يستغل بعض منعدمي الضمير والانتهازيين والوصوليين و«النهبماليون والرشوائيون والارتزاقيون» -على حد تعبير عمود «كود» بجريدة الاتحاد الاشتراكي - من رجال السلطة والمواطنين على حد سواء، غليان الشارع المغربي في ارتباط بحراك 20 فبراير وتداعياته الايجابية ويتمادون، خارج أية إمكانية للمتابعة أو المحاسبة، في اقتراف جرائم ضد التعمير والتخطيط عن سابق إصرار وترصد. هؤلاء يتنافسون في اغتيال حس الجمال في تصاميم التهيئة، ويبرعون في خدش حياء البيئة نهارا وجهارا بمناطق عدة من المدينة العلمية، وربما في مناطق مختلفة من ربوع الوطن. الأمر مؤلم جدا وبات لازمة كل حي سواء في مناطق الحزام أو غيرها. في مرات كثيرة يحدث الخدش بتواطؤ مكشوف مع بعض قياد المناطق الحضرية... والنتيجة انتهاك سافر بأساليب لا حضارية وغير مدنية في التعاطي مع مجال التعمير، سواء بالاضافة أو التعديل أو المسخ والتشويه للأرصفة والمقاهي، العملية متواصلة وتحدث مع كامل الأسف هنا والآن وتحت أعين السلطة التي تنام متى تريد ولا تنام كما تريد. ولعل أقوى نموذج لما سلف يتجسد الآن في منطقة عوينة الحجاج وفي منطقة المرينيين حيث يبدو محيط المقاهي مثالا صارخا. ولنعد الى ذات الاسطوانة، لو أن الأمر تعلق بإصلاحات عارضة تروم تلطيف المجال أو ترميم عابر لفضائه لهان الأمر، أما وأن المسخ والتشويه متواصل كل ساعة و كل ليلة، فإن الأمر يحمل أكثر من سؤال للجهات الوصية على حماية تصاميم التهيئة والمطالبة بتطبيق القانون بصرامة ودون محاباة أحد. إنها إحدى أسوأ المراحل التي يداس فيها القانون ويسوء فيها التعمير في تاريخ فاس، تلك التي نمر بها الآن، وتحديدا فترة 20 فبراير وما تلاها ، فكاتب السطور يعي جيدا ما يقول، فمن غير إذن ولا إشهار أو ترخيص من قبل السلطات انطلقت وتنطلق بمنطقة المرينيين، كما الأحياء الطويلة العريضة المجاورة، بشكل محموم عملية اعتداء شاملة بحق المجال والعمران، عملية واسعة النطاق تستهدف الإجهاز على ما تبقى من جمال وتعمير، هذه الاعتداءات التي تتم وتتواصل أمام أعين السلطات وبتزكية من بعضها، حيث يستل المعتدون «عمال ومياومون» تحت جنح الظلام أسلحتهم البيضاء من معاول ورفوش وأحيانا الجرافات كوسائل مساعدة في البناء والهدم ويشرعون في عبثهم هدما وردما غير عابئين ولا مراعيين لشعور الجيران ليلا، ولا احتجاجات المارة نهارا، والنتيجة توسيع لاطيراسات للمقاهي الصديقة بالجرافات يوم الأحد على حساب الملك العمومي، «جرح» العشرات من الأمكنة بما في ذلك السطوح بتصدعات متفاوتة الخطورة إضافة إلى تشويه ومسخ للمجال والعمران في سباق محموم مع الزمن، واستغلالا فاضحا لسياسة عدم الاحتكاك التي تنفذها المصالح المعنية تجنبا لأي صدام قد تكون تداعياته خطرة على الأمن العام. هذا الإرباك الحقيقي الذي تساهم فيه السلطات بتغاضيها «الصديق واللاقانوني» عن ما يتعرض له الملك العمومي من اعتداءات سافرة، يوحي في القريب العاجل بإلحاق أحياء حديثة العهد بتراث المدينة العتيقة تاريخا وعمرانا. ذلك، أن إحداث فضاءات كرتونية يتم طلاؤها «للتمويه» فور بنائها كل ليلة بمختلف أحياء فاس اليوم، بات شعار كل ليلة قادمة، حيث يقوم المسح السلطوي «مقدم الحي عين السلطة التي لا تنام» كما لو يقوم بواجبه الوطني في التنمية المعكوسة مقابل «المترتب» عن كل اعتداء مسجل، اللافت في حينا هذه الأيام بلياليها هو انه لا تكاد تخلو ساعة لا يسمع فيها هدير المعاول الجانحة وشخير شاحنات الرمال التي لاتتوقف عن الشحن والإفراغ ليلا. المفارقة الكبرى تأتي كون أن نظم العالم المتقدم تخطط لتحضير القرى والأرياف وتحويلها الى جرعات التمدن استراتيجيا، لكن بعض المسؤولين عن التخطيط بفاس يعملون بإخلاص، وهذه شهادة لله، بتفان قل نظيره في بدونة أو» ترييف «المدينة والتضحية ليلا ونهارا من أجل جرها قسرا الى حضيرة الأرياف والتوقيع رسميا على منحها صفة البادية الجديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وإذا كان العارفون من سماسرة الانتخابات يؤكدون أن غض الطرف عن هذه الجرائم البيئية من قبل المعنيين بتدبيرها التزام ووفاء تبعا لدين على عاتق هؤلاء منذ الاستحقاقات الماضية، حيث بعض المنتخبين يفون بالتزاماتهم إزاء ناخبيهم بالسماح لهم طواعية إبان الحملات الانتخابية بإضافة طابق أو طابقين بمجرد تربعهم على كرسي الاستشارية رغم عدم استيفاء الأساس المضاف إليه شرط السلامة، وهو الالتزام الذي يتم تحت الطاولة في أغلب الحالات، فإن المستقبل ينذر بخطر، ليس على أولئك المستشارين الذين باتوا أغنياء بين ليلة وضحاها بفعل الثروة التي راكموها بعيد الاستحقاقات والتي بموجبها يتسلمون حوالي ملايين السنتيمات عن كل طابق «ضالة» وفق ما صرح به بعض المستفيدين، ولكن المستقبل القريب قد ينذر بكارثة في حال زلزال بسيط ، إن الطوابق التي تضاف ليلا وأيام نهاية الأسبوع تضاف على أساسات لم توضع لها ! بمعنى أن منزلا بني منذ 1970 بهدف سكن عائلي وبني على أساس لهذه الغاية، بات اليوم يحمل 3 طوابق إضافية. فأية هندسة مدنية تسمح بذلك؟ وهل يستقيم ذلك وقانون التصميم والتهيئة؟ والسؤال الى متى يستغل هؤلاء تجاوب الشعب وانغماسه مع مطالب حركة 20 فبراير وما تلاها؟