تقوم إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية خلال فترات متقاربة باستطلاع رأي المسافرين حول السفر عبر القطار وعلاقة المواطنين بالقطارات ودرجة رضاهم من عدمه على مستوى الخدمات التي تقدمها السكك الحديدية إن بداخل المحطات أو على متن القطارات وحتى بالنسبة لتنقلاتهم نحو المحطات وعلاقتهم بسيارات الأجرة. الخلاصة المسجلة خلال كل استطلاع رأي أن التذمر هو العنوان الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من تلك الاستمارات، خاصة مايتعلق بجودة الخدمات على متن القطارات. خلاصة منطقية بالنظر لمايعانيه المغاربة وهم يستقلون القطارات كُرْهًا لا طوعا، حيث لايجدون عنها بديلا أمام المخاطر التي تحدق بحافلات النقل الطرقي فيفضلون «الحشر» داخل صناديق فولاذية متحركة في ظروف غير صحية. سؤال منطقي نستحضره هنا، هل من الواجب القيام بهذه الدراسات والحال أن السفر عبر أغلب القطارات أصبح قطعة من المعاناة ببلادنا؟ وهل تتوخى إدارة السكك الحديدية من وراء هذه الاستمارات القول بأن المغاربة راضون عليها وأن كل ماقيل ويقال عن تردي الخدمات وتذمر الزبناء مجرد إشاعات؟ شخصيا لا أجد تفسيرا لهذه الاستمارات مادام كل شيء واضحا تماما ولايحتاج إلى تبيان، فيكفي أن يمتطي السيد مدير السكك الحديدية والسيد الوزير القطار من مراكش في اتجاه مدينة فاس أو من مراكش نحو طنجة أو من الدارالبيضاء نحو وجدة في الاتجاهين ، ليكتشفا المعاناة الحقيقية التي يعيشها الركاب طيلة مدة الرحلة! يكفي أن يأخذا مقعديهما إن وجداه أصلا ليتصببا عرقا أو ليرتجفا من شدة البرد في رحلتي الصيف والشتاء مادامت المكيفات جميعها عاطلة! يكفي السيد الوزير والسيد المدير أن يخالطا المسافرين ليستمعا إلى قصص معاناة حقيقية لزبناء أوفياء للسكك الحديدية رغما عنهم حيث لابديل إلا الاستسلام للأمر الواقع. يكفيهما القيام بإطلالة على مراحيض القطارات ليريا إن كانا بحاجة إلى مثل هذا الاستبيان أم لا. يكفيهما ركوب المقطورات المستوردة من بلاد الوقواق للاستمتاع بالروائح «الزكية» المنبعثة من المقاعد الإسفنجية والغبار المنبعث منها حيث يتوجب عليهما تثبيت لوحة ممنوع دخول مرضى الحساسية، فرحلة ليلية على متن القطارات كافية بأن تضمن مقام أسبوع في مصحة خاصة! فهل نحتاج إلى دراسات لمعرفة إن كان مستعملو القطارات راضين عن مستوى الخدمات ؟ وهل يمكن إخفاء الشمس بالغربال؟ وهل خلاصات هذه الدراسة ستساهم في تغيير مستوى هذه الخدمات أم أنها ستؤول إلى الرقائق الإلكترونة وتصنف في خانة الأرشيف كسابقاتها بعد أن يكون قد تم صرف الملايين عليها؟ وذلك ما حدث بالفعل، فالخلاصات في طي الكتمان والمعاناة مستمرة إلى موعد استبيان آخر..