قبل الماتش بأمسين، على وجه التحديد، بدا أن جميع المغاربة بوسعهم النزول إلى معترك الميدان لاعبين مهرة، لا يشق لهم غبار. تصورت المنتخب الوطني على هذه التشكيلة بالضبط، وهذا معناه بصريح القول أنني أنا وأنت وهو صرنا في لحظة حلول ولمح بصر الشماخ 2 والمهدي 1 وحجي 3 والسعيدي 4. نعم تنازلنا عن الإصابة 5 و6 وربما 7 ، وهذا أمر يحسب لنا لا علينا ، علما أن حركة 30 مليون يونيو اقتضت توجيه الشعار نحو معنى واحد لا غير، فما كان علينا إلا الانضباط لروح التوجيه لفظا ومعنى، بترديده عاليا وعلى نطاق أوسع: - الشعب يريد 4 أهداف - الشعب يريد 4 ل 0 . ****** «هذا ما كان». وتبادلنا العناق الحار غير مشوب بشائبة، كما تبادلنا البذل والأحذية التي يرجع لها الفضل بكل تأكيد في صنع الحدث. ودخلنا مباشرة في الرقص والغناء، وواصلنا الليل بالنهار، احتفاء واحتفالا برباعية نظيفة لطفت المناخ العام ونظفته أحسن من الإحباط واليأس، بما في ذلك ويلات الرابع من حزيران التي علقت بتلابيبنا منذ نصف قرن ساد الاعتقاد خلاله أن دار لقمان ستبقى على حالها، ومن ثم كان الإمعان في التشكيك في أهليتنا، وفي الجدوى من البقاء على قيد الحياة ، لكن اليوم بوسعنا أن نتوقف عن جلد الذات، وأن نركز على حسن الهندام الذي يواتينا في المرحلة القادمة. ****** هذا الإحساس الشعبي الجبار العارم الصادق، وهذه الرغبة الجارفة في تبوء الدرجة العالية في سلم الانتصار، هو عصبنا الحيوي المعول عليه أولا وأخيرا في إفراز الطاقة والعزم الكفيلين بربح الرهان، أقصد هنا كل التحديات التي تفرض نفسها من الناحية العملية بالنسبة لنا كشعب يتلمس مسلكا واضحا نحو الديمقراطية والكرامة والحقوق بما فيها الحق في الاحتفال والفرح. بالمناسبة كدت تلك الليلة أطير فرحا وأموت سعادة. «الله يستر»! ****** نحن الثلاثين مليون جوان في الرقعة أو على كرسي الاحتياط أو على مقربة أو مبعدة من الإثنين. ومراعاة لدقة المرحلة، وتقديرا لإشعاع هذه اللعبة وشعبيتها وجماهيريتها وأثرها على الذوق العام، وإعمالا لمبدأ تكافؤ الفرص وتكاثف الجهود وتكاثرها، واستشعارا لأهمية الديمقراطية كلعب وزينة وتفاخر بالكرامة وإحساس بالتضامن والتآزر والتسامح والنمو في تربة خصبة، قررنا بإيجاز ما يلي: تسجيل ما كثر من الأهداف وما دل في مرمى الخصوم، والعودة إلى المربع الأول، وتقييم الأوضاع من جديد وطرح السؤال باستمرار: مع من نلعب؟ وكيف نلعب؟ وما هي الضمانات؟ ****** دعونا من فضلكم ننظم هذه اللعبة الجميلة، على رقعة أجمل توحدنا نحو الكثير من الانسجام تفاديا لأي انزلاق أو انفلات من شأنه -لا قدر الله - أن يجعل المباراة في حكم كان، أو يلغيها بجرة قلم من الحسبان، قبل صفارة البداية، ووأدها في المهد، وهذا ما لا تحمد عقباه. ****** دعونا نزيح جانبا كل ما يخدش الصورة في المرآة حتى تبدو وجوهنا فعلا وجوه متنافسين في منتهى لياقتهم النفسية والبدنية . دعونا نقول أكثر من هذا، نريد أن نعيث فرحا ونحن في أوج منازلة شديدة اللهجة، بحكم كل ما يعتريها ضمنيا من احتكاك واصطدام، وضربات صواب أو خطأ، وجزاء وعقاب، وهجوم وصد، فالمنتصر في النهاية لن يكون إلا هذا البلد السعيد الذي تدخلت يد الله أكثر من مرة وأخذت بيده إلى بر الأمان، وأوقفت زحف ميتافيزقا اليأس والخوف عند حدها وهي تتسلل وتناور وتراوغ في محاولة لتوقيع أهداف مخزية أترفع هنا عن ذكرها بالإسم حتى لا أصاب بحالات الغثيان والقيء. ****** وإن كنت من مواليد الرابع من يونيو، فإنني أحس بأن مقابلة كبيرة، كانت أطوارها قد بدأت بالفعل، منذ التاسع من مارس ،وأشواطها تجري اليوم على قدم وساق، في ملعب تسع مدرجاته الجميع، حتى الشياطين الحمر، أهلا وسهلا بكم ،شريطة أن تعرفوا أنكم شياطين ن يعرفوزا كاملي العضوية، في نادي الحياة واسع الخرائط . فلا مجال والحالة هاته للمزايدة والتضليل والتغريد خارج السرب،وإلاّ انقلب السحر على الساحر دعونا نقول، ولو من باب الترويح هدافأأااااأعلى النفس ، وتسهيل مأمورية الفهم : الديمقراطية لعب، لكنها ليست ذلك اللعب بالنار الذي لا وجود له إلا في ذهن السحرة والمشعوذين والقتلة والمفسدين أرضا وجوا. مربوا الكراهية والبغض. أصحاب الرصيد الخيالي في النصب الفاحش . أخصائيو التنظير للجهل والعدم . الباحثون بشق الأنفس، عن شهادة ابتدائية، بمرفق التعليم الخاص، تخول لهم رئاسة الجماعة، والنوم على جنب الراحة في البرلمان بغرفتيه. مدبرو حلقات النقاش السيء الذي أكل عليه الدهر وشرب وأصبح بيزنطيا بكل المقاييس. ناهبو المال العام ورمال البحر على السواء. آكلو الجيفة التي عافها الإثنان: السبع والضبع. الذين إذا رأيتهم صبّحت لله ،ومسّيت عليه على عجل، وقفلت عائدا مسرعا لمنزلك ،وأحكمت الإغلاق، دفعا لأي مس أو مكروه، قد يرهن رأسك لمدة طويلة في ذمة الحمى والصداع. واعلم أن العدوى ستنتقل بالتالي، إلى باقي الأعضاء التي تكن لك نفس المشاعر الأخوية، في احترام متبادل. كان ضروريا، دخول المباراة من باب السياسة والتاريخ والجغرافية، فمراكش التي حظيت بشرف تنظيم المبارة، في ملعبها الجديد، يزكي الانطباع بأنها فعلا مدينة الفوز والصمود، في وجه الأعداء، الذين أهدوها ذات صباح حقيبة ناسفة، وتقبلت الأمر منهم بحسن نية إلى حين وقوع الواقعة المدوية. الحقيقة أن المباراة قد بدأت قبل صفارة التاسعة ليلا، موعد الانطلاق الفعلي بثلاثة أيام، بدت طيلتها المدينة ملعبا كبيرا ، والشوارع والدروب المفضي بعضها إلى بعض، والحدائق، كلها تعبأت مقتنعة بنبل الرسالة التي على عاتقها ، إلى جانب المواطن المراكشي ،وضيوفه البررة، والدراجات النارية منها والهوائية ، والسيارات الخفيفة، والرباعية في الدفع بالتي هي أسرع ،والعربات بحصانين، يتفهمان هذا النوع من الربط الميكانيكي، بين الجار والمجرور، والقمة والقاعدة، والوجهة واحدة، ومن لم يحضر في الوقت لا تقبل منه شكاية، وأن العربة لا يمكن أن تتقدم الحصان بأي حال من الأحوال، إلا إذا كانت النية مبيتة، للإخلال بمنظومة السير، التي يعرف الجميع لماذا خفت لهجتها في الآونة الأخيرة . وتذكرنا جيدا الخمسة الأوائل، الذين وضعوا قطار المغرب العربي ،على السكة لينطلق من أمام قصر البلدية، قبل عقدين ،وقبل أن يغلق بوتفليقة الحدود، وقبل هروب بن علي ،وقبل عقاب القذافي ، سليط اللسان ، لشعبه الجرذان لا لشيء، إلا لأنهم انفجروا في وجهه ، من طنجرة للضغط، كان هو نفسه، من أطبق عليهم الإغلاق داخلها تحت نار هادئة نصف قرن من الزمان . والهوندات الصغيرات اللائي يتعبن ليل نهار ولا يحصلن إلا على مصروف الجيب بالكاد، ومكبرات الصوت والمنبهات والموسيقى والطبول والزغاريد والسجائر في الفم والنظارات المسكونة بعشق الشمس، الرجال من كل الفئات والنساء من كل الأعمار، والذي تأبط ماء واعتقد أن بركة سيديه علي وحرازم ونواحيهما ستكون بردا وسلاما في وجه حرارة اللقاء. وبنتي دون الرابعة عمرا ،تهتف بالروح والدم، وهي تحفظ النشيد الوطني عن ظهر قلب. وعندما كانت الأهداف تصب كالمطر من مختلف الأبعاد والزوايا وتتجمع آمنة مستقرة في قربةالجزائر، كانت ترمق إلي بعينين ساطعتين، كشمس هذا البلد الذي سميناه مغربا رغم أن العيون التي . . . . تشرق فيه 24 ساعة على 24 : همّ وانزاح والكرة في يدنا، انتبه . . . . . . . . . هذه فرصتنا لا يجب أن نضيعها ، فمزيدا من الاعتزاز بفصلينا الدموي كمغاربة لن يفوتهم بكل تأكيد جني الانتصارات في إبانها الزماني والمكاني المناسبين، وبخبرة ترادف المعجزة التي لا تقدر بثمن.