جاءت الدورة 19 للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء متأخرة عن موعدها السنوي المعتاد. كثر الكلام و الحبر منذ الإعلان عن تأجيل هذه الدورة. كنا ونحن نقرأ المقالات و الأعمدة الصحفية كأننا أمام نعي للمعرض. صراخ هنا وهناك. ضجيج. تنافر أصوات مخيف ينبئ بتدهور هذا المعرض السنوي، بل باحتضاره. فبدأت التنبؤات تتوالد حول ذوبان معرض المغرب وسط خارطة المعارض العربية، بل و الدولية. نحن أصحاب النوايا الحسنة، كنا نقرأ ونرتجف. لكن ما أن يلج زائر المعرض البوابة الكبرى، و تبدأ أقدامه تتقدم شيئا فشيئا وسط الأروقة حتى يلاحظ جدية الحدث. فالمسؤولون أجلوا الموعد لكنهم لم يخلفوه. الأروقة منظمة تنظيما محكما. و المقاهي و فضاءات الاستراحة مصطفة بهدوء و جمالية. و عدة الزائر، من كاتالوغات و مطويات و أدلة متوفرة و جيدة الطبع. و دور النشر المغربية في الصدارة. في مقدمة واجهة المعرض. و أهل وزارة الثقافة من موظفين و أطر ساهرون على قدم وساق بالابتسامة و المساعدة و الإرشاد. و الندوات تبدأ في موعدها بالتمام و الكمال، و لا دقيقة واحدة زائدة. و القراء في رحابة الأروقة ينتقلون بخفة كالفراشات. كيف لا و قد أعفتهم الوزارة من رسوم الدخول، في إشارة واضحة إلى أنهم أصحاب الحق كل الحق في الولوج إلى معرضهم السنوي، للاحتفال بخير أنيس: الكتاب. جاءت هذه الدورة، بعد سنوات عجاف ساد فيها الاضطراب. و كلنا نذكر تلك السنة التي قاطع فيها الكتاب و المثقفين فعاليات تلك الدورة المشؤومة، التي كاد أن يسقط فيها السقف على النائمين. تلك السنة التي تحولت فيها الأروقة إلى واجهات احتجاج. عندما قاطع الشعراء، عربا ومغاربة و أوروبيين، أمسيات شعرية. تلك السنة التي حرم فيها اتحاد كتاب المغرب و بيت الشعر في المغرب، وجمعيات ثقافية أخرى، من منحهم السنوية التي كانت تمكنهم من الاستعداد للمعرض، ومن أداء كلفة طبع الكتب. و النقل و التنقل. ونحن نبتعد عن تلك السنة المشؤومة، تتضح لنا ما كان سيقع لولا لطف الله. لقد كانت الحركة الثقافية و الفكرية بالمغرب مهددة بالكامل. تلك السنة كانت بياتا لرجال الفكر و للقراء و الناشرين. أما اليوم، ومنذ الساعات الأولى لانطلاق فعاليات المعرض، بدأ المرء يرى الناس منطلقين يبحثون عن اللذة، لذة الكتابة، لذة لمس الكتاب، لذة اللقاء بالمؤلف، لذة اللقاء بالناشر. و كلما تأملنا النتائج التي كادت أن ستحصل عن الاستهتار السابق بالشأن الثقافي، من خلال المعرض الذي هو ملتقى كل الطرق، تبين أن الله كان رحيما بنا. لا نقول هذا تنويها بالدورة الحالية فقط، بل بإصرار الجهة المنظمة على إثبات أن الثقافة المغربية بخير، فقط تلزم الإرادة، و الإيمان بقوة الشباب، وبالفكرة الخلاقة، بالنبوغ المغربي حين تترك له الحرية وتعطى له الفرص. فهذه الوثائق التي بين يدي الزائر، مثل دليل المعرض، وهو كتاب جميل و شامل عن الناشرين يقع في 300 صفحة تقريبا، ودليل المعرض الشامل، والذي يقع في 60 صفحة، وتصميم المعرض الذي يشبه الخارطة المفصلة، وكل الكاتالوغات الأخرى ذات المنفعة الكبرى، للقارئ و الكاتب و الناشر، والباحثين في مجال القراءة، كلها وثائق أنجزت بحرفية عالية، وعقل صاف يعرف أهدافه و خطاه المستقبلية. وهناك بشائر واضحة بأنه في الإمكان أحسن مما كان. إن طابع التعدد، وتوزيع الخيرات الفكرية الرمزية بعدل، هو أعز ما يطلب. هي دعامة استقرارنا.