بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأحمر    في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية.. بوريطة يصف العلاقات المغربية-الإسبانية ب«اللحظة غير المسبوقة» ويبرز التحول الاستراتيجي بين الرباط ومدريد    الحسين أوشلا مدربا جديدا لفريق الرشاد البرنوصي    نادي اتحاد طنجة يقدم المدرب الإسباني بيبي ميل ويستعرض تقدم تنزيل رؤية الفريق        استئنافية مراكش تُنصف صُنّاع "انت باغية واحد" في نزاع العائدات الرقمية مع "ديجي فان"    مراجعة مدونة الأسرة.. من نزال الفضاء العام إلى "حصان طروادة"!    تقرير: واحد من كل ثلاثة فرنسيين مسلمين يقول إنه يعاني من التمييز    لجنة المالية تقبل خفض رسوم الهواتف    التوفيق: 1500 إمام إفريقي تلقوا التأهيل في المغرب خلال 10 سنوات    سعر النحاس يقفز لمستوى قياسي وسط تفاؤل التوقعات ومخاوف الإمدادات    دورة استثنائية لمجلس أكادير… تحديث جبائي واستعدادات رياضية كبرى    قمر اصطناعي أوروبي يرصد المشاهد الأولى للثلوج بالأطلس الصغير    مبيعات الإسمنت تتجاوز 71 مليون طن    قصيدةٌ لِتاوْنات المعْشوقة.. على إيقاع الطّقْطُوقة!    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة            كأس العرب.. مدرب منتخب قطر يوجه تحذيرا صارما إلى سوريا وفلسطين    مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة    باقتراح من بوعياش... التحالف العالمي ينكب على تحديات وفرص الذكاء الاصطناعي والفضاءات الرقمية وأثرها على فعلية الحقوق    استقرار أسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية    الغلوسي يكشف معطيات جديدة حول "شبكة فساد منظمة" مرتبطة ببرنامج مراكش الحاضرة المتجددة    بوريطة يؤكد أن التعاون المغربي-الإسباني بلغ مستوى "غير مسبوق"    النيجيري ويليام تروست-إيكونغ يعلن اعتزاله الدولي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | 72% من المغاربة يتصدقون بأموالهم لفائدة الجمعيات أو للأشخاص المحتاجين    ترقب مغربي لما ستسفر عنه قرعة مونديال 2026 اليوم بواشنطن    المنتخب المغربي للتايكوندو ينتزع ميدالية ذهبية في بطولة العالم لأقل من 21    التنسيق النقابي في قطاع الصحة يعلن وقفات احتجاجية وطنية ويدعو إلى مقاطعة انتخابات "المجموعة الترابية" طنجة تطوان الحسيمة    مدرب عمان: جودة المغرب الفردية والجماعية تجعلهم منافسا قويا    "المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    ‪المغرب وإسبانيا يعززان تعاون الصيد    اعتقال المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي    مقتل "أبو شباب" إثر "ضربات كليلة" في غزة بعد شجار داخلي مع مجموعته    تعادل سوريا وقطر في كأس العرب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797    أشادت إسبانيا بالإصلاحات التي قام بها المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وكذا بالمبادرات الملكية من أجل إفريقيا    شهادة في حق الفنانة خلود البطيوي بمناسبة تكريمها في الدورة 14 للجامعة السينمائية بمكناس    العنف النفسي يتصدر حالات العنف المسجلة ضد النساء    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب        وزير الخارجية الإسباني يستقبل بوريطة ويؤكد: العلاقات مع المغرب تعيش لحظة تاريخية    بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    ماكرون قلق بعد سجن صحافي بالجزائر    "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤيا فنان .. ترميم الذاكرة من منظور فني
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 12 - 2012

إن المتتبع للوحات الفنان محمد الزياني، يدرك بأن عملية الإبداع بمختلف أشكالها وتعبيراتها تتحرك داخل ثقافة تتميز بتجاذب هائل بين الرموز والأشكال برؤى مدارس متباينة، زودت الفنان بكثير من أدوات الممارسة، مكنته من الانخرط في الحراك الفكري والثقافي والتراثي والكوني بالنبش في مقومات الهوية والخصوصية، والتفكير في القنوات الملائمة لنسج علاقات تفاعلية مع الجمهور في خضم تحديث الوعي الفني، حيث غامر الفنان في تجارب تستوجب التفكير في السبل الكفيلة لجعل التشكيل والفن أكثر تجذرا في الفكر الوجودي الإنساني بحرفة متقنة ونشاط، شاق، متعب وممتع داخل مرسم مكتظ باللوحات الفنية المكتملة وغير المكتملة والتي لا يمكن أن تكتمل بين شظايا أوعية وأقلام وأوراق وأشرطة وفرشاة وأقمشة، ولوحات على مسند، فيها معينات ومربعات وخطوط رقيقة، وعريضة، صاعدة ونازلة، يتضاعف فيها وقع الاستحسان عوض الاستهجان. قضايا جعلتني لا ألعب ولا أتلاعب مع لوحاته، بل جعلتني قزما مقزما أمام حجم التساؤلات الوجودية التي فرضها ثقل هذه اللوحات بدليل أنه فنان موهوب بعمل فيه احترافية عالية وذوق عميق يخلق انفعالات وسيولا من الأسئلة الفلسفية والجمالية .
ومن خلال مكونات اللوحة ومن خلال المسح البصري المبسط العادي، الذي يمكن أن يقوم به أي شخص، فاللوحة يتوسطها رجل ذكر مقرد، محجر الجبين، بنيته قوية عاري الجسد من الأعلى يرتدي سروالا ربما احتشاما من الفنان، متحضر، معاصر لا يعاني من الترهل، لا هو مسن ولا هو صغير، مشقق الرأس، غير واضح المعالم، شخص حيران ، مندهش ،مخيف، باحث، مفكر... وجهه مموه، عميق التفكير، مثير التساؤل ... هو أنا وأنت والآخر، وهو البطل الإشكالي في كل لوحات الفنان الزياني، حيث يتخذ أشكالا مختلفة حسب الرؤية الإبداعية والرسالة المشفرة، التي أرادها منه، فهو خزانه الرمزي بكل جمالية وحساسية، وبكل مرجعياته التراثية والحضارية الممتدة .....، المكون الثاني المحرك للرؤيا وهو الوعاء، الذي حير البطل والفنان والمتلقي وهو الخزان المتصدع المتشقق، والذي تنقصه أجزاء ، والذي لا يمكن أن يُرمم أو يكتمل لضياع أجزاء منه وإلى الأبد ....، المكون الثالث الأرض المشققة اليباب الظمأى بشقوق أوسع، وهي قاعدة هشة غير مستقرة .... ووراء اللوحة الغموض والظلام والماضي المجهول، مع سيلان فيه بعض الحياة، لكن نفعها قليل أمام هول وحجم المحيط...
فالذي يجمع بين مكونات اللوحة، هو العبث الوجودي: فلا الرجل سوي، ولا الخزان سوي، ولا الأرض سوية، ولا الفنان سوي، ولا قارئ اللوحة سوي، ولا الماضي سوي.... وهي حالات نفسية غير مستقرة للكون، والوجود، والزمن، والإنسان، والفنان، والمتلقي ...فالكل في حاجة إلى الترميم، ومن هنا تبدأ الرمزية الواسعة للوحة ... فالفنان هو الباحث الإنسان الذي أراد أن يعيد ماض مضى لكنه لم يمض، من منظور باحث مهووس بالكون والزمن فيُرمم ما لا يمكن أ ن يُرمم .
فالوعاء القلة أو الزير، أو الخزان.... هو الذاكرة، هو الكون، هو العالم، هو الوجود، هو الحضارة، هو التراث هو الزمن الهارب المنفلت المتشظي.... والترميم غربة طويلة، ممتدة ، قسرية وإجبارية عبر الأزمنة والأمكنة طيلة سنوات... وفي غمرة استدعاء الذاكرة وإحساسها الحاد بالغربة، يُطرح علينا سؤال على قدر كبير من الأهمية : أكان ينبغي أن تسير الأمور على النحو الذي سارت عليه، ألم يكن بالإمكان أن تكون أحسن ؟ يجيبنا الفنان محمد الزياني بذاته مبدعا و قارئا مطلعا نبيها، ليؤكد أن سنوات الكينونة ضاعت هباء، وأن تلك السنين ، كانت رصيدا كبيرا من المعرفة والانتقال واكتساب الخبرات، ويصعب استردادها مهما فعلنا وأبدعنا وأتقنا العمل، والفعل، وهو هاجس يعلن عن نفسه في كثير من مشاهد اللوحة... حيث لعب الزمن دورا محوريا في المحو والإقصاء، فالزمن لا يأتي منفردا في تأثيراته ولا ينفصل عن تحولات المكان المستمرة التي تطل علينا وتحتوينا وتخدعنا، فحينما ننظر في وجوهنا أو وجوه من حولنا، أو حينما نشاهد تحولات الأمكنة فإننا نعلم إلى أي مدى قد شملنا الزمان بتحولاته، ولأي مدي قد تغيرنا وتحولنا ،وفارقنا مراحل عمرية ماضية، طويلة ...وحين ندون الماضي أيضا بالفن أو التشكيل أو النحت أو الكتابة، فإننا نرتبط بلحظات مبهمة تتكثف فيها المشاعر والخبرات والأفكار والأماني المشعة بالتوتر والأسئلة والقلق.
وموضوع الذاكرة وترميمها شغَل الفنان محمد الزياني منذ أمد طويل، رغم صعوبة الترميم فنيا كما قال ويقول وهو مشروع رسمه عبر سلسلة من اللوحات، التي يسافر فيها عبر الزمن النفسي للبحث عن الهوية والانتماء، حيث رجع إلى الماضي البعيد، عبر الفن لاسترجاع منظومة فكرية ثقافية ضائعة عند الإنسان العادي وغير العادي، حيث يشعر قارئ اللوحة بأنه أمام تجربة يحاول فيها الفنان أن يعلل أمر الحنين الذي يلاحقه رغم تبدده، ويبدو لي أن مصدر هذا الحنين، ناجم عن فقدان المكان، فعندما تكون في المكان تنشأ بينه وبينك علاقة مختلفة، ولكن عندما تشعر أنك مجبر على ألا تكون فيه وأنت تحبه ويعنيك تنشأ بينك وبينه ترابطات هي نوع من الحنين المرضي، لأن ذلك يعبّر عن رغبة غير متحققة فيه، و يبدو أن المكان المنشود لدى الزياني كان أكبر، وأوسع، و أكثر ظلمة، ورحابة، وأكثر حميميةً، وقد اختار لونا ترابيا لأنه أصل الإنسان، وهو مادة أصيلة في معظم لوحاته التعبيرية، صمتا وهدوء، وموتا، وهو يرسم لا من أجل الرسم بل لوحاته استفزازية : الإثارة فيها حاضرة بثقلها، تثير الدهشة وهي بدابة التفلسف كما قال أسيادنا حكماء اليونان .
إن اللوحة أغنت تجربتي الثقافية، والمعرفية وعمّقت مضمون أفكاري الفنية ووسعت آفاقي، وأشعر أني لحد الآن عاجز عن الفهم والإفهام، كتبت وكأني أحاول الإمساك بالزئبق وحين أعود للوحة أجد أن الكتابة بدورها لا تستطيع ترميم ما خرّبه النسيان، فآمنت باستحالة التنظير والقراءة الكلِّية للتراث الإنساني، ويُمكن استكشاف بعض الجوانب منه، أو اقتراح بعض التصوُّرات .. أو طرحِ فرضياتٍ اعتماداً على المتاح من المعرفة، أما القول بالقدرة على التنظير الكلِّى والقراءة الشاملة فذاك ضرب من المحال، أو المحال عينه، فالمقال بداية محتشمة لمتخصصين يمكن ببحثهم إيفاء الفنان محمد الزياني ما يستحق من عناية وتقدير، فعمله الفني يساعدنا على فهم الواقع بكيفية أفضل لأنه أكثر أصالة وعمقا . وأتمنى أن تتاح لي الفرصة في عمل آخر لجعل كتاباتي جسراً للمعرفة بيني وبين الفنان من جهة والقارئ من جهة أخرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.