14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بلجيكا تعين ضابط مخابرات في المغرب الصيف المقبل    غير كيزيدو يسدو على ريوسهم: الجزائر انسحبت من كاس العرب فالمغرب بسبب خريطة المغربة    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي .. إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    رصد في ضواحي طنجة.. "القط الأنمر" مهدد بالانقراض ويوجد فقط في حدائق الحيوانات    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمملكة    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تْراجيدْيا السّديم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 09 - 2013

ما يحدثُ في مصر الآن، وفي عدة بلدان عربية، بكلّ مظاهره وأبعاده، ليس وليدَ اليوم.
إنّه ضاربٌ في القِدم.
ضاربٌ في أعماق الثقافة العربية التي تميلُ إلى الارتجال في تصوّر الواقع وهُوية الذات والفردِ والجماعة والتاريخ والسياسة والسلطة والفكر والاقتصاد. الثقافة العربية ثقافة تظلّ نيئة وعشوائية، تبدّد الزّمن وتلغيه من حسابها، تؤمن بالصُّدفةِ والمُحال. إنها ثقافة لا تُخطط ولا تملك القُدرة على الهندسة، لذلك تسقط في تكرار نوْباتِ ماهي عليه في أصل بذْرتها: السّديم، السّديم بكلّ ما يعنيه من شَوَاشٍ وعماءٍ وهَباءٍ في إدراكِ ما تحياه وتعيشه على إيقاع الهدْمِ وفجائع الدّهر المتوالية التي تسميها هذه الثقافة نفسها »نكبات« تارة، وتسمّيها تارة أخرى »نكسات« أو »أزمات« أو »مِحَناً«، بل »كبوات« في قاموس محنط آخر، بينما الأمر كل الأمر يتعلق ب »أخطاء«، أخطاء تُوسَامْبلومُون، أخطاء، لكنها ليست أخطاء بسيطة بدليل أنه كلما وقع خطأ ما تنهار صُروح كلّ هذه الثقافة، أو بعبارة أخرى، تنهار كل صروح هذه الثقافة، دفعة واحدة، تنهار الدولة، تنهار السلطة، ينهار المجتمع، ينهار الاقتصاد، ينهار الفكر، ينهار كل شيء.
حدث يحدث هذا باستمرار، وغير مرة حدث في أغلب البلدان العربية، وكأننا في عالم خرافي تقيم فيه كائنات خرافية تأتمر بقوانين خرافية.
ما الذي يكشف عنه هذا السّديم؟
إنه غياب وازع العقلانية الذي تقف له العقلية العربية بالمرصاد وتحاربه بصيغ شتّى، أحياناً بينة، وأحياناً مُضمرة، وهو الغالب في ديْدنِ هذه العقلية التي تكدّس في لاوعيها الجمْعي مقادير لا تقدر من ايديولوجية الخَرَاب المدمّر بنوع من المازوخية البدائية التي تدفع بالجميع إلى المواجهة، كأن الأمر يتعلق بتصفيات حسابات لا نهائية حول ثاراتٍ مدفونة في غيابات الذاكرة المشتركة، كأن الأمر يتعلق بحرب البَسوس أو داحس والغبراء، بينما يظلّ كليب وائل وجسّاس بن مُرة هُما كما هُما، متواريين عن الأنظار، أو يتحركان لاختراق الجموع والتّحريض على القتل وسفك الدّماء بلا طائلٍ سوى كسب مُتعة الفُرجة والتشفِّي قصد العلاج والاستشفاء في مارستان السّديم. المارستان الذي يعادل، خارج البلدان العربية، ما يشبه جبل أو لمب مشيد في مكان ما لا نعرفه إلا حين تُتبادل الشتائم والتّهم: »نكبة« فلسطين، »أزمة« حزيران، »محنة« الكويت، والآن مصر تضاف إلى العراق، إلى سوريا، إلى اليمن، إلى وإلى وإلى، والجميع يتلذذ ويتمتّع ويخطط لفُرجات أخرى في هذا السّديم المُمِلّ والمهْمل في آن واحد، السّديم المتروك للعشوائية وارتجال حلول خارج مدارات العقلانية بحيث لم تعد اي منظمة سياسية راسخة !؟ جهوية او عالمية، تملك القدرة، الجرأة بالاحرى، على مواجهة السديم وهو يسحب البساط والمفاتيح من ربابنة العقلانية ليضعها في يد وتحت تصرف كهنة السديم وفقهاء الظلام وعباد الشمس الميتافزيقا المحترمة، لكنها تظل متقدة لمزيد من الحطب والاحتراق البطيء.
اين هي الان المنظمات السياسية الجهوية والعالمية الواسخة في تعميم وتعميد تراجيديا السديم؟
هل توارت، تتوارى الان، أم انها خلف ستار تتفرج الى حين يسمح لها بالتبرج والكشف عن سندات ما تكدسه من مقايضات سرية في بنوك الربح عنوة؟
للسديم، اكثر من وجه، وله من الاسلحة مالا حد له، غير ان اشد اسلحته فتكاالارتجال، الارتجال وعدم احتساب المآل، لانه، كما يقال في الدارجة المغربية ماعندو مايخسر، ديما رابح، وعندما تختلط الاخماس بالاسداس يلجأ كهنة السديم الى ضرب كعب اخيل ويختارون من يغافله احتسابا بالدهاء او ليس: المعركة هي المعركة، في ديدن كهنة السديم، والحرب هي دائما نفس الحرب،و القتل هو القتل، منذ قابيل، اما غير ذلك فمجرد هباء، مجرد فرجة مباشرة او غير مباشرة للدهماء ولعابري سبيل المعركة حيث يسقطون او يفرون للاختباء في مغارات سديمية اخرى منها مغارات الايديولوجيات المتوفرة في متحف الميتافزيقا الكاسدة بالكريدي، والتريتات، في انتظار يوم الحشر الموعود لصالح طرف على حساب طرف. اين الدنيا واين الاخرة!
ألا يستحق ما يحدث في مصر الان، وفي عدة بلدان عربية، اللحظة، تحليلات اخرى غير التحليلات الجارية على ايقاع الكر والكر والمداهمة والمداهنة وتعليق الحبل على الغارب وملء الدلاء ومحاولات اطفاء الحرائق ومبايعة الشرعية والاستقواء في الوقفات والمسيرات والتظاهرات وتوقيع العرائض؟
شخصيا: لا أملك جوابا.
نسقيا، امر اخر، لان ما يجري في مصر، وخارج مصر، يحتاج الي هدم ما نعرفه وتشييد افق اخر للتفكير والتأمل، إذ لم يعد «العالم العربي»؟ معزولا وان كان يندفع كثور الى العزلة قبل الاجهاز عليه. لم يعد معزولا، هذا العالم العربي الذي اصبح غير ما كان عليه كأنه لم يكن، وهذه مسألة اخرىِ، لانه كان، منذ البداية، منذورا لما يعيشه الان، ولا يتعلق الامر هنا بنزعة قدرية ولا بحتمية مطلقة، بل ب»واقع» ثابت وبين هو العجز، العجز في بناء مشروع حضاري معرفي ثقافي عقلاني، العجز والمراوغة في قبول الديموقراطية، وتدجينها واعتبارها مجرد لعبة صناديق اقتراع لذوات وكيانات منفلتة من علبة باندورا العجيبة، ثم العجز في اجتياز عتبة السديم، والسديم الذي لا منفلتة عن علبة باندورا العجيبة؟ ثم العجز في اجتياز عتبة السديم، السديم الذي لا زمن له لكنه يحصد كل الامكنة ويحتشد في كل وقت ليمطر الارض بما يلزم من شهاد الهزيمة. هزيمة العالم العربي، هزائمه بالاحرى، ليست سياسة كلها، انها ايضا عقلانية وفكرية وثقافية، لانحتاج في هذا إلى أحد، خارج دائرتنا، كي نتصوره، إذ يكفي أن ننصت إلى سلف آخر من أمثال الكواكبي والافغاني ومحمد عبده، بالنسبة إلى الماضي، بعض الماضي، أو ننصت إلى من كانوا بيننا وإلى من هم لازالوا من أمثال عبد الله العروي وهشام جعيط ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبي زيد ومحمد أركون وغيرهم، يكفي ما كتبه هؤلاء وقالوه لنعلم، ولو قليلا، أننا نخطئ كثيرا. نخطئ في حق حضارتنا حين نمجدها كثيرا ولا ننظر اليها من الداخل.نخطئ في حق ثقافتنا حين نكتفي بالتغني بها دون تمحيصها. نخطئ في حق السياسة والتاريخ. نخطئ في كل شيئ ونفضل عقلية السديم، عقلية السديم والمحو والاستقواء والتراجيديا، مع العلم بأننا لسنا تراجيديين إلا في حدود الفرجة والاسترخاء لمشاهدة طقوس الموت والدم والخراب، وللتملي في جثث القتلى كأننا نتفرج على فيلم من أفلام رامبو أو بريس ويليس وئفازرنيغر، لمجرد الفرجة مرة، ومرة للتماهي بالمعنى السيكولوجي الحرفي.
التراجيديا تفترض التطهير (الكاثارزيس)، مع أن الترجمة فيها و مافيها، أما تراجيديا السديم فلا حد لها، أو لنسمها، على غرار محمد مسكين، «»ترايجد يا السيف الخشبي««، وليكن سيف ديموقليس أو سيف عنترة أو سيف علي أوسيف معاوية، لا يهم، السيف سيف ككل سلاح أبيض لم يعد «أبيض»« والقتل قتل وسفك الدماء هو هو، لا فرق بين من يقترفه ومن يخطط له، في الشارع والحياة، كما في السلطة و الحزب والجماعة والعصابة، وفي التنظير والكتابة باسم الدين وغير الدين، في تبرير ما لا علاقة له لا بالأرض، ولا بالسماء إلا لغائية تملك ما بينهما من «»جو»« تحلق فيه أسراب الأحلام وأضغاث الكوابيس، والله غالب.
الرباط: 2013/8/21


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.