاع- وجماليات الصور- وجماليات الرؤيا-وجماليات البناء الدرامي ...)، نرجئ الحديث عنها إلى دراسة مستقلة تهم تجربة الشاعر الكبير عبد السلام بو حجر في شموليتها.
تسعى هذه الورقة إلى الحفر في ديوان "الغناء على مقام الهاء" قصد استجلاء مقصدية الانتصار التي ضمنها الشاعر المغربي المتفرد عبد السلام بوحجر ديوانه الجديد الصادر عن منشورات ومضة الطنجية ،سنة 2013، في طبعة جميلة زادتها جمالا
نصوص الديوان الطافحة بالجماليات العليا، البالغ عددها عشرين قصيدة، انتظمت في فصلين متساويين من حيث العدد:
"الفصل الأول موسوم ب"أرسم الحسناء بالإيقاع" ضم عشر قصائد، و "الفصل الثاني موسوم ب" في سيرة الصعود دائما" ضم عشر قصائد أيضا.
وتجدر الإشارة إلى أن عنوان الديوان يحيل على قصيدة (عزف منفرد على وتر الهاء) التي يتضمنها، ولا يخفى أن هذه القصيدة كتبت عام 1999م، ونشرها عام 2002 في بعض المجلات والجرائد العربية ، وقد تأثر بها كثير من الشعراء العرب، الذين حاولوا صياغة نصوص شعرية على منوالها .
وقد ارتأينا أن نفرع ورقتنا إلى المحورين الآتيين:
1-في مفهوم المقصدية:
معلوم أن مفهوم المَقصديّة، ظهر مع نموذج (القصد)،الذي يرى أن الدلالة اللغوية تتأسس على قُصود المتكلمين ومقصدياتهم، وقد "اشتهر به الفيلسوف جْرَايْس، وطبَّقه على نظرية أغراض الكلام/أفعال اللغة سُورْل، وقد أثار جدلا كبيرا وكان موضع تصويبات كثيرة منها تنقيحات سْتْرَاوْسْنْ، وسُورْل، وشِيفَرْ" ،
فماذا نقصد -نحن- بمدلول المفهومين اللذين تترّكب منهما صيغة عتبة عنوان ورقتنا وهما : (المقصدية) و(الانتصار)؟
إن لفظ " المقصدية" الذي ورد في عتبة عنوان ورقتنا لا يخرج عن هذه التعريفات المذكورة آنفا ، فهو مصدر صناعي يستعمل للدلالة على الخاصية المأخوذة من لفظ 'القصد"، بمعنى أن " المقصدية" هي "خاصية كَوْنِ الشيء مقصودا" ،
وبالتالي يكون قصدنا من وراء استعمال هذا المصدر مضافا إلى كلمة "الانتصار"، هو التدليل على اتصاف قصد الشاعر بخاصية الانتصار، وإن شئت قلت، التدليل على احتفاء الشاعر بكتابة النصر عَبْرَ وسيط الشعر، ما دام كلّ قول شعري هو في الأصل قصد شعوري يتغيَّأه الشاعر ويُنشِئه بأساليب لغوية-بلاغية-إقناعية مختلفة على المتلقي تبيُّنُهَا،و استِكناه مقصدياتها المَطْوِيَّةِ في بنيتها النصية.
2-تجليات مقصدية الانتصار في الديوان:
بصفتنا متلقين للديوان، لنسأل عن تجليات مقصدية الانتصار في قصائد الشاعر عبد السلام بوحجر و أبعادها؟.
إن الناظر في ديوان "الغناء على مقام الهاء" يجده مُترعا بقيم الانتصار التي احتفى بها الشاعر، إنْ إظهارا أو إضمارا عبر آلية الطي الدلالي ، فضلا عن قصود وجماليات أخرى ( جماليات الإيقاع- وجماليات الصور- وجماليات الرؤيا-وجماليات البناء الدرامي ...)، نرجئ الحديث عنها إلى دراسة مستقلة تهم تجربة الشاعر الكبير عبد السلام بو حجر في شموليتها.
فمن دلائل احتفاء الشاعر بقيمة الانتصار في ديوانه، وَسْمُهُ لعتبة عنوان الفصل الثاني ب" في سيرة الصعود دائما" . ولا يخفى على المتلقي النَّبيه أن لفظ ( الصعود ) ولفظ (الانتصار) وجهان لقيمة واحدة هي (الفوز/ الظَّفر)، مما يعني
أن الشاعر احتفى في هذا الفصل بصعوده الجميل النبيل في سُلَّمِيَّةِ القول الشعري وانتصاره على أعدائه وأعداء قصائده التي طارت شهرتها في الناس كل مطار . فمن هُم يا تُرى أعداء الشاعر الذين انتصر عليهم وبزهم ؟
يتكشف لنا من خلال الحفر في "ديوان الغناء على مقام الهاء"أن الشاعر تَغَنَّى بالانتصار على خصمين اثنين هما: أَنَاهُ،وآخَرُهُ.
ويتجلى انتصار الشاعر على أناه وعوالمِها في قوله:
"1
الدَّاء يشربُ من دَمِي
والأفقُ أضحى قَاتِمَا
لكنَّ قلبي في فمي
مازال يشدو بَاسِمَا
2
أقسمْتُ أن أمضِي إلى
أفق المحبة واثقَا
أرنو إلى دنيا العلى
وأعيشُ عمري صادقَا"
وقوله في المقطع السابع:"سأقولُ لا لِلإنطواءْ / و أقولُ لا للظالمينْ/ما دمتُ أجترحُ الغناءْ/دربا إلى فجرِ اليقينْ"، وقوله في
المقطع الخامس عشر من القصيدة نفسها :"كالنار أصعدُ لامعَا/ كالماء أخرجُ صافيَا/ كالبدرِ أسطعُ رائعَا/ كالفجرِ أولَدُ عاليَا" .
فالشاعر هنا يُصَرِّحُ لأناه وآخره/ المحبِّ له (القريب منه) أن جذوةَ الأمل ، و بهاء القول الشعري لن يطفئهما أي ألم أو محن تعترضُ الذات ،سواء صدرتْ من عَوَالِمِ الأنا أم الغير /الخصم المُبْغِضِ لأنا الشاعر الاعتبارية و شِعريَّتِها.
ويتجلى انتصار الشاعر على أناه-أيضا-، وانتصاره لِقَصْدِ الجمال في القصيدة من خلال قوله :
"و كما الشِّعرُ يَسْكُنُكَ اسْكُنْهُ../كُنْهُ.. !/فما أنتَ إلا صدى /لِخُطَاكَ على سُلَّمِ الرَّعْشَةِ الأبَدِيَّةِ/يا عَبْدَ حريَّةِ الروح/رُوحُكَ صانِعَةُ السِّحْرِ هَمْسًا/ و قاهرةُ القَهْرِ جَهْرًا!/ إذا أَخْرَجَتْ باختيارِكَ أثْقَالَها / ثمَّ قالَ الْوَرَى: مَالَهَا؟" .
إذ نلمح هنا، كيف أنزل الشاعر أناه/ التَّكلُّمِيَّةِ منزلة الأنا/ المُخاطَبَةِ عبر اِستراتيجية تَشْقِيقِ مرايا الذات، وانتقل من مقام الأنا المتكلم إلى مقام الأنا/المخاطَب، لينبئ المتلقي الحاضر/الغائب أن روحَه مسكونةٌ بالشعر كأنها الشعر نفسه، وبأنها هي صانعة السحر/ القول الشعري، وأنها قاهرة القهر بسلاح الصبر وبهاء الصور الشعرية الطَّافحة بالأسرار و الجمال السَّالِبِ لِلْأَلْبَابِ.
ويَتَمَظْهَرُ انتصار الشاعر على آخره، من خلال أفعال المقاومة والتَّجَلُّدِ، والتَّسلُّحِ بجماليات خطاب الرد الشعري، الذي يراه الشاعر خير أداة للرد على خصوم الشِّعر الحَقِّ العاجزين عن الإتيان بمثله، وفي هذا الصدد يقول بصيغة آمِرِيَّةٍ مُسْتَعِيرًا صوتَ نُونِهِ / قصيدته:
"قَاوِمْ خُصُومَكَ بالكتابةِ وَحْدَهَا/ثم اقْتَرِبْ منِّي أنا/ وارْقُصْ مَعِي " .
وقوله بصيغة مَنفيَّةٍ يَنْفِي من خلالها استسلامه للخصوم : "لَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي وَفَائِي/أوْ يَسْرِقُوا منِّي الْقَصِيدَهْ /كَيْ يَنْشُرُوا يَا أَقْرِبَائِي/ خَبَرًا دَنِيئًا في جَرِيدَهْ" ، وقوله في قصيدة "صَوْتُها وَالْجَريدة " عَبْرَ حوارية جميلة تَلْتَحِمُ فيها أناه بنونه/قصيدته،وتَزْدَوِجُ فيها صِيغةُ نَهْيِهِ بالصيغة الشَّرطية:
"لا تَنْكَسِرْ لِغُرُورِهِمْ ...لَا تَنْكَسِرْ.. !
بِالكافِ والنُّونِ انْتَصِرْ.. !
إِنْ غَيَّبُوكَ فَأَنْتَ تَحْضُرُ في قلوبِ العارِفِينَ
إذا حَضَرْتَ دقيقتين أمامهم غابوا..
إذا غابوا أمامَكَ عذَّبُوكَ ..وَحَاصَرُوكَ..
وَ أَشْهَرُوا سَيْفَ الإشاعةِ
ضِدَّ حلْمك دائمَا !" .
فهذا المقطع خير مُفصِح عن مَاهِيةِ الصِّراع الذي خرج منه الشاعر منتصرا، فهو صراع بين إخوة أعداء، عمدوا إلى التضييق على الشاعر ومحاصرة قصائده، قَصْدَ إخراس صوته المُتميز والحَدِّ من انتشاره في الأقاليم الشعرية، بِغرض اعتلاء مِنصَّةِ الشعر التي لَفَظَتْهُمْ وفَضَّلَتْهُ عليهم.
فقد تكشف لنا من خلال نصوص الديوان أن مُذْكِي نار هذه الخصومة أو الصِّراع بين الإخوة الأعداء،ليس ما اصطلح عليه فرويد (بعقدة أوديب)، المُستضمَرَةِ في اللَّاشعور الباطن، و إنما عُقدة قَابِيلَ، التي حرَّكت منذ الأزلِ قابِيلَ كَيْمَا
يقتلَ أخاه هَابِيلَ، وحرَّكت بعده إخوة يوسف كَيْمَا يَئِدُوا نبي الله في البئر.
وجرَّاء هذه العقدة صار الشاعر المعاصر عبد السلام بوحجر كما تُفصِحُ نصوصه، امتدادا طبيعيا ومعادلا وجوديا لأنا هابيل وأنا نبيِّ الله يوسف وكل مَطْعُونٍ بسيف ذوي القربى( الدموية أو الأدبية ) على الأرض.
يقول الشاعر مُخاطِبا بنبرة التحدي إخوة يوسف من مُجَايِلِيهِ: "أيُّها الذَّاهِبُونَ إلى موتِهِمْ باكرًا/ قد عرفْتُ طريقي إلى الشَّمْسِ/ لن تفرحوا بسقوطي على بابِكمْ سائِلَا.. !/كي أكونَ لأقلامِكُمْ / خبرًا عاجِلَا.." .
ويقول أيضا: "..تَنْسَ الإِخْوَةَ الْأَعْدَاءَ../ تَنْسَ السُّكري.. ! / حَافِظْ على ملح التَّوازن فيكَ!/ لا تغضَبْ على عَجلٍ" ،
فالشاعر هنا يشترط على أناه عبر آلية التعدد الصوتي، عدم المبالاة بأفعال الإخوة الأعداء من خلال جملة شرطية محذوفة الأداة، تقديرها "إن تنس الإخوة الأعداء تنس السكري"، وإن تصفح عنهم يكن خيرا لك ولروحك التي نشيدها ( كُنْ جميلَ السريرةِ/تَحْفَظْ لِنَفْسِكَ عَبْرَ الزمانِ /سَنًى هائِلَا ) .
من هنا، يتكشف لنا أن الشاعر عبد السلام بوحجر شاعر الرؤيا والمُغايرة بامتياز،وتتمظهر مغايرته الرؤيوية و المقصدية من خلال القصديتين الآتيتين:
1* قصدُ إلغاء مدلول عقدة أوديب، و إخراجها من ضيق جريمة قتل الأب ،إلى دائرة أوسع وأرفع ، يمكن أن نصطلح عليها ب(العُقدة القَابِيلِيَّة) أو جريمة قتل الأخ، التي أغفلتها جل الدراسات النقدية بنوعيها الكلاسيكي والحديث، حيث اكتفى كثير من النقاد بمحاولة تَبْيِئَةِ عُقدة أوديب في الثقافة العربية دون تقويم أو تصويب أو مراعاة لخصوصية المجال التداولي/النصي المنقولة إليه، مما جعلهم يسقطون في آفة التجني و تقويل النصوص السردية والشعرية ما لم تقله/تقصده .
2* قصدُ مقابلة الإساءة بالحسنة، عبر آلية المفارقة، حيث قابل الشاعر (قَابِيلِيَّتَهُمْ) و قصودهم السيئة بأضدادها، فقابل نار الإشاعة و التضليل بماءِ الشكر المزدوج بالعرفان والانتشاء بالنصر، وفي هذا قال:
"الإشاعةُ تُعْطِيكَ أَجْنِحَةَ الانتشارِ السريعِ
إذا كنتَ تمشي على درب حلمِكَ
مشْيَ السلحفاة
فاشكرْ خُصومَكَ
واشكرْ خصومَك يا صاحبي.. !"
فالشكر الأول، القصد منه الاعتراف بفضل الإشاعة ودورها في انتشار الشاعر وذيوع قصائده،والشكر الثاني، تأكيد قصد من خلاله الشاعر مشاركة الذات نشوة الانتصار عبر تبادل الأصوات (واشكر خصومك يا صاحبي)، حيث أنزل الشاعر أناه منزلة المخاطَب/المنادى(يا صاحبي).
وقابل قصدية العنف المعلن والخفي بالعطف و الرهافة، قائلا عبر آلية التذاوت، بين أنا الشاعر القائل، وأنا الشاعر المَقُولِ لَهُ في مطلع قصيدة (مقام الرهافة):
"سبيلُكَ أن تَتَقَدَّمَ يا كائني/ بالرُّجوع إلَيكَ/ فترنو إلى الآخرينَ بِعَيْنِ الرَّهافة/ إن الرهافةَ سرُّ الوصولِ إلى ما وراء النجومِ " .
وقوله: "أستطيعُ التعلُّمَ مِنْ ضرباتِ /خُصُومِي الخَفِيَّةِ والمُعْلَنَهْ/ أستطيع التأمُّلَ أَبْعَدَ مِمَّا/ تُحَدِّدُهُ ضِفَّتَا زَمَني" ، وقوله أيضا:" الرهافةُ مأواكَ..منفاكَ../ لن تتقدَّمَ إلَّا وهُمْ يرْشقونَكَ بالشوْكِ/لن تتأخَّرَ إلَّا وهم يفرشون لكَ الوردَ / سِرْ في طريقِكَ" .
كما قابل قصد الإقصاء بالقصيد المُتْرَعِ بالمجاز الأخاذ، وفي هذا يقول الشاعر: "أجِبْ خُصومَكَ بالقصيدة وحدها
اهجمْ عليهم بالتحيةِ ..
كالرَّذاذِ إذا همى
في لوحةٍ أو جملةٍ شعريةٍ
تشفي القلوبَ من العمَى !
واذهبْ إلى غدِكَ الْمُطَرَّزِ باللآلئِ حالمَا
في خفَّةِ الْيَعْسُوبِ..
لا تجعلْ نهارَكَ قاتِمَا !
واتركْ زمانَكَ كي يقولَ خطابَهُ ! " .
فانتصار الشاعر هنا، انتصار معنوي متدفق في/ من كأس قصائده التي صارت مرهفة مترعة ببليغ القول، وجميل الصور والقيم من قبيل الرهافة ، يقول الشاعر مُحاوِرا أناه التقديريّ: "الرهافةُ دنياكَ..مغناكَ/ فاحفرْ تَجِدْ تحتها كنزَكَ اللانهائيَّ / حتَّى أرى لا شعورَكَ مثلَ شعورِكَ/ثم أراكَ على جبل المنتهى/ طالِعًا من قصيدتِكَ الأبَدِيَّةِ/ لا من بيانِ احتجاج / تدافعُ فيه به عن كنوزِكَ..! / فاضْرِبْ بِوَرْدِكَ / و اغْضَبْ بِهَمْسِكَ/ واجْرَحْ بِجُرْحِكَ/و اثْأَرْ بِلَحْنِكَ/ إنَّ الرَّهافةَ
موعِدُهَا النَّصْرُ يا صاحبي.. !" .
وقد رَدَّ الشاعر على ظلم و حصار إخوته الأعداء بالعفو والصفح قائلا - إبان انتصاره- : "كلُّ خُصومِي أُسَامِحُهُمْ/
واحِدًا...واحِدًا" ، وقوله مُهَنِّئًا أَنَاهُ " رَبِحْتَ الرِّهانَ/ انْتَزَعْتَ اعْتِرَافَكَ يا صاحبي مِنْ/ خُصومِكَ../فابْكِ/ البُكاءُ دليلُ السَّماءِ على صِدْقِهَا/ابْكِ إلى مَطْلَعِ الصُّبْحِ/ قد صارَ هذا البُكَاءُ على زَمَنٍ خَانَنَا/ ضَحِكا" ، حيث انقلب السحر على الساحر، فصار الشاعر المحاصَر مُنتصِرا، محاصِرا بأسلحة الشعر خصوم القصيدةالمنهزمين المستفهمين عن سر انتشاره في الأرجاء، المعترفين بانتصاره وفتوحاته الجمالية التي بَزَّتْهُمْ :" حَاصَرْتَنَا أنتَ يا مَنْ لا نُحَاصِرُهُ/ أَتَأْخُذُ الشِّعرَ كيْ يَبْقَى لَنَا النَّثْرُ؟" .
ولا يخفى أن هذه المقاطع النصية المُدرجة في ثنايا ديوان (الغناء على مقام الهاء) تضعنا أمام درس في الأخلاق مفتوح على إمكانات تأويلية متعددة تعدد مقصديات المتلقين من الديوان، وهي فضلا عن كل هذا تَبْنِي مشهدية تَتْرَى بالقيم السامية .
وعلى الإجمال، فإن مقصدية الانتصار في ديوانه "الغناء على مقام الهاء" للشاعر الكبير عبد السلام بوحجر، مقصدية متعالية طافحة بالجماليات والقيم الإنسانية، كما أنها مقصدية مُوَسَّعة قامت قُصودُها على أنقاض ونَقيضِ قصود الخصوم- المنهزمين- الخفية والمعلنة، وقد زادها جمالا وتأثيرا وتداولا ، حكمة الشاعر وحنكته، وسحر أدواته الفنية وتكاملها، إن تركيبا أو دلالة، أو موقفا شعريا، تمكن الشاعر من إيصاله للمتلقين على اختلاف طبقاتهم، ومقاصدهم من قراءة ديوان النصر الجميل النبيل الموسوم ب"الغناء على مقام الهاء"، الذي احتفى فيه الشاعر بانتصاره علىآخره القَابِيلِيِّ، وانتصاره للقصيدة/ الحبيبة، والقيم الإنسانية الجمال الخلاق الذي يسكن روحه ونصوصه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.