نشرة إنذارية.. موجة حر تصل إلى 48 درجة ابتداء من الأحد    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان التشكيلي عفيف بناني    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى رئيس جمهورية المالديف بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    فاعلون يناقشون "العقوبات البديلة"    بسبب "الإقصاء من التوظيف".. أطباء موريتانيون يلوّحون بالهجرة إلى المغرب    تسريب 72 ألف صورة لنساء من "تطبيق أمريكي للمواعدة"    إنفانتينو يُدشن مقر "فيفا" الإقليمي لإفريقيا بالرباط بحضور فوزي لقجع وباتريس موتسيبي    المنتخب المحلي المغربي ينهزم أمام بوركينا فاسو في مباراة إعدادية لل"شان    تحالف أسطول الحرية: مسيرات تحلق فوق سفينة "حنظلة"    "إعلان طنجة" يحث على تسريع التحول للاقتصاد الأخضر وتحقيق الحياد الكربوني في المدن الأفريقية    إدارة الدفاع: المنصات التي تعرضت للاختراق السيبراني هي تلك التي لم تخضع مسبقاً للافتحاص الأمني    "كان السيدات" المنتخب المغربي يواجه نيجيريا بهدف التتويج بأول لقب قاري وتحقيق الإنجاز التاريخي    زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب بابوا الغربية بإندونيسيا    وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني    وفاة الموسيقار زياد الرحباني نجل السيدة فيروز بعد مرض طويل    تفوق على معايير الفيفا .. مسؤول بالكاف ينبهر بتطور ملعب طنجة الكبير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    بين تراجع المتعثر وارتفاع المعدوم.. البنوك المغربية تعدّل استراتيجيتها لتقليص المخاطر    الدرهم يرتفع بنسبة 0,6 في المائة مقابل الدولار خلال الفترة من 17 إلى 23 يوليوز الجاري    وفاة الفنان زياد الرحباني نجل السيدة فيروز عن عمر يناهز 69 عامًا        كيوسك السبت | افتتاح مكتب "الفيفا" بالرباط وسط أجواء نهائي كأس إفريقيا للسيدات    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير ضواحي بركان    وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر 69 عاما        الأخوان الشبلي يرفضان زيارة ممثلين عن مجلس حقوق الإنسان بالسجن ويتهمانه بالتواطؤ    رصد أصغر نوع من الأفاعي في العالم من جديد في بربادوس    استوديو إباحي داخل شقة بالمغرب... والمقاطع تُباع لمواقع عالمية    لقجع: تحديد ملاعب مونديال 2030 يخضع للتفاوض بين "الفيفا" والدول الثلاث    ""التوحيد والإصلاح" تستنكر قرار ضم الضفة الغربية وغور الأردن وتعتبره جريمة سياسية وأخلاقية    صور مزيفة بالذكاء الاصطناعي تجمع ترامب وإبستين تحصد ملايين المشاهدات    مقتل 8 أشخاص في هجوم بإيران    تخصيص 150 مليون درهم لإنشاء أكبر محطة طرقية للحافلات جنوب المغرب    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    إيقاف ميسي وألبا لعدم مشاركتهما في مباراة كل النجوم (رابطة الدوري الأميركي)    بنك المغرب.. الودائع البنكية تبلغ 1275 مليار درهم في 2024    تركيا.. حرائق الغابات تهدد المدينة الأثرية "بيرغي" جنوب البلاد    أخنوش: تعميم تغطية التراب الوطني بشبكات المواصلات حاجة ملحة لا تقبل التأجيل أو الانتظار    عصيد: النخبة المثقفة تركت الساحة فارغة أمام "المؤثرين وصناع المحتوى"    سجلماسة: مدينة وسيطية بتافيلالت تكشف عن 10 قرون من التاريخ    الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش على مزاعم بيع النقط وتسجيلات مسلك الماستر    أخنوش: تعميم التغطية بشبكات المواصلات حاجة ملحة ولا تقبل التأجيل أو الانتظار    الملك يعزي أسرة الفنان الراحل عفيف بناني    للجمعة ال86… المغاربة يهبون لمساندة غزة ضد سياسة التجويع والإبادة    غزة تموت جوعا.. وفاة 9 فلسطينيين بسوء التغذية خلال 24 ساعة    ولد الرشيد يلتقي رئيس الجمعية الفيتنامية    تقرير رسمي يفضح أرباح شركات المحروقات في المغرب    بعوض النمر ينتشر في مليلية ومخاوف من تسلله إلى الناظور    2298 شكاية من زبناء مؤسسات الائتمان خلال سنة 2024    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جنوب المحيط الهادئ    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة    ما المعروف بخصوص "إبهام الهاتف الجوال"؟        الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ محمد الطيب الناصري.. قصة مغربية في عفة النفس
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 31 - 05 - 2012

عادة الكبار أن يرحلوا في صمت، مثلما عاشوا في صمت وإباء، حتى وأعمالهم تكون كبيرة ووازنة وجليلة. وكذلك كان الأمر مع الأستاذ الراحل محمد الطيب الناصري، وزير العدل السابق، ابن الزاوية الناصرية بأولاد صالح بالنواصر، بضواحي الدار البيضاء، الذي تمتلك عائلته شجرة النسب إلى سلالة النبي محمد. ولم يكن زعيم الزاوية البوتشيشية بمداغ، الشيخ حمزة، يقبل أن يجلس الأستاذ الراحل على الأرض، بل كان يخصه بكرسي تقديرا لأصله الطيب. ولأن الإنسان عادة إما أن يكون مصدر طاقة إيجابية أو مصدر طاقة سلبية، فقد ظل الراحل مصدرا لطاقة إيجابية في كل مسارب الحياة التي عبرها، وكان له إحساس مرهف جدا بالأحداث والأشخاص والعلائق، وكان ابنا وفيا لتربية الزاوية التي كبر فيها، ولسلالة والده الحاج الطيب رحمهما الله جميعا.
كانت كفاءتهالعلمية القانونية هي التي بوأته أن يكون مرجعا قانونيا وحقوقيا لا يعلى عليه، مما أهله لأن يصبح محامي الدولة المغربية في كل قضاياها الدولية وأمام مختلف محاكم العالم. ولعل الكثيرين يتذكرون القضايا التي رافع فيها أمام محاكم باريس من أجل قضايا تخص الملك الراحل الحسن الثاني، لأنه أولا وأخيرا حجة علمية قانونية. مثلما يذكر الجميع دفاعه عن حقوق المغرب أمام المحاكم الدولية ذات الصلة في ما يرتبط بكارثة السفينة الإيرانية «خرج 5» التي تسرب نفطها بعرض سواحل آسفي منذ سنوات بما تسببت فيه من كارثة بيئية، مثلما أن مكانته بين زملائه المحامين هي التي أهلته لأن يكون نقيبا لهم، قبل أن يلج مسؤولية وزارة العدل في حكومة عباس الفاسي، وينجح في إحداث تغييرات جذرية ببنية الوزارة، بل ونجح في تغيير وجوه عمرت طويلا في مفاصل الوزارة وكانت دوما حاجزا أمام أي إصلاح حقيقي في الوزارة. مثلما اكتشف فيه نواب الأمة بالبرلمان في العديد من مناقشات لجنة العدل والتشريع، وفي لحظات أزمة اجتماعية لإضرابات قطاع العدل، رجل الأخلاق العالية ورجل المبدأ، الذي لا يجد أحيانا ما يدافع به عن شرفه وعزة نفسه غير الدمع أمام بعض الكلام الجارح في شخصه. فالرجل كان من النوع الصموت جدا، الذي صعب أن تفوز منه بكلمات عابرة، حتى أنه كثيرا ما كان يمتص ألم الكلمات ويطويها بإغماضة عين. وهو ذات الصمت الذي حرص عليه بصرامة في كل أعمال الخير التي أنجزها بمنطقة أجداده، بناء مدراس ودور للرعاية وثانويات إعدادية (آخرها مؤسسة الطيب الخمال رفيقه في المحاماة وأحد ضحايا تفجيرات الدار البيضاء ليوم 16 ماي 2003). فقد كان يحرص على المساعدة في تعميم أسباب التعليم واكتساب المعرفة، في نكران نبيل للذات وبدون بهرجة.
الراحل محمد الطيب الناصري، لم يكن الذي كانه سوى بتراكم لمواقف نبل حاسمة في حياته المهنية والإنسانية منذ بداية الستينات، حين انخرط في الحركة الاتحادية وترشح باسمها ونجح في انتخابات 1963. وحين ترافع ضد قتلة الشهيد عمر بنجلون الذي كان صديقه، وحين ترشح مستقلا في انتخابات 1976 الجماعية ونجح كمستشار في جماعة عين الذئاب التي كان يترأسها الراحل مصطفى القرشاوي، وكان سندا هائلا له وللتجربة الجماعية تلك، التي ما تكررت قط بذات الألق في التسيير الجماعي للدار البيضاء، وكان عملها عملا تأسيسيا لمعنى ممارسة المسؤولية الجماعية بشرف وبنتائج ملموسة في الواقع الملموس، وكان دوما يصوت لصالح مشاريع الجماعة ويدعمها عاليا. ثم حين رفض الترافع بأمر من الراحل ادريس البصري وزير الدولة في الداخلية الأسبق، ضد الكاتب العام للمركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وأسندت المهمة للمحامي زيان. وكان قبل ذلك من المحامين المغاربة الذين ترافعوا إلى جوار الراحل عبد الرحيم بوعبيد في محاكمات مراكش السياسية الشهيرة في نهاية الستينات وبداية السبعينات. وحتى حين انهالت عليه كتابات نقد في قضايا تخص العائلة الملكية ضمن أمور تجري وقائعها أمام المحاكم المغربية، امتلك شجاعة أن يصدر بيانا توضيحيا أخرس الكل بحجيته القانونية وأخلاق أسلوبه العالية. وفي كل هذه الطريق الطويلة من الفعل في مفاصل حامية من تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، كان يفعل بعيدا عن الأضواء، مكتفيا بقوة كفاءته العلمية وبالنجاح الذي صاحبها في مكتبه الضخم للمحاماة بشارع مولاي يوسف بالدار البيضاء، الذي نجح في أن يجعل ابنه المحامي هشام الناصري وريث حجيته العلمية ووريث سلوكه الأخلاقي الرفيع. بل وأن ينجح الابن في ربط علاقات دولية وازنة مع إحدى أكبر مؤسسات المحاماة الإنجليزية، التي تمكن من جلبها إلى المغرب في خطوة ذات بعد دولي وازنة، تفيد البلد واقتصاده ومرجعيته القانونية في كل الجوار المغاربي والشمال إفريقي. بذلك نجح الراحل في أن يكون مربيا لجيل من المحامين المغاربة ولجيل من الحقوقيين المغاربة ولجيل من أطر وزارة العدل المغربية، من خلال أسلوبه في السلوك وأسلوبه في معالجة القضايا الشائكة (والرجل هو الأسلوب)، كما لو أنه سلحهم بالمعرفة التي لا تزول، ومنح المغرب أطرا كفؤة ستواصل ما رسخه فيها من علو كعب في الدربة القانونية، وأساسا من أخلاق عالية في السلوك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.