مئة عام على إنزال الحسيمة.. احتفاء في اسبانيا وجرح مفتوح في ذاكرة المقاومة المغربية    بنعمر: أشعر بألم الزفزافي فوالدي مات وأنا في المعتقل.. وتعامل النظام مع معتقلي الحراك فيه تعنٌّت غير مسبوق (فيديو)    اعتقال شبكة متخصصة في سرقة الهواتف من فرنسا وبيعها في المغرب    أمن بني مكادة بطنجة يطيح بمروجي المخدرات بحي بن كيران ويحجز كميات مهمة من المخدرات    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    ما يحتاجه البرلمان المغربي ليس مقاعد إضافية .. بل ضمائر حية    أشرف داري يعود مصابا إلى القاهرة    الكوكب يعيّن المنصوري رئيسة شرفية    ديمبيلي يبتعد عن الملاعب لأسابيع    تصفيات كأس العالم 2026 .. المنتخب البرتغالي يتغلب على نظيره الأرميني (5-0)    للمرة الثانية... "أسطول الصمود" يؤجل إبحاره من تونس في اتجاه غزة    موسم ذراع الزيتون بالرحامنة.. استحضار معركة سيدي بوعثمان وتلاحم القبائل في ذاكرة المقاومة    مدينة 'ندولا': أسود الأطلس يصلون إلى ندولا استعدادا لمواجهة زامبيا    إشبيلية يدخل في مفاوضات مع حكيم زياش    فيلم "صوت هند رجب" عن غزة يفوز ب"الأسد الفضي" في مهرجان البندقية    من داخل السجن.. محمد جلول يصف جنازة والد الزفزافي ب "التاريخية المهيبة"    إسرائيل تدمر أبراجا سكنية جديدة في غزة وتدعو لإخلاء المدينة    مؤشر "مازي" يرتفع ب0,17 % في بداية شتنبر الجاري    انخفاض المبيعات العقارية ب21% .. والأسعار ترفض النزول    محاولة جماعية لعشرات القاصرين لاجتياز الحدود نحو سبتة المحتلة    نمو مطار الحسيمة.. أزيد من 92 ألف مسافر في 8 أشهر    تساؤلات برلمانية حول نجاعة الإنفاق العمومي بقطاع تربية الأحياء البحرية    مهرجان اللوز بآيت تكلا بأزيلال يكرس مكانته كرافعة للتنمية والتراث المحلي    نائبة برلمانية للميداوي: رسوم دراسة الموظفين تكرس منطق المتاجرة في التعليم    هيئات صحفية ونقابية ترفض مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح عاصفية بعدد من أقاليم المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد        مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    في رسالة مصورة: 'إنفانتينو' يصف تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم 2026 بالإنجاز الاستثنائي    مطار الداخلة... خلل في الخدمات يسيء لصورة وجهة سياحية واعدة    رقم قياسي جديد في المبادلات التجارية بين المغرب والصين    العلاقات المغربية التركية: دينامية متواصلة من أجل شراكة واعدة    انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفن التشكيلي بتطوان    بادو الزاكي: الخسارة أمام المغرب "عادية".. فهو أفضل منتخب إفريقي    لجنة تؤطر النموذج الجديد للصيدليات    ترامب يوقع على قرار يغير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب رسميا    افتتاح الدورة ال13 للمهرجان الدولي "ملحونيات" بأزمور    المفوضية الأوروبية تغرم "غوغل" 3,5 مليار دولار لانتهاكها قواعد المنافسة    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح اللاممركزة للأمن الوطني في عدد من المدن    عدد مستخدمي "شات جي بي تي" يتجاوز 20 مليونا في غشت    ألمانيا تدشن الحاسوب الفائق "جوبيتر" لتعزيز قدرتها في الذكاء الاصطناعي        ساكنة مدينة الجديدة تخرج لتجديد العهد على نصرة ف.ل.سطين    مسعد بولس يلتقي دي ميستورا في واشنطن ويؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو "الحل الوحيد"    موهوزي كاينيروغابا .. جنرال أوغندي مثير للجدل يقود المعارك عبر "إكس"    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    بعد سنوات من الرفض.. أوروبا وأمريكا تعتمدان علاج مبتكر ضد ألزهايمر    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    رضوان برحيل يعلن موعد إصدار جديده الفني    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    علماء يحددون البكتيريا المسؤولة عن أول جائحة في التاريخ البشري    دراسة: ثلاثة أرباع واد سبو في سيدي علال التازي تُصنف ضمن "التلوث المرتفع جدا"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الباردة تدخل زمنها الافتراضي

لمّا كان التاريخ يخضع للجدل المادي التاريخي، كان يتكرّر مرتين، يفضل الأولى تراجيديا والثانية كوميديا. ومنذ دخلت البشرية إلى شبكات المعلوماتيات، أصبح يتكرّر، افتراضياً. ولهذا عندما كان لا بد للحرب الباردة أن تعود مرة ثانية، كانت "افتراضية".
طبعاً ما هو في حكم الحرب الباردة الآن بين أمريكا وروسيا في عالم الافتراضي، لا يشكل انعكاساً ميكانيكياً لما يقع على واقع الاستراتيجيات التوترية.
بدأت الأمور بالانتخابات الأمريكية، أخيراً، واتهام الرئيس المغادر باراك أوباما القراصنة الروس بالتلاعب بالمعطيات الإلكترونية ضد مرشحة حزبه، هيلاري كلينتون. وانتهت بتساؤلات الصحافة الدولية، بصحفها ووكالاتها: هل تستكمل واشنطن التي فرضت عقوبات على موسكو لاتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه الإجراءات بهجوم معلوماتي؟
وتشمل الإجراءات التي أعلنها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قبل أقل من شهر على مغادرة البيت الأبيض، طرد 35 شخصاً اتهموا بأنهم عملاء استخبارات، وإغلاق مقرّين في شمال شرق الولايات المتحدة اعتبرا قاعدتين يستخدمهما هؤلاء العملاء. كما فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ اقتصاديةً على جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية (جي آر يو) وجهاز الأمن الفيدرالي (إف إس بي، كي جي بي سابقا)، وعلى أربعة مسؤولين في جهاز الاستخبارات العسكرية، بينهم رئيسه إيغور كوروبوف.
وحذّر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته من أن بلاده ستتخذ تدابير أخرى للرد "في الوقت الذي نختاره"، بما في ذلك من خلال عمليات سرّية لن يتم إطلاع الرأي العام عليها.
نحن في قلب الحرب الباردة بكل ترسانتها الواقعية والنفسية والإلكترونية. توازن الرعب الذي ساد في النسخة الأولى كان ينبني على الرؤوس النووية، واليوم لم يعد يحتاج سوى إلى "الرؤوس فقط."
ولا يريد الأمريكيون أن يكون الروس أكثر ذكاءً منهم، أو أكثر قدرةً على استعمال أسلحة إلكترونية في توجيه الخيارات السياسية داخل البلاد.
في السابق، كان المجال الحيوي للحرب الباردة يدور في أركان العالم الذي تم تفصيله إلى شرق وغرب، بناء على تحديد المجال الجغرافي والسياسي المادي. واليوم، تدخل الحرب إلى عقر البيت الأبيض. ولهذا تكون العقوبات المادية والدبلوماسية مجرّد دليل على حربٍ أقوى، لا تُرى، وتتم في دهاليز الإنترنت.
ومن تعليقاتٍ أوردتها الصحافة الدولية ما قاله إيفان بتروتسكي ومايكل بوزنانسكي، وهما جامعيان أمريكيان متخصصان في السياسة الدولية والاستخبارات، من أن الهجمات المعلوماتية يمكن أن تستهدف أيضاً أجهزة كمبيوتر تابعة لمقربين من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وكتب بتروتسكي وبوزنانسكي، في مقال نشره، أخيراً، موقع وور أون ذي روك الأمريكي الذي يتابع قضايا الأمن والحرب إن "استهداف هؤلاء المسؤولين الذين يعتبر دعمهم أساسياً لبوتين يمكن أن يشكل رادعاً كافيا لعدم السعي إلى التدخل مجدّدا في الانتخابات"، انتهت قصاصة "رويترز" عن الموضوع.
إذن، لا تخلو الحرب الإلكترونية الباردة من حميمية. سيكون أوباما حاسماً، في الحرب الافتراضية الباردة أكثر من معارك باردة تتم على أرض الواقع، إذ لم يكن ردّه بمثل القوة عندما تم ضم جزيرة القرم إلى روسيا، وترك للسيناتور الجمهوري، جون ماكين، مواجهة بوتين بالقول إن أمريكا تساند أوكرانيا ضد روسيا.
وحسب وكالات الأنباء، أكد السناتور ماكين أن دعم بلاده أوكرانيا مستمر في وجه الاعتداءات من موسكو، في تصريحاتٍ أدلى بها في أثناء وجوده على الخط الأمامي للصراع في شرق أوكرانيا ليلة رأس السنة: للمكان والزمان دلالات واقعية هنا، عكس ما يتم في الإنترنت.
وبوتين ربح الرهان السوري أيضاً من دون الحاجة إلى أمريكا، واكتفى باراك أوباما بالتلميح إلى أنهم كانوا على علم بالأمر، وأن موسكو أطلعتهم على العملية التي تمت في غيابهم. وعلى ذكر الملف الروسي، كان الموقف لا تنقصه فكاهة، عندما أبدت دولٌ بعيدةٌ تخوفها من الحرب الباردة الجديدة.
وحذّر آخرون في الدول المرتبطة بالصراع، حذّروا، على غرار وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، من أن التوتر الدبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة لن يخدم أي طرف، بل يضيف المشكلات إلى المنطقة. لم يدرك الوزير التركي بعد أن الحرب قائمة، وما زال يفكر بحرب القرن الماضي "لا نرغب في العودة إلى عصر الحرب الباردة"، فهناك ركام من المشكلات حول العالم، وما زال يحلم أيضا أن الدبلوماسية ترياق جيد للحروب الباردة.
منطقة الحرب الباردة، بقدر ما هي مفتوحة إلا أن فيها مكامن كثيرة خارج الخرائط المعروفة، ويقول الخبراء، والعبد الفقير إلى ربه ليس منهم، إن شن دولةٍ هجوماً معلوماتياً على دولةٍ أخرى مغامرةٌ مجهولة العواقب، وتتضمن مخاطر كبيرة، لأن هذا المجال لا يزال غامضاً إلى حد كبير.
ويقول ستيف غروبمان، المدير الفني في أنتل سكيورتي، المجموعة الأمريكية المتخصصة في الأمن الإلكتروني، يجب التخطيط جيداً لأي رد معلوماتي سري، وتنفيذه بدقة، لتفادي إلحاق أضرار جانبية بأنظمةٍ معلوماتيةٍ لم تكن مستهدفة.
نحن أمام نيران صديقة، كما حدث في كل حروب الشرق الأوسط التي قادتها أمريكا. لكن، أيضا أمام القاموس نفسه الذي نحتته الحرب الباردة الأولى. ولنتابع بعض فقراته التي وردت في تعليقات هؤلاء الخبراء أو تصريحاتهم:
¬ تصعيد للهجمات المعلوماتية من الجانبين يمكن أن يؤدي إلى نزاع فعلي على الأرض. إدارة أوباما ستتريث قبل أن تشن هجوما، في حال قرّرت ذلك فعلاً. استخدام "الأسلحة الإلكترونية" المدمرة المتوفرة لديها، والتي تتم الإشارة إليها بين حين وآخر من دون تحديد ماهيتها. الدفاعات المعلوماتية كما كنا نتحدّث عن منصات الصواريخ في كوبا.
وما زال دونالد ترامب يكرّر شكوكه حول تدخل موسكو في الانتخابات، وهو الذي يوجد في وضعٍ لا يحسد عليه، يكرّر لمن أراد أن يسمعه تلك البديهية الإعلامية التي يحتكم إليها الصحفيون المبتدئون "لا بد من التحرّي وللتأكد من صحة الخبر".
سياسياً، يبدو أوباما كما ولو أنه يعاقب الرئيس الفائز "على صداقته من موسكو"، بل يذهب التحليل إلى أنه يتابعه بطريقةٍ لا تخلو من المضمون البوليسي. لفائدة من ترتكب الجريمة؟ كما يشرح شارلوك هولمز السؤال إلى صديقه الدكتور واطسن: قل لي من سيستفيد من الجريمة أدلك عليه. والأكثر من ذلك أن ترامب يدرك أنه سيدخل السياسة الخارجية لبلاده، وهو في مواجهة ميدان لزج للغاية، إذ سينتقده مسؤولون كثيرون، ويصعدون من الهجوم عليه، إذا ما هو فضل فلاديمير بوتين على خصومه الأمريكيين.
أعطت هذه النقلة الشطرنجية، لتحويل الخلاف مع موسكو إلى تصفية حساب مع الخصوم في الداخل، نكهةً غرائبية للحرب الباردة. أي أن جزءاً منها يتم في الداخل، وهو ما لم يحصل في المرات السابقة، اللهم مع الاستباحات المناهضة للشيوعية عند البوليس الفيدرالي، وزعيمه آنذاك إدغار هوفر.
وقد أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، مرة أخرى، عن شكوكه حول الاتهامات الموجهة إلى أجهزة الاستخبارات الروسية بتدخل محتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ما حمل البيت الأبيض على اتخاذ عقوبات ضد موسكو.
ومن سخرية الأقدار أنه اضطر إلى العودة إلى كذبة الدمار الشامل العراقية، ليدخل النسبية إلى ما قالته إدارة أوباما. وذكر أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية أخطأت، عندما أكدت أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل الذريعة التي قادت إلى التدخل الأمريكي في العام 2003، واصفا هذا التدخل بأنه كارثة، لأنهم كانوا على خطأ.
ومن ملامح الحرب الباردة أن القرصنة أصبحت درساً سياسياً على لسان ترامب الذي قال إنها مسألةٌ من الصعب جداً إثبات حصولها. لذلك، يمكن أن يكون شخص آخر من قام بها "أعرف أيضا أموراً لا يعرفها آخرون. ولذلك، لا يمكن أن يكونوا متأكدين مما حصل".
لقد ظلت روسيا، بعد انفراط الاتحاد السوفييتي، في دائرة الحيرة الغربية، والأمريكية خصوصاً، وتأرجحت نخب الغرب بين ضرورة إدماجها أو تركها في قارّتها المنذورة للعواصف والتقلبات الجيوستراتيجية، والتي تقودها، أحياناً، إلى التدخل في شؤون جيرانها، غير أن التحليل الداخلي لموسكو يبرّر حربها الباردة الجديدة، إذ يرى الغربيون أن مصدر عدوانية ساكن القصر الشيوعي سابقاً ضرورة البحث عن عدو، ولو في "الإنترنت لتقوية سلطته على البلاد".
ستظل الحرب الباردة الجديدة دليلاً قاطعا على أن الإنسان يمكنه أن ينتقل من الواقعي إلى الافتراضي، كما يمكنه أن يبني عالماً افتراضيا قائم الذات، سرعان ما يتحول إلى واقع قائم. وهنا الخطورة التي كانت، إلى سنواتٍ قليلة، ميداناً خصباً للخيال العلمي وحده، وها هي تتحوّل إلى عالم الاستراتيجيا والخرائط والدبلوماسية.
*منشور في «العربي الجديد»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.