المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    تراجع مخزون السدود بالمغرب إلى 34% مع نهاية غشت    مقتل أزيد من 35 إرهابيا في ضربات جوية شمال شرق نيجيريا    ارتفاع ضحايا المجاعة في غزة إلى 289 شخصا بينهم 115 طفلا    المملكة المتحدة تتعهد تسريع النظر في طلبات اللجوء مع امتداد التظاهرات أمام فنادق الإيواء    بن صديق يسقط أمام الهولندي ريغترز في نزال الغلوري المثير    جماهير الجيش الملكي ترفض رفع أسعار التذاكر وتطالب بالعودة إلى ملعبها التاريخي    كرة القدم: ندوة صحفية للناخب الوطني يوم الخميس المقبل بسلا    المغرب: فاتح شهر ربيع الأول لعام 1447ه غدا الاثنين وعيد المولد النبوي يوم 05 شتنبر المقبل    حقي بالقانون.. غشت بداية تطبيق العقوبات البديلة.. تفاصيل شراء العقوبة الحبسية ابتداء من 100 درهم (فيديو)    سفيان أمرابط على رادار إنتر ميلان الإيطالي    جاكوب زوما: محاولة فصل المغرب عن صحرائه هو استهداف لوحدة إفريقيا وزمن البلقنة انتهى    الجزائريون يبحثون عن تبون: غياب الرئيس الجزائر يثير القلق في ظل قبضة الجيش والإعلام المقيد    إنستغرام تسمح بربط عدة فيديوهات قصيرة في سلسلة واحدة    إسبانيا تعلن اقتراب السيطرة على الحرائق    موجة غلاء جديدة.. لحم العجل خارج متناول فئات واسعة    ناشطات FEMEN يقفن عاريات أمام سفارة المغرب في برلين تضامنا مع ابتسام لشكر    تقرير غوتيريش يحذر من امتداد نزاع الصحراء إلى أكثر من خمسين عاما    غوتيريش يرصد خروقات البوليساريو    الموهبة المغربية تياغو بيتارش يواصل ظهوره مع الفريق الأول لريال مدريد    الصحافة الكويتية تسلط الضوء على المبادرة الإنسانية السامية للملك محمد السادس لإغاثة سكان غزة    طقس الأحد .. سحب وأمطار رعدية بعدة مناطق    إسبانيا تسجّل أشد موجة حر منذ بدء رصد البيانات    ثانوية محمد السادس للتميز ببن جرير: نافذة المغرب نحو القمة العالمية في التعليم        كبار رواد كناوة يتألقون في ثاني سهرات مهرجان نجوم كناوة بالدار البيضاء    فرنسا.. النيابة العامة توجه تهمة "التمييز" لمدير متنزه رفض استقبال إسرائيليين    المكسيك تعلن تراجع تدفقات الهجرة نحو الولايات المتحدة بنسبة 91 في المائة    تعيين الكولونيل ماجور عبد المجيد الملكوني قائداً جهوياً للدرك الملكي بطنجة    طنجة.. سكير من ذوي السوابق يهين شرطية ويثير الفوضى قرب محطة وقود    الجديدة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان اليقطين احتفاء ب''ڭرعة دكالة''    توقيف مختل عقلي تسبب قتل موظف شرطة    "خذينا جوج بطولات ودبا مهددين بالفورفي".. دموع أبرون تجذب تعاطفا وطنيا مع المغرب التطواني        أكثر من 126 جهة و100 متحدث في مؤتمر ومعرض إدارة المرافق الدولي بالرياض    تحذير من العلاجات المعجزة    قانون العقوبات البديلة يفتح الباب لمراجعة الأحكام بالحبس وتحويلها إلى عقوبات بديلة بشروط    بمشاركة عدة دول إفريقية.. المغرب ضيف شرف المعرض الوطني للصناعة التقليدية في البنين    أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    المغرب.. الضرائب تتجاوز 201 مليار درهم عند متم يوليوز    سعيدة شرف تحيي سهرة فنية ببن جرير احتفالا بعيد الشباب    تغيير المنزل واغتراب الكتب        مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري    الاتحاد الأوروبي يفتح باب المشاورات حول استراتيجية جديدة لسياسة التأشيرات    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب            إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنُعِد اختراع السياسة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 12 - 06 - 2014

الهزيمة التي مُني بها اليسار في الانتخابات الأوربية الأخيرة تفرض عليه تغيير نظرته تماماً إلى المجتمع الفرنسي.
هكذا يرى عالم الاجتماع الفرنسي »ألان تورين« الوضع في أوربا وفي فرنسا أساساً، حيث يدعو في هذا المقال المنشور بصحيفة »لوموند« (عدد الاثنين 9 يونيو 2014) اليسار إلى الخروج من العالم الوهمي الذي يتيه فيه وإنجاز الخطوة الكبرى التي تضعه داخل العالم الواقعي للقرن الحادي والعشرين.
ألان تورين
تُظهر الانتخابات الأخيرة قبل أي شيء انهياراً لنظامنا السياسي. ولعل أهم ما أثار الرأي العام هو الصعود السريع للجبهة الوطنية. فلقد عشنا طيلة قرن في مجتمع صناعي، تطابق فيه الفاعلون السياسيون مع الفاعلين الاجتماعيين الأكثر أهمية. والحال أننا خرجنا منه الآن. فلم يعد فهم القنوات السياسية أو الثقافية من خلال الفاعلين الاجتماعيين، وذلك نتيجة للعولمة.
ففرنسا منقسمة بين الذين يعيشون داخل مناطق التواصلات المعولمة وبين هؤلاء المقصيين إلى المحيط، الذين يظنون أنهم منجذبون إلى الحياة القروية، والذين يجدون أنفسهم معزولين بدون شغل أو خدمات عمومية، وحيث يرميهم سعر البنزين بسرعة نحو البؤس. هذه الفئات الشعبية لم تعد تكافح ضد الأغنياء، بل أصبحت تناضل من أجل مواصلة العيش، ومن أجل هذه الكلمة الحاملة لجميع المصائب والجرائم: هويتهم.
فاليمين البرلماني لم يُهيمن عليه أبداً الليبراليون، باستثناء فترة رئاسة »جيسكار ديستانغ«. فقد كان تحت هيمنة الدوغوليين. بيد أن اليمين ليس في خدمة التنمية الاقتصادية في بلد ذكرنا فيه طوماس بيكيتي بأن الإرث هو الطريق الأكثر أماناً نحو الثروة من المقاولة والعمل.
اليمين تحالف مع الأعيان المحليين، في حين أن الأنوية المركزية للاقتصاد هي بيد المالية الدولية أو لازالت مرتبطة بالدولة. و »نيكولا ساركوزي« بتقاربه مع الكتلة الناخبة للجبهة الوطنية في نهاية الفترة الرئاسية، قد قوض حظوظ حزبه، لأن الجبهة الوطنية أكثر وحدة وأكثر دينامية من »الاتحاد من أجل حركة شعبية«.
أما في اليسار، فالوضع أكثر بساطة في تعريفه. فمنذ 1936،كان اليسار تحت هيمنة الحزب الشيوعي، الذي حافظ على موقعه كمهيمن طيلة الحرب الباردة. لهذا فإن »فرانسوا ميتران« كسياسي محنك، رأى أن عليه المرور عبر الحزب الشيوعي الفرنسي »كي يصل مع الاشتراكيين إلى الحكم. وقد وصل الى ذلك سنة 1981 ببرنامج تأميمات ثوري إلى حد ما. وهو خداع بصري ما لبث أن كذبته الوقائع.
وفي سنة 1983، انهار الاقتصاد الذي كان يسيره »فرانسوا ميتران« وكان »جاك دولور« هو من أنقذ الاقتصاد من الكارثة. وهو ما مكن »ميشيل روكار« من أن يصبح وزيرا أول، وأقنع الرئيس بالتخلص من وزيره الأول، الذي فهم بأنه لا يمكن أن يقود سياسة اقتصادية وسياسة اجتماعية إلا بالتشارك بينهما وليس بأن تخوض الواحدة الحرب ضد الأخرى. بعد التخلص من »ميشال روكار«، لم يعد اليسار نهائيا الى قيادة البلاد، على الأقل حتى سنة 2012.
تهالك هذا النظام السياسي ليس كارثيا في حد ذاته، فليس غريبا في عالم متغير أن تتحول الفئات السياسية هي أيضا.
وما جعل المشاكل أكثر صعوبة هو أن الفرنسيين حاولوا إيجاد حلول جديدة. ففي اليسار، كان الألمان هم الذين ولّدوا حزبا بيئيا قويا ومجددا، لكنه عرف الانهيار بسرعة. أما في فرنسا، فقد كان البيئيون (الخضر) منقسمين دوما، وقد اهتموا بالوصول الى الحكم أكثر من اهتمامهم بالبيئة. ومثل الاشتراكيين، كان للبيئيين قادة مجددون جدا، لكن في الحالتين معا، تم القضاء عليهم : »ميشال روكار« لدى الاشتراكيين و»دانييل كون بينيديت« لدى الخضر.
إذن، فبعد العياء الذي أصاب الفاعلين السياسيين في المجتمعات الصناعية، وبعد الفشل الثانوي للفاعلين الجدد، البيئيون والوسط، تم فرض تجديد عميق.
في إسبانيا، التي ضربتها الأزمة بقوة، أنشئ حزب يساري جديد. أما فرنسا فقد أعطت الأسبقية للمشاكل السياسية على حساب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. لقد قالها ماركس سنة 1848 دون أن يتم تكذيبه. «و»نجاح - فشل« «فرانسوا ميتران هو أكبر دليل على هذا التعريف السياسي لفرنسا. فهذا البلد الفخور باسم «الأمة الكبيرة« «ظل ولايزال مرتبطا بميراث ثوراته أكثر منه بالقضايا الداخلية للمجتمع الصناعي.
ففرنسا لم تبلغ أبدا مستوى بريطانيا أو ألمانيا في التصنيع، لكنها لعبت الدور الأول دائما في السياسة وفي الأفكار وحتى في الحرب. فسيادة هذه التوجهات السياسية الوطنية على التوجهات الاجتماعية هي التي قادت دائما أغلب المؤرخين الفرنسيين الى مقاومة فكرة »زيف ستيرنيل« القائلة أن الفاشية اختراع فرنسي، ولهذا السبب يبدو لي هذا النوع من التحليل خطأ في التفسير وبالتالي خطأ سياسيا أمام صعود »الجبهة الوطنية«.
فالصعود القوي للجبهة الوطنية لا يعني أن هذا الصعود لا مناص منه. بل إن المشكل المركزي على العكس هو التالي: اليسار، وليس اليمين هو من يبدو لي فاقدا لتوجه عام. فهل هو قادر على الخروج من العالم الوهمي الذي يتيه فيه. هل بإمكانه انجاز القفزة الكبرى التي تعطيه الحياة من جديد بوضعه داخل العالم الواقعي. كما هو في بداية القرن الحادي والعشرين؟
وتجديد اليسار يفترض اولا ان يغير هذا الأخير نظرته للفاعلين الاقتصاديين. لان الاقتصاد اصبح معولما ولأن قدرته على المقاولة اصبحت مرتبطة اكثر فاكثر بالعلم والاختراع. وليس بالرأسمالية المالية. فمن الضروري الدفاع عن مصالح العمال ضد جميع اشكال الربح غير المرتبطة بالابداع الاقتصادي.
فنهوض اقتصادنا بعد الحرب لم يكن ممكنا الا بفضل ربط الحداثة بالعدالة الاجتماعية وبالانبعاث الوطني. ونحن نعلم جميعا بأن أي حكومة في السنوات القادمة سيتم الحكم على قدرته على استرجاع النمو وتقليص البطالة.
كل اوربا يمكن ان تنتظر من فرنسا ومن ايطاليا ايضا - عوض تحويل سياساتهما نحو اليمين كما فعل البريطانيون الالمان - ان توحدا الاهداف الاقتصادية والاجتماعية. بتدشين الحراك الاجتماعي وتغيير التعليم. نحن نعلم ان فرنسا ليست متأخرة. علىِ صعيد العلم والاختراع كما هي باقي الدول الاوربية.
من الصعب ان نطلب من الفرنسيين خاصة من اليسار, تغيير مفهومهم للفاعلين الاجتماعيين فلقد دخلنا عالما انتشرت فيه الرأسمالية في كل مكان وتصاعدت فيه الفردانية الاستهلاكية. لا أحد يفكر اليوم في الاشادة بالفقر، لكن الفردانية التي تجذب شباب اليسار غير موجهة نحو الاستهلاك, بل نحو المطالبة بالكرامة, وهي كلمة فيما يبدو لي- تحمل من قوة التغيير اكثر من كلمة التضامن. قبل مائة وخمسين عاما او الاخوة في 14 يوليوز 1790 ,فهنا نلتقي حقل الصراع الرئيسي للروح الديمقراطية اليوم.لقد فرضنا حقوق الاغلبية وعلينا اليوم فرض احترام حقوق الاقليات.
من لا يتألم وهو يرى البرود الذي يتم الحديث فيه عن قضايا الشباب في المدرسة وفي الجامعة وفي سوق الشغل؟ اننا نرىِ تصاعدا في العالم اجمع لهاجس الهوية, الخوف من الآخر, اغتيال الاقليات. عكس الانتصار البارد للموت وللمنع, يبقي التنوع المبني على كونية الحقوق الاساسية هو من ينير لنا طريق الانفتاح عوض الانغلاق, والتجديد عوض الرفض.
ارجو ان لا ألام لأني اهرب من المشاكل الملموسة الى القفز نحو افكار عامة جدا. فليس هناك اكثر حسية من تحريك الحياة السياسية والمؤسسات بواسطة الامال والمطالب والوعي بالحقوق. فالسياسات التي تتحدث إلا عن الإقصاء والمنع والامتيازات قد قطعت اي رابط لها مع مطالب الجسد والروح التي ينبغي ان يتعبأ لها العمل السياسي من أجل قلب الحوافز المرفوعة من طرف المصالح والافكار الجاهزة. ضد صعود الجبهة الوطنية. سيكون الخطأ الأكثر خطورة الذي يمكن اقترافه هو تسليح الشرطة وخلق 6 فبراير 1934جديد.
فكل واحد منا قد شعر به خلال الانتخابات الأخيرة, انها نفس الحركة، نفس الضعف الذي يعتري النظام السياسي. نفس الفراغ الفكري والعلمي الذي يقود البعض نحو الامتناع عن التصويت ويدفع الاخرين مباشرة نحو الجبهة الوطنية. فليس بمعاملة جزء مهم من الكتلة الناخبة ككتلة اقل مستوى. سنعيد الحياة لمطالب الحرية والكرامة اللتين بدونهما لا تكون الديمقراطية الا فصلا في مدونة حقوق.
نحن بحاجة الى قرارات واصلاحات وتجديدات, لكننا بحاجة الى المزيد وبشكل استعجالي من الإرادة ومن القدرة على الفعل للمسؤول دون القطيعة والعنف ولنتعلم من جديد على العيش جميعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.