مباراتان وديتان للمنتخب المغربي لأقل من 17 سنة أمام نظيره السينغالي يومي 9 و 12 أكتوبر في دكار    المفتشية العامة للأمن الوطني تفتح بحثا دقيقا في أعمال وسلوكيات مشوبة بعدم الشرعية منسوبة لاثنين من موظفي شرطة    البطولة: الجيش الملكي يلتحق بركب المقدمة بانتصاره على أولمبيك آسفي    ماكرون يعين حكومة جديدة على خلفية خطر إسقاطها من برلمان منقسم واستمرار أزمة مستفحلة    صحافي مغربي في أسطول الصمود: اعتدي علينا جسديا في "إسرائ.يل" وسمعت إهانات (فيديو)    المغرب والأردن يوقعان على اتفاقيتين في مجال التعاون القضائي والقانوني    الدورة ال16 لمعرض الفرس بالجديدة استقطبت حوالي 150 ألف زائر        لليوم التاسع.. شباب "جيل زد" يتظاهرون في الدار البيضاء مطالبين بإقالة الحكومة    حراك "جيل زد" لا يهدد الملكية بل يقوّيها    في الذكرى الثانية ل "طوفان الأقصى".. مسيرة حاشدة في الرباط تجدد التضامن الشعبي مع فلسطين وتدين الإبادة والتطبيع    "مديرية الأمن" تعلن فتح تحقيق عاجل في فيديو تعنيف مواطن من قبل شرطيين    مقتل الطالب عبد الصمد أوبلا في أحداث القليعة يثير حزن واستياء سكان قريته    اافيدرالية المغربية لجمعيات كراء السيارات تناقش تطور نشاط وكالات الكراء وآفاق التنمية المستدامة    مهاجر يعبر إلى سبتة المحتلة بواسطة مظلة هوائية    الضرائب تخضع أربع شركات أجنبية لمراجعة بعد تلاعب ب"أثمان التحويل"    وهبي: الهزيمة أمام المكسيك "درس"    مسيرة وطنية حاشدة بالرباط تجدد التضامن المغربي مع غزة وإنهاء الحرب    عاصفة قوية تضرب أوروبا تتسبب في انقطاع الكهرباء وإلغاء رحلات جوية    "أوبك +" تضيف 137 ألف برميل يومياً    متابعة 84 شخصًا في طنجة بتهم التخريب على هامش احتجاجات "جيل زد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    صيباري يواصل التألق ويسجل للمباراة الرابعة تواليا مع آيندهوفن    شوكي: عزيز أخنوش.. إنصاف إرادة صادقة    الوفد الإسرائيلي المفاوض يتوجه إلى مصر ليل الأحد ومحادثات غزة تبدأ الاثنين    حادث سيدي قاسم تنهي حياة تسعة أشخاص من أبناء الحسيمة            سربة عبد الغني بنخدة جهة بني ملال – خنيفرة تُتوج بجائزة الملك محمد السادس للتبوريدة    ناشطو "أسطول الصمود" يشكون معاملتهم "كالحيوانات" من طرف إسرائيل    إسبانيا تمنع مظاهرات حاشدة مساندة لفلسطين وتستخدم العنف لتفريقها    إحباط تهريب 33 كيلوغراما من الكوكايين الخام بميناء طنجة المتوسط قادمة من أمريكا الجنوبية    أمن أكادير يوقف متورطين في تخريب سيارات بتيكيوين بعد خلاف مع حارس ليلي    ارتفاع قيمة "البتكوين" لمستوى قياسي    الفيفا تصادق على تغيير جنسية احتارين لتمثيل المغرب    الفخامة المصرية على الأراضي المغربية.. «صن رايز» تستعد لافتتاح فندق جديد    المديرية العامة تصنع الحدث في معرض الفرس برواقها المديري وعروض شرطة الخيالة (ربورطاج)    الجامعة السنوية لحزب "الكتاب" توجه انتقادات لاذعة إلى تدبير الحكومة    محمد الريفي يعود بديو مع "أورتيجا"                القضاء الأمريكي يحكم بحبس نجم الهيب هوب ديدي    لجان التحكيم بالمهرجان الوطني للفيلم    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    أين اختفى هؤلاء "المؤثرون" في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟    إلَى جِيل Z/ زِيدْ أُهْدِي هَذا القَصِيدْ !    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب        فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جون بريكمون ونعوم تشومسكي : العقل ضد السلطة

إذا كان الكثيرون يعرفون تشومسكي المنتقد للسياسة الأجنبية الأمريكية، فإن أفكاره حول الطبيعة البشرية والتقدم والثورات والفوضى والسوق وحرية التعبير والفلسفة والمثقفين (بمن فيهم المثقفون الباريسيون) والعلوم والدين والأخلاق لا يزال العارفون بها قليلين.
والكتاب الذي نقدم ترجمته ههنا يشتمل على حوارين، أنجزا هما الاثنان بطريق الكتابة، يعود أولهما إلى سنة 2009 والثاني إلى مطلع سنة 2010. وقد أراد المحاور به أن يكون مساعداً على زيادة فهم لمختلف جوانب الثراء المميز لفكر تشومسكي. ولتحقيق هذه الغاية جاءت معظم أسئلته في صورة اعتراضات.
يمثل عنوان الكتاب «العقل ضد السلطة» تلخيصاً وافياً لأعمال تشومسكي وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك؛ فهو لا يملك أسلحة ولا يستند إلى دولة أو يعول على محاكم. والخلاف بين تشومسكي ومثقفين معاصرين كثر يتمثل في أن هؤلاء كثيراً قد نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدُّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. وأما تشومسكي فلا نراه يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك. ولا يحمل تشومسكي كذلك إيماناً ساذجاً بالتقدم. لكن الديمقراطية والحريات الفردية واللائكية وتحرر المستعمرات، وحتى إلى وقت قريب، كما يقول «حقوق الأقليات، وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة)» تعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المرتبط بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية باتت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرري المتحدر من الأنوار.
جون بريكمون : كيف نبرهن على وجود تقدم فعلي على الصعيد الكلي؟
نعوم تشومسكي : لن أذهب إلى حد القول إنني «أؤمن بشدة بالتقدم». بل أفضل أن أغير رهان باسكال التي يستند إليه نقاشنا. فلو تخلينا عن الأمل واستسلمنا إلى السلبية فسنكون قد أفسحنا السبيل لحدوث الأسوأ، وأما إذا حافظنا على الأمل وعملنا بشدة في سبيل تحقق وعوده فلربما تحسنت الأوضاع. وهذه فكرة بعيدة جداً عن «الإيمان بالتقدم»، وهو مفهوم يبدو لي فاقداً للمعنى إن نحن عبرنا عنه في صيغ عامة. فللتقدم أوجه عديدة، وكذلك الشأن في التراجع، وعليه فلم نشهد تقييماً واضحاً خلال التاريخ في هذا المضمار. ويمكن القول إن الثورة الفلاحية التي وقعت قبل 000 12 سنة قد تهددت الجنس البشري بإبادة لن تقوم له بعدها قائمة والحال أنه لم يكن قضاء نهائياً كما كان يُتصور له في سلم التحول بأن مكن لحدوث الانفجار الديمغرافي والدمار البيئي والتنافس على الموارد، إلخ. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه عن اختراع النار من لدن أسلافنا القدامى. إن الحديث عن «الطبيعة البشرية» لا يفيدنا شيئاً ذي بال. ولاشك أنه توجد «طبيعة بشرية» شديدة الخصوصية، وليس هنالك من حجة أو دليل على أن هذه الطبيعة قد عرفت تغيراً في ما يتصل بالمشكلات البشرية منذ 000 50 سنة، وقت أن طلع بنو البشر الأولون في شرق أفريقيا. وإن طفلاً من قبيلة تعود إلى العصر الحجري لو حُمل إلى باريس أو إلى بوسطن ما كان ليكون مختلفاً في المتوسط من الناحية المعرفية عن رفقائه، في حدود ما نعرف، والعكس صحيح. إن العلم المعاصر لا يفيدنا الشيء الكثير في هذا المضمار. ولقد كان من الصعوبة بمكان أن نكتشف «طبيعة» الحشرات. لكن ما قلنا لا يعني أننا سنسير في الظلمة. فتجربة التاريخ تمدنا بأدوات للفهم. وإن لنا للكثير من الأسباب للاعتقاد بأن «الطبيعة البشرية» تتراوح بين الأكثر قدسية والأشد وحشية، وأن من المحتمل أن كل واحد منا يحمل في ذاته هذه الخصائص. لقد كان مجتمع الأنوار لا يجد غضاضة في تحمل العبودية، وتحمل عنصرية قاصمة، وإبادة ساكنة قد كانت «تسير في طريق التقدم»، وجرائم أخرى كثيرة شنيعة، من حسن الحظ أنه لن يكون في الإمكان تحملها اليوم بسهولة كما كان في الماضي. إن الذين يتوقون إلى العيش في مجتمع القرن الثامن عشر يمكنهم أن يحققوا هذا المراد بسهولة؛ ومثالها في بانسيلفانيا وفي جماعات أميش. لكن قلة قليلة من الناس من تراهم يركبون هذا المركب. وهنالك عوامل أخرى كثيرة ينبغي تقييمها. وليس في الإمكان بطبيعة الحال تقدير هذه الأبعاد مجتمعة. لكن إذا نحن نظرنا إلى التاريخ الحديث في شموليته فأعتقد أن في الإمكان أن نستبين فيه اتساعاً لتصورنا لمجال المسؤولية الأخلاقية وتعمقاً لفهم أهميته، وهذا حتى في سياق حيواتنا. إن حق الأقليات والنساء والأجيال المقبلة (الحركات المنادية بحماية البيئة)، إلخ.، التي يتوقف مستقبلها على اختياراتنا، هذا الحق قد أصبح يلقى من الحماية اليوم أكثر مما كان يلقى منها منذ وقت طويل، وهذا شيء يقع بفضل الالتزام الأخلاقي لا بسبب من الإكراه. غير أني لا أرى فائدة في إطلاق تصريحات كبيرة عن مسار التاريخ. وإن تصوراً متواضعاً يمدنا بخطوط للسلوك كافية لتحديد أفعالنا. وإن أي اختيار كيفما كان ينبغي أن يتم مع اعتبار للدروس التي يمكن أن نستخلصها من التاريخ ومن التجربة، على قدر ما يمكن من الواقعية. وينبغي مواجهة هذه الاختيارات بالخيارات التي يتيحها تغيير رهان باسكال.
جون بريكمون : وعلى أي أساس تقوم أخلاقياتك؟ فأنت كثيراً ما تقول إن الناس مسؤولون عن العواقب المتوقعة لأفعالهم. لكن كيف تقيم هذه العواقب؟ وما الذي يجعلها حسنة أو سيئة؟ وكيف تقيم ذلك بصورة موضوعية؟ هل تستند إلى المبادئ النفعية (أكبر سعادة لأكبر عدد؟) وتتحدث أحياناً عن الجوانب الأساسية في الطبيعة البشرية. لكنك تشدد كذلك على أننا لا نعرف شيئاً ذا بال في هذا الموضوع. فكيف يكون في الإمكان استعمال الطبيعة البشرية لإصدار أحكام أخلاقية؟
نعوم تشومسكي : لا ينبغي أن يساورنا شك كثير في وجود طبيعة إنسانية صميمة، وأن هذه الطبيعة تشتمل على «كفاءة أخلاقية»، للأسباب التي عبر عنها هيوم بكثير من الوضوح، وهي أسباب أصبحنا اليوم نفهمها بأفضل مما كنا من ذي قبل. لكن حتى وإن كنت تفهم كل شيء في هذا الموضوع فإن ذلك لن يقدم إليك الأساس للأحكام الأخلاقية والذي يتطلبه السؤال. والواقع أن الأمر يتعلق بشرط بالغ القوة، حتى على العلم. وقد كان المؤرخ المرموق للعلم ريتشارد بوبكين على صواب عندما قال إنه منذ أن كانت أزمة التشككية في القرن السابع عشر والناس يدركون أننا «لا يمكن أن نعطي أسساً يقينية بإطلاق لمعارفنا»، وأننا إنما يمكننا أن نؤمل في استعمال وتجويد «معاييرنا لتقييم حقيقة ما اكتشفنا بشأن العالم ومدى قابليته للتطبيق»، أي «أن نقبل بالمعرفة نفسها ونزيد في تنميتها»، مع الإقرار بأن «أسرار الطبيعة، وبعض الأشياء في حد ذاتها، قد احتجبت عنا إلى الأبد». والتحولات التي وقعت في ما بعد لم تزد على أن زينت هذا التفسير. وإن من الخرق أن تطلب أحكاماً أخلاقية من نوع من اليقين لا يمكن أن ننتظره من العلم. إننا ننحو في أحكامنا الأخلاقية كمثل ما يتم في العلوم : فنحن نسعى بأفضل ما نستطيع لنُعمل ونشذب معاييرنا في التقييم من خلال التجربة واستكشاف طبيعتنا الأخلاقية. وقد عرفت معاييرنا تحسناً كبيراً على مر الزمن من وجهة نظرنا. واتسع نطاق الأحكام الأخلاقية لتشمل النساء والمجتمعات الأخرى والأطفال والحيوانات. وإن المواد المكونة للإعلام العالمي لحقوق الإنسان الذي ليس هو «بناء غربياً» بخلاف الخرافة الشائعة عنه ليست منزهة بأي حال عن أي نقد، لكنها كانت انعكاساً، في فترة معينة من التاريخ، للقدرة على اعمال معايير أخلاقية مقنعة على أساس حدسي وتجريبي. إننا نعرف جميعاً أن في العلوم مهما بلغ البراهين التي بين أيدينا كثرة فسيكون هنالك على الدوام ما لا عد له من النظريات المتمايزة يمكنها أن تحيطنا بالوقائع. إن المناهج التي نتوسلها إلى انتقاء النظريات ما كان يدعوه شارلز ساندرس بيرس «محاكمة احتمالية» لا تجد الكثيرين يفهمونها، وأما الوصف الذي جاء به بوبكين لكيفية العمل في المجال العلمي فإنه يبدو صحيحاً. والأحكام الأخلاقية تتم على منوال أقرب إلى ذلك. إن الأحكام الأخلاقية لا تختزل في القدح والطعن في الذات. ويمكن أن يكون هنالك بحث عقلاني في الأسس المشتركة، ودراسة ممحصة لمختلف الوضعيات. إنه أمر لن يؤدي بالضرورة إلى اتفاق، لكن يمكن أن يتحقق تقدم، وبذلك يصير في الإمكان أن يتحقق تلاق في المستقبل. ذلك هو الشرط الإنساني. نحن مخلوقات عضوية، ولسنا ملائكة. ولا يمكننا أن نخرج من أجسادنا، أو نهرب من قدراتنا المعنوية والمعرفية، التي لها أهميتها ولها حدودها الذاتية ثم إن الاثنتين على اقتران وثيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.