باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    الأرشيف المستدام    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة    التضامن يعلو مجددا في طنجة .. مسيرة للتذكير بمأساة غ.زة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    النصيري يعاقب "غرناطة" بهدف جديد    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    "عكاشة" يكذب محاولة "تصفية سجين"    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    ڤيديوهات    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوسيولوجيا العمل الجمعوي بالمغرب : ملاحظات أولية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 06 - 2013

رابعا : تحولات الإطار القانوني والمؤسساتي للعمل الجمعوي بالمغرب.
يحتل العمل الجمعوي اليوم مكانة هامة في المجتمع، وتعرف مجالات تدخل الجمعيات توسعا يوما بعد يوم، بحيث أصبح الفاعلون الجمعويون يضطلعون بمسؤوليات متزايدة كانت إلى وقت قريب حكرا على الدولة.فدور الجمعيات لم يعد كما كان في الماضي، مقتصرا على التنشيط السوسيوثقافي، وإنما صارت الجمعيات أداة للتنمية بمختلف أبعادها ، ومؤسسات للتحسيس والتوعية، وفضاء للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، ومجالا للتضامن والتكافل...الخ.
فإذا كانت التنمية في الماضي، تعتبر من مسؤولية الدولة، فإنها اليوم تتطلب وجود جميع أشكال التنظيم الاجتماعي التي تمكن السكان من تحديد حاجياتهم وهيكلة نشاطهم قصد تلبية الحاجيات.حيث يتم تعريف التنمية اليوم باعتبارها «عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة، تستهدف التحسين المستمر لرفاهية الساكن بأسرهم و الأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم النشيطة والحرة والهادفة في التنمية وفي التوزيع العادل للمنافع التي تنجم عنها».وفي هذا الإطار أصبحت الجمعيات شريكا لا غنى عنه في سيرورة التنمية، وذلك لكونها قادرة على الوصول إلى السكان عبر برامج فعالة وملائمة لواقعهم الثقافي والاجتماعي، ولأنها تفسح المجال أمام المواطنين للمشاركة في عملية التنمية، و تمكنهم من تحديد حاجياتهم و من هيكلة أنشطتهم و تنظيمها قصد تلبية تلك الحاجيات.
ومع بداية سنوات التسعينيات بدأت الدولة تعتمد مقاربة جديدة، مقاربة تشاركية ، صاعدة تراهن على انخراط جميع الفاعلين المعنيين بمن فيهم الفاعلين الجمعويين، في سياسات وبرامج التنمية.
ومن أجل الوقوف على خصوصية الظاهرة الجمعوية بالمغرب، لا بد من استحضار الإطار القانوني والمؤسساتي الذي ينظم هذه الظاهرة، والذي يحدد شكلها التنظيمي داخل المجتمع، والتحولات التي شهدها منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، خصوصا ما يتعلق بتعزيز الحرية الجمعوية، ودعم الدور الاقتصادي للجمعيات ، وبشكل أخص دعم مساهمتها في خلق مناصب شغل، وذلك عبر مأسسة علاقة الشراكة مع الجمعيات، وتنمية مواردها المالية وتقنين العمل الجمعوي المأجور، بل وعبر تطوير المعرفة العلمية بالظاهرة الجمعوية.
1- القانون المنظم للعمل الجمعوي بالمغرب :
لا يمكن الحديث عن التنظيم الجمعوي، كتنظيم مدني، بدون استحضار البعد القانوني، ذلك أن الحياة الاجتماعية عموما لا تأخذ شكلها وصيغتها التنظيمية المميزة إلا في ظل القانون...
عرف الإطار القانوني الذي يحكم العمل الجمعوي ببلادنا تطورا نسبيا، منذ ظهور أول ظهير للجمعيات1 في مغرب الاستقلال في 15 نونبر سنة 1958.وإضافة إلى الجمعيات الخاضعة لهذا الظهير، سواء كانت جمعيات عادية أو جمعيات معترف لها بصفة المنفعة العامة، أو اتحادات( الاتحاد الوطني لمسرح الهواة مثلا) أو جامعات ( الجامعة الوطنية للأندية السينمائية مثلا)، هناك جمعيات لها قانون خاص منظم لها مثل: ، جمعيات السلفات الصغرى، جمعيات مستخدمي المياه المخصصة لأغراض زراعية، الجمعيات المهنية، الجمعيات الرياضية، جمعيات الطلبة2...الخ.
وقد شهد مغرب الحماية عدة ظهائر منظمة للجمعيات، كان أولها ظهير 1914 الذي أدخلت عليه تعديلات بمقتضى الظهائر الصادرة في كل من 31 يناير 1922 و5 يوينو 1933 و7 أكتوبر 1941 و 7 ابريل 1943 و30 أكتوبر 1948.وتجدر الإشارة إلى أن المبادئ القانونية لهذه القوانين ، مأخوذة في جملتها من قانون الجمعيات الفرنسي المؤرخ في فاتح يوليوز 1901، لكنه يختلف عن القانون المذكور في عدة مسائل جوهرية تجعل النظام المغربي أضيق نطاقا وأقل حرية من النظام الفرنسي وإن ظل محافظا، بشكل عام، على الصبغة الليبرالية.
ويضمن المشرع، في الفصل التاسع من الدستور ، لجميع المواطنين، و دون تمييز، حرية تأسيس الجمعيات ، وباقي الحريات المرتبطة بها من حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع.كما يشير إلى أنه لا يمكن وضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون. والملاحظ أن مقتضيات الدستور المتعلقة بالجمعيات، التي صدرت سنة 1962، جاءت بعد أربع سنوات من صدور ظهير الحريات العامة ، المنظم للممارسة الجمعوية. ومعلوم أن صدور القانون المنظم للجمعيات، ارتبط بالظروف والمتغيرات التي تلت مرحلة ما بعد «الاستقلال»، لعل أهمها تعاقب حكومتي احمد بلا فريح من ماي 1958 إلى دجنبر 1958 و عبد الله ابراهيم من دجنبر1958 إلى 1960 ، وبالتالي جاء روحه منسجما مع توجهات هاتين الحكومتين. إلا أنه في خضم الأوضاع التي عرفها المغرب نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، التي تميزت بحدة الصراع الاجتماعي وما صاحبه من اضطرابات اجتماعية، جرى تعديل ظهير 15 نونبر 1958 بمقتضى ظهير 11 ابريل 1973.وقد حمل هذا التعديل مقتضيات جديدة ، تحد من ممارسة الحق في تأسيس الجمعيات وتعرقل نشاطها. وتجمع غالبية الكتابات التي رصدت مسار العمل الجمعوي بالمغرب، على ان تعديلات 1973 شكلت انتكاسة وتراجعا عن العديد من المكاسب التي اقرها ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات.
و أبرز نموذج على هذا التراجع، كيفية تطبيق السلطة للقانون المنظم ، وخاصة ما يتعلق بمقتضيات الفصل الخامس الذي يهم الأهلية القانونية، فرغم أن المشرع قد أقر نظام التصريح كآلية لاكتساب الجمعية للأهلية القانونية، فان واقع الممارسة افرز أشكالا مختلفة في التطبيق حولت نظام التصريح إلى نظام للترخيص، على الرغم من وجود اجتهادات قضائية منصفة في هذا الصدد.فالتصريح من منظور حكم لإحدى المحاكم الإدارية هو» مجرد إشهاد بواقعة حصول التصريح، ويضع على السلطة الإدارية التزاما لا تملك معه أي صلاحيات تقديرية، ولا تملك معه إلا مراقبة بعدية عن طريق عرض ما تراه مخالفا للقانون على القضاء، المختص وحده في مراقبة مشروعية التصريح». كما أن القانون المعدل يتضمن عبارات غامضة وعامة، من قبيل «النظام العام» و»الأخلاق الحميدة» و»الأمن العام»، والتي تحتمل أكثر من تأويل ، وتقدم أكثر من ذريعة للمساس بمبدأ الحرية والحق في تأسيس الجمعيات والتجمعات، خصوصا وأن القانون يمنح للمحكمة إمكانية حل الجمعيات إذا كان من شأن نشاطها الإخلال «بالأمن العمومي»، وهو ما يتعارض ضمنيا، مع الإرادة الرسمية المؤسسة لقانون الحريات العامة ، التي التزمت بضمان حرية التعبير والنشر والاجتماع، وتكوين الجمعيات ضمانا لا يحده إلا ما يفرضه القانون وحفظ كيان الدولة ومقتضيات الصالح العام»، وفقا لما جاء في خطاب الملك في ماي 1958، والذي اعتبر منطلقا أوليا للحقوق والحريات المتضمنة في ظهير الحريات العامة ل15 نونبر 1958.
ومن التجاوزات التي كانت تحدث أيضا، نجد عدم تسليم السلطة لوصل الإيداع أو التأخير في تسليمه، بحجة عدم وضوح النص القانوني الأساسي أو عدم دقته.
والواقع أن التضييق على الممارسة الجمعوية يبدأ منذ تأسيس الجمعية، ويتواصل بعد تأسيسها، ومن أشكال التضييق الأساسية التي تعرقل عمل الجمعيات، نذكر: فرض الإدلاء بوثائق لا ينص عليها القانون عند التصريح بتأسيس الجمعية، إخضاع الوثائق المدلى بها لحقوق التنبر مرتفعة القيمة، تعقيد مسطرة التأسيس عبر فرض وثائق كثيرة ومكلفة، عدم تسليم الوصل عن التصريح بتأسيس الجمعية مباشرة، مما يؤخر انطلاق نشاط الجمعية بل وأحيانا يعيق وجودها ذاته، غموض مسطرة الاعتراف بصفة المنفعة العمومية، التي تخول للسلطات المعنية (وزارة الداخلية، الأمانة العامة للحكومة،...) سلطة تقديرية لا محدودة ، منع الاجتماعات الداخلية فيما بين أعضاء الجمعية في بعض الأحيان بدعوى وجوب التصريح بعقدها كما لو كانت الاجتماعات عمومية التي تتطلب الإشعار، إثقال كاهل الجمعيات بأعباء الرسوم الضريبية، و اعتماد الجزاءات العقابية بالسجن و الغرامات المبالغ فيها...الخ.
وهذا ما جعل بعض الباحثين ، يتحدث عن مفهوم «الجمعيات بحكم الواقع»associations de fait ، للإشارة إلى تلك الجمعيات التي لم تحصل على ترخيص قانوني ، لكنها موجودة بقوة الواقع في الفضاء العام3 و تعد «الجمعية الوطنية للشباب حاملي الشهادات» أبرز مثال في هذا الشأن.وينبغي تمييز مفهوم الجمعية بحكم الواقع كما يتجسد في الواقع المغربي نتيجة التضييق على الممارسة الجمعوية ، عن مفهومها كما هو في المجتمع الفرنسي مثلا، والذي يشير إلى الجمعية التي لا تلتزم بالشكليات القانونية، المنصوص عليها في قانون الجمعيات، أي الجمعية غير المصرح بها، والتي لا تتمتع بشخصية معنوية، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج أهمها : أنها لا يمكن ان تتلقى دعما، ولا هبات ، ولا توقيع عقود، ولا تشغيل أجراء..الخ.ولو أن القانون يمنح لها بعض الحقوق منها : إمكانية امتلاك مقرات للاجتماع، جمع اشتراكات، وفتح حساب بريدي..الخ.
ولم تتوقف الجمعيات ، خصوصا الجمعيات التربوية، الثقافية والحقوقية ، طوال السنوات التي أعقبت تعديل 1973، عن المطالبة بتوسيع مجال الحريات العامة وتحسين شروط الممارسة الجمعوية، لا سيما في جانبها القانوني، كما خاضت معركة طويلة بهدف الاحتلال التدريجي ل»فضاء المبادرات المواطنة».و في خضم الدينامية الجمعوية التي شهدها المغرب خلال عقد التسعينيات، تشكلت بمبادرة من جمعية «الفضاء الجمعوي» ، لجنة من فعاليات المجتمع المدني، قادت حملة ترافعية من أجل تعديل قانون الجمعيات ضمت حولي 2000 جمعية، ترمي بالأساس إلى تحسين شروط الممارسة الجمعوية، وتأكيد دور الجمعيات كفاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد تم التجاوب جزئيا مع مطالب الجمعيات حيث مس التعديل مجموعة من الفصول إلا انه لم يصل إلى ما كانت تطالب به الجمعيات. وقد جاءت هذه التعديلات متضمنة في القانون رقم 00-75 بخصوص الجمعيات.
ومن مستجدات القانون الجديد ، التي لها ارتباط وثيق بموضوع البحث، نذكر توسيع مجال الموارد المالية للجمعيات لتشمل إضافة إلى اشتراكات وانخراطات الأعضاء التي لم يعد يحدها أي سقف، وكذا الإعانات العمومية، الإعانات الاجنبية وإعانات القطاع الخاص.
كما حاول القانون الجديد وضع حل «لإشكالية وصل الإيداع» وذلك باعتماد تصريح واحد لدى السلطة الإدارية، بات ملزما تسليم وصل مؤقت عنه وفي نفس لحظة الإيداع، كما تم تقييد السلطة التقديرية للإدارة في هذا المجال، حيث لم يعد أمامها عمليا إلا تسليم الوصل النهائي للجمعية داخل أجل 60 يوما، أو بعد انصرام هذا الأجل، تصبح الجمعية مستوفية لشروط الأهلية القانونية بالوصل المؤقت فقط، ولم يعد أمام الإدارة من وسيلة لمنع أي جمعية إلا عبر اللجوء إلى القضاء.
وأعطى القانون الجديد أيضا بعض الضمانات بخصوص اكتساب الجمعيات لصفة المنفعة العامة من خلال التنصيص على صدور نص تنظيمي يحدد بدقة الشروط والمعايير الواجب توفرها لطلب هذه الصفة، ضمانا للشفافية، وهذا ما يعني و التخفيف نسبيا من حدة التوظيف السياسي والأمني لهذه المسألة من طرف الدولة، مقارنة مع ما كان معمولا به من قبل، وذلك بتوسيع إمكانية استفادة كل الجمعيات من حيث المبدأ من هذه الصفة، إذا ما توفرت على المعايير المطلوبة.
وعمد القانون الجديد أيضا إلى مراجعة المقتضيات التي جاء بها ظهير 1973، فخفض من العقوبات الحبسية والغرامات، وأعطى للقضاء سلطة تقديرية في تقرير إحدى العقوبتين.
وعلى العموم يتضمن قانون الجمعيات، كما تم تعديله في سنة 2002، أحكاما متقدمة، مقارنة مع مقتضيات ظهير 1973، ولكن في الممارسة، ما تزال السلطات ترفض في بعض الأحيان تفعيل مقتضيات القانون.فعلى سبيل المثال، تستمر الإدارة في تجاهل وتعطيل الإجراءات القانونية المنظمة لمسألة «التصريح بتأسيس الجمعية».
وفي هذا الصدد استخلصت منظمة هيومن رايتس ووتش، من خلال دراستها لحالات جمعيات حرمتها السلطات المغربية من الاعتراف القانوني ، اعتبرتها هذه المنظمة حالات متكررة وفي مناطق كثيرة من البلاد « أن التدخل في شؤون الجمعيات ليس نتيجة لمبادرات معزولة من قبل المسؤولين المحليين، بل جزءا من سياسة عامة في البلاد، « تستهدف قمع»خفيف» بواسطته يمكن إضعاف الجمعيات التي يثير أعضاؤها أو أسماؤها، أو أهدافها استياء السلطات، وتهميشها بشكل قانوني».
ويتبين من خلال تقرير منظمة هيومان رايت ووتش ، أن قائمة «جمعيات بحكم الواقع»، طالت لتشمل حوالي 12 جمعية، بعدما كانت تنحصر في مطلع التسعينيات، في «الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب»4. ولعل هذا ما يجعل مسألة حماية حرية الجمعيات والنهوض بها من الانشغالات الدائمة للجمعيات، ولهذا الاعتبار أيضا تأسست سنة 2005 جمعية وطنية، تعنى بهذه المسألة، هي «المرصد المغربي للحريات العامة» الذي يستهدف رصد الممارسة الجمعوية، وإصدار تقارير وصياغة مذكرات مطلبية5 ، من أجل تحسين الشروط القانونية للعمل الجمعوي.
ونشير في الأخير إلى أنه قد جرى تعديل لقانون الجمعيات في سنة 2009. يرمي إلى تشجيع الفاعلين الجمعويين ومدهم بجميع أشكال المساعدة الضرورية لتسهيل تأسيس الجمعيات وتيسير قيامها بأدوارها لمصلحة المجتمع.يتعلق الأمر بظهير شريف رقم 1.09.39 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 07.09 الرامي إلى تعديل الفصل 5 من الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958) بتنظيم حق تأسيس الجمعيات كما تم تغييره وتتميمه. وأهم جديد يحمله هذا التعديل هو أن التصريح بتأسيس الجمعيات لم يعد يتضمن نسخا من بطائق السجل العدلي، بل يكفي فقط الحصول على بطاقة السوابق. بالنظر لسهولة وسرعة الحصول على هذه الوثيقة التي تسلم من طرف مصالح الأمن في أية مدينة، ولا يتطلب تنقل المعنى الأمر إلى مسقط رأسه كما هو الحال بالنسبة للسجل العدلي6. وإن كان التعديل يضيف الفقرة التالية: يمكن للسلطات العمومية التي تتلقى التصريح بتأسيس الجمعيات إجراء الأبحاث والحصول على البطاقة رقم 2 من السجل العدلي للمعنيين بالأمر.
والمثير للانتباه في هذا التعديل، هو أنه من اقتراح الحكومة، ولم يكن موضوع مطلب جمعوي ملح ومباشر، على الرغم من أن الجمعيات تثير هذا المشكل من حين لآخر في تقاريرها ومذكراتها المطلبية، وهذا يعني أن هناك على العموم إرادة سياسية لدى الدولة لتحسين شروط العمل الجمعوي، بل سعي إلى التعامل مع الجمعيات كشريك أساسي في تعزيز صرح الديمقراطية وتحقيق التنمية المستديمة ، يظهر ذلك من خلال عدة تدابير قانونية ومؤسساتية قامت بها الدولة، خاصة مع مطلع الألفية الثالثة.
فمن خلال قراءة في مضامين خطابات ملك البلاد7، في مناسبات متعددة، يتضح أن الموقف الرسمي من الجمعيات قائم على :
- الاعتراف والإشادة بالإسهامات الأساسية للجمعيات في مجالات تدخلها المتعددة(التنمية المحلية، محاربة الأمية والفقر، تقوية البنيات التحتية، دعم الفئات الاجتماعية التي تعيش في ظروف صعبة، البيئة..) وبانخراطها في الشأن العام، بل واهتمامها بمجالات كانت في الماضي ملقاة على عاتق الدولة لوحدها، مما يعد مؤشرا على نضج المجتمع وقواه الحية.
- الإيمان بأن تحقيق التنمية ، الديمقراطية والحداثة رهين بتحسين وتقوية تنظيمات الوساطة و التأطير السياسي والاجتماعي، ومنها الجمعيات، المطالبة بدورها بتوسيع مجال المشاركة، واحترام الديمقراطية الداخلية والاحتكام للقيم الأساسية (احترام الحق في الاختلاف، التضامن، الفعالية..)، وإن كان الإقرار بهذا الخصاص ،لا يمنع من الاعتراف بالفعالية المتزايدة لتدخلات الجمعيات و لديموقراطيتها الداخلية، من خلال: القدرة على تعبئة الطاقات والإمكانيات التي يزخر بها المجتمع من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ممارسة العمل التنموي القائم على مشاركة السكان، الانفتاح الواسع على العنصر النسوي..الخ.
- دعوة السلطات العمومية والجماعات المحلية وسائر المؤسسات العامة والخاصة إلى عقد كل أنواع الشراكة مع الجمعيات ، ومده بجميع أشكال المساعدة .
وبالجملة نستشف موقف ملك البلاد من الجمعيات، من خلال ما جاء في إحدى الرسائل الملكية ، حيث نقرأ ما يلي:»ولا يسعنا إلا أن نبتهج بما أصبحت تشكله الجمعيات المغربية ، من ثروة وطنية هائلة، ومن تنوع في مجالات عملها ، وما تجسده من قوة إقتراحية فاعلة ، أصبحت بفضلها بمثابة الشريك، الذي لا محيد عنه، لتحقيق ما نبتغيه لبلادنا من تقدم وتحديث.»
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.