أعاد تصاعد التوترات بين القوى الكبرى والإشارات المتكررة إلى القدرات النووية تسليط الضوء على الترسانات النووية العالمية والدول المالكة لها. وفي هذا السياق نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا موسعًا تناول التوزيع الجغرافي للأسلحة النووية، وأبرز التحولات الاستراتيجية المرتبطة بها، في ظل مؤشرات مقلقة على تجدد سباق التسلح النووي. ووفقًا للتقرير، تمتلك تسع دول فقط في العالم أسلحة نووية، في مقدمتها الولاياتالمتحدة وروسيا، اللتان تحتفظان مجتمعتين بما يقارب 87 بالمائة من إجمالي الرؤوس النووية العالمية، والبالغة حوالي 12,241 رأسًا حتى أوائل عام 2025. ويُعتقد أن الدول الأخرى المالكة للأسلحة النووية تشمل الصين، فرنسا، بريطانيا، الهند، باكستان، كوريا الشمالية وإسرائيل، التي لا تعلن رسميًا عن ترسانتها النووية، لكنها تُقدَّر بنحو 90 رأسًا. ووفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) واتحاد العلماء الأمريكيين (FAS)، فإن نحو 9,600 رأس نووي لا تزال ضمن الاستخدام العسكري الفعلي، فيما يبلغ عدد الرؤوس المنشورة على منصات إطلاق استراتيجية نحو 3,900 رأس. ويشير التقرير إلى أن الشفافية الدولية بشأن حجم هذه الترسانات تراجعت بشكل ملحوظ، إذ أصبحت معظم الدول النووية، باستثناء الولاياتالمتحدةوبريطانياوفرنسا، أكثر تحفظًا في الكشف عن تفاصيل مخزونها. ولا يقتصر امتلاك الأسلحة النووية على هذه الدول التسع، إذ تستضيف ست دول أخرى أسلحة نووية أجنبية على أراضيها ضمن ترتيبات دفاعية، أبرزها الاتفاق النووي داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتشير بيانات الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN) إلى أن نحو 100 رأس نووي أمريكي مخزنة في قواعد داخل ألمانيا، بلجيكا، هولندا، إيطاليا وتركيا، وهي تخضع بالكامل للسيطرة الأمريكية. وفي السياق نفسه أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق عن نية بلاده نشر رؤوس نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وهو ما أكده الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، دون أن تُقدم أدلة قاطعة على التنفيذ حتى منتصف 2025، حسب "واشنطن بوست" نقلًا عن مصادر استخباراتية دولية. التقرير أشار أيضًا إلى تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعلن عن إرسال غواصتين نوويتين إلى مواقع لم يُكشف عنها، ردًا على ما وصفه ب"تهديدات غير مباشرة" من مسؤولين روس. وقال ترامب إن على العالم أن يدرك مخاطر الانزلاق إلى مواجهة نووية "غير محسوبة". ورغم الاتجاه العام نحو تقليص الترسانات منذ نهاية الحرب الباردة، يُظهر تقرير "واشنطن بوست" مؤشرات على نهاية تلك المرحلة. فالعديد من الدول باتت تعتبر الأسلحة النووية عنصرًا محوريًا في استراتيجياتها الأمنية، فيما يزداد الغموض حول فعالية "الردع النووي" بعدما فشلت الترسانة الإسرائيلية في ردع الهجمات الصاروخية، ولم تمنع تهديدات موسكو النووية الدعم الغربي لأوكرانيا. وحسب محللين استشهدت بهم الصحيفة، فإن تعزيز القدرات الدفاعية يُنظر إليه أحيانًا من الطرف الآخر كإضعاف لردعه النووي، مما يُفضي إلى حلقة تصعيد جديدة. ويخشى المراقبون من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى استقرار مستويات التسلّح النووي عند مستويات مرتفعة، أو حتى إلى زيادتها، مما يُنذر بمرحلة دولية أكثر اضطرابًا وتوترا.