البيضاء تحتضن انطلاقة منتدى إفريقي حول البيانات الإدارية    وقفة احتجاجية أمام البرلمان بالرباط تنديدا بتجاهل أوضاع المتقاعدين    اقتصاد المغرب ينتعش في 2025 رغم التحديات    أشرف حكيمي: لم أختر الرحيل عن ريال مدريد وسعيد بثقة باريس سان جيرمان    رسميا الهلال السعودي يضم ثيو هيرنانديز        التزوير والرشوة يطيحان بموظفين بتنغير    الائتلاف المدني للجبل: تحذير من تهديد التماسك الاجتماعي بسبب تجاهل مطالب أيت بوكماز    بنعبد الله: "مسيرة آيت بوكماز تجسد تعبيرا حيا عن تدهور المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة"    توقيف شخص بسلا بشبهة سرقة السيارات باستعمال العنف    اتفاقية شراكة بين العيون وأكادير لتعزيز ثقافة الصورة وتثمين القيم الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء        الدار البيضاء تحتضن أول لقاء دولي مخصص لفنون الطباعة المعاصرة الناشئة    روسيا تعلن تدمير 155 طائرة مسيرة    ممرضو طاطا يحتجون ضد التهميش والإهمال الإداري        توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    تحذير رسمي لمؤسسة إسلامية في بريطانيا بسبب مقطع يدعم حماس    لقجع يقدم مشروع قانون "مؤسسة المغرب 2030" للإشراف على تنظيم كأس العالم وتظاهرات كبرى    "ناسا" تنشر صوراً غير مسبوقة من داخل الغلاف الجوي للشمس            مداهمة مكاتب "نستله" بسبب تحقيقات في إنتاج المياه المعبأة    المغرب يعزز حضوره الدولي في مجال النقل الحديث عبر المشاركة في المؤتمر العالمي للسكك فائقة السرعة ببكين    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    الكاف يفتح تحقيقا بشأن انتهاكات المنتخب النسوي الجزائري ب"كان" السيدات بالمغرب    تصنيف فيفا.. المنتخب المغربي يحافظ على مركزه ال12 عالميا والأول إفريقيا    فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة        الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة        نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة    "أخنوش" يترأس اجتماع اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز    توزيع جوائز الدورة الرابعة للسباق الدولي للزوارق الشراعية بشاطئ الدالية    الحكومة تقر "مشروع الحالة المدنية"    صرف منحة لأرامل ومتقاعدي الأمن    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    استكمال تأهيل وبناء منازل 46,650 أسرة في مناطق زلزال الحوز المتضررة    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    لطيفة رأفت تحيي جولة صيفية في مختلف جهات المملكة المغربية    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    «إصلاحات تعليم عالٍ... أم ارتجال مؤسساتي؟»    المغرب يستقبل 8,9 ملايين سائح خلال النصف الأول لسنة 2025    المنتخب المغربي يعزز ريادته عربيا ويحافظ على موقعه عالميا في تصنيف "فيفا" الجديد    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    "ريمالد" تعتني بزراعة القنب الهندي    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    23 قتيلا بينهم 8 أطفال في غارات إسرائيلية على غزة    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاطعة الانتخابات بين التجريبية العدمية والغموض السياسي

ليس من الضروري في البداية التأكيد على أهمية الانتخابات ودورها الفاعل في مأسسة هياكل الدولة لترسيخ شرعيتها، فهذا تحصيل حاصل، إذ أن الخلاف لا يمس سوى أشكال تطبيقها وقوانينها، ولأن المفاهيم السياسية المرتبطة بالانتخابات تظل قائمة ولا تشكل حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية إلا شكلاً من أشكال التعبير والمحاسبة والمساءلة، ولحظة من لحظات التمييز والفرز والنقد والعقاب في ما يخص النتائج المحصلة والممارسات السابقة؛ وهذا ما يدعو إلى ضرورة أن يدلي الناخبون بأصواتهم لما يعكس ذلك من قيمة آنية بهدف تحقيق تناوب ديمقراطي فعلي لممارسة السلطة، وتحقيق شرعية المشاركة الواسعة للهيئة الناخبة.
تطرح في هذا الصدد في كل الديمقراطيات معايير عزوف جزء من المواطنين عن المشاركة في عملية الانتخابات قد تصل أحياناً إلى أزيد من 50%، إن الأمر هنا لا يتعلق بمجتمع بعينه، ديمقراطي أو غير ديمقراطي، إنها ظاهرة مجتمعية عالمية تعود أسبابها لعوامل متعددة:
- عدم الوعي بطبيعة المرحلة السياسية وإكراهاتها، وما يمكن أن تفرزه من مفاجآت غير سارة ترهن مستقبل البلاد لفترة زمنية تزيد من أزماتها، وتغرقها في ممارسات معادة ومكررة تغلق الأبواب أمام إمكانية التطور المرغوب فيه.
- غياب ثقافة سياسية مواطنة لها علاقة بمستوى التربية والتعليم.
- فقدان ثقة المواطن بالعمل السياسي والسياسة، وممارسات بعض الأحزاب المشوهة للفعل السياسي، مما يرسخ شعور الإكراه بكل ما له علاقة بالانتخاب.
- تراكم الخيبات المتوالية المرتبطة بفساد العمليات الانتخابية وإفسادها بذرائع شتى، الأمر الذي يُوَلِّدُ عقداً نفسية عند المواطن، ويجعله ينأى بنفسه عن أي نوع من المشاركة ما دامت النتائج محسومة قبلياً ولا مجال لتزكيتها.
تشترك في العوامل المذكورة أعلاه مختلف الفئات بما فيها جزء من المتعلمين والمثقفين والموظفين، ومن مختلف الأعمار، وإن اختلفت الوقائع والأسباب الرامية إلى العزوف عن التصويت.
لا توجد وصفات سحرية لحث الناس على التصويت، وما تقوم به بعض الأحزاب من تعبئة إشهارية قد يؤدي إلى النفور، ويعمق رغبة العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية برمتها، مما يدفع سلطة الداخلية تولي مهمة الإقناع مما لا يدخل في نطاق مهامها.
إذا كانت ظاهرة العزوف عن التصويت قاسماً مشركاً بين المجتمعات المعاصرة، حيث تدني مشاركة المواطنين في أغلب الانتخابات العامة أو المحلية أو الاستفتائية في العقود الأخيرة منذ القرن الماضي، وحتى في غياب قوى داعية لمقاطعتها، مع العلم أن هذه الأخيرة فقدت مبرر وجودها في الأنظمة الديمقراطية، وإن وجدت فإنها لا تشكل سوى نشازاً في صيرورة مؤسساتها، لكونها تتناقض وأهداف العملية الانتخابية لكلفة نتائجها المرهقة، فهذا يدعونا إلى طرح أسئلة مركزية فيما يتعلق بالدعوة لمقاطعة الانتخابات يوم 25 نونبر، ما هي دواعيها وأهدافها ؟ وما هي مسوغاتها ؟ وهل هناك ظرفية ثورية ملحة للنضال من أجلها ؟ وكيف يمكن استثمار النتائج التي سيحصل عليها موقف المقاطعة ؟
إن كانت الإجابة عن هذه الأسئلة ضمنياً، فمن المفيد أن نعرج على السياق السياسي الذي تولد عنه موقف المقاطعة الذي تقوده حركة 20 فبراير، وفي نطاق ما صار يعرف بالربيع العربي المشترك وشبيبة الأقطار العربية، مما أدى إلى سقوط أنظمتها المستبدة، ويعد ذلك تعبيراً عن وجود أزمة كانت تنخر مجتمعاتها ومؤسساتها السياسية والتمثيلية، لكون الفساد والإفساد عم مرافقها الاقتصادية والاجتماعية.
استطاع المغرب-لا لكونه يشكل استثناء فقط- أن يقدم نموذجاً حضارياً يحتذى، متفاعلا بحس وطني مع المطالب المعبر عنها.
إلا أن هذه الاستجابة لم ترق إلى مستوى طموحات الفصائل السياسية المهيمنة على حركة 20 فبراير، وهنا يكمن سر الدعوة إلى مقاطعة التصويت يوم 25 نونبر، مما يطرح تساؤلات تمس الغايات الضمنية بأهدافها، وفي ضوء الشعارات المعلنة والمضمرة التي اندرجت في سياق مظاهرات الاحتجاج.
يمكن للمرء أن يتفهم طبيعة أهداف أية حركة سياسية بغض النظر عن نزعتها الإيديولوجية، لكن ما يعسر على الفهم هو تجاوزها للمكاسب المحققة مهما كانت جزئية أو مرحلية لتنتقل إلى الدعوة من أجل مقاطعة عملية التصويت، والوقوف ضد إرادة الاختيار الحر، أي ما من شأنه أن يؤدي إلى فرز سياسي على الساحة الوطنية، وترسيخ مظهر من مظاهر الديمقراطية المواطنة.
لا جدال في أن ممارسات سلطة الداخلية خلال كل التجارب الانتخابية التي عرفتها بلادنا قد اتسمت بالتزوير والغش والفساد، مما أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة في أي استحقاق انتخابي، إلا أن التغييرات الهائلة التي عرفتها الساحات العربية بغض النظر عن إفرازاتها الحالية، والحضور الدولي بتحولاته الاستراتيجية سيضع الاختيار الديمقراطي في بلادنا على المحك؛ وهذا لن يتأتى إلا بالمشاركة الفعالة والمكثفة في الصيرورة الانتخابية، وتحقيق ما يمكن أن يؤدي ولو نسبياً لعملية الفرز، وضمان حق المواطن في اختيار من يمثله، وعدم ترك المجال فارغاً لسماسرة الانتخابات والمفسدين في أفق ترسيخ مهام النضال الديمقراطي.
إذا كان الموقف الداعي لمقاطعة الانتخابات وهو حق سياسي يراد به تسجيل الحضور، إلا أنه قابل للاعتراض لتعارضه مع حق واجب الأداء الوطني باعتباره حقاً من حقوق المواطنة، ولكونه يمس الواجهتين التشريعية والتنفيذية، وفوق هذا وذاك فإن المقاطعة لا تشكل في نهاية المطاف إلا عجزاً تنظيمياً، ولن تغير من طبيعة كل المعطياتالرقمية التي ستفرزها صناديق الاقتراع مهما كانت نسبة مشاركة الهيئة الناخبة فيها. وبالإضافة إلى كل هذا فإن المقاطعة تقدم هدية مجانية لعناصر لا حَظَّ لها في تمثيل المواطن؛ مع العلم أنها فاقدة لمعيار موازين القوى في المجتمع السياسي، وبذلك تظل المقاطعة عبئاً ثقيلا على عاتق المنادين بها لعدم انبثاقها عن رؤية نظرية مجتمعية بديلة وواعية بالوقائع والممارسات السياسية لفعل السياسة.
خلاصة القول إن الشعارات المرفوعة لمقاطعة التصويت تبرز موضوعياً العجز على مسايرة التطور الديمقراطي الذي يراد ترسيخه في مرحلة دقيقة تصبو إلى إحداث تغيير في طبيعة تمثيلية المؤسستين التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن أن الفصائل الداعية لمقاطعة الانتخابات تفقد إمكانية الفعل السياسي، ولأن الفرق بين الدعوة للمقاطعة والمشاركة فرق شاسع نظرياً وإيديولوجياً، فالأولى فاقدة للبوصلة في متاهات غير محسوبة النتائج، والثانية تملك مقومات الحياة باعتبارها اختياراً صائباً، لا فيما يتعلق بتأكيد حقوق المواطنة فقط، بل إسهامها في تنقية المؤسسات التمثيلية إذا ما تم اختيارها على قاعدة وعي سياسي من أجل الإسهام في بناء الدولة الديمقراطية، وبالأخص عندما تملك القدرة على مواجهة كل الآفات المضرة بالمجتمع وأفراده، ولن يتم كل ذلك إلا بتمييز دقيق لتوجهات المترشحين وبرامجهم، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يشوب عملية الاقتراع من اختلال وتشويه وفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.